وسط غضب الشارع السوري؛ بسبب الأوضاع المعيشية المتردية التي لم تعد تطاق، والمواطن أصبح غير قادر على تحملها بالمطلق، وإن كان ما زال يعيش مآسيها ومدى انعكاسها والقهر الذي جسدته وصار يعانيه، مع تشدد القيود الأمنية التي أصابته في مقتل في ظل حكومة ظالمة، ساهمت في إذلاله وإفقاره، والعودة به إلى حياة أكثر تعاسة وقهراً، وسط كل ذلك العَنت، والقهر الاجتماعي والعوز والفاقة، فإنَّ الإعلام الرسمي ما زال منفصلاً تماماً عن الواقع، وهو في غياب تام عما يجري حوله، والحكومة تسعى إلى تشكيل المشهد الإعلامي والعودة به إلى ما كان عليه في السابق للمساهمة في عملية التأثير في الرأي العام الذي لم ينفع معه أي تغيير كان. فالمواطن ما زال يعيش في منأى عن الواقع برمته، فهو يراوح في المكان مرة وينهض في مكان آخر، وما زال مشتت الذهن تراه "إذن من طين وأخرى من عجين!"، وهذه حالته التي استمر عليها، وعاد والتزم الصمت تحسباً من المحاسبة والعقاب.

إنَّ الحكومة السورية تسعى إلى صناعة إعلام قادر على التأثير في الرأي العام، ولكن هيهات أن تفعل؟ وإقناع المواطن العيش في ظل واقع مزدهر، وهو في الواقع يعيش واقعاً هشّاً متردياً، وواقعاً اقتصادياً سيئاً ما زال ينزف ألماً!

الوزير الحالي للإعلام في حكومة النظام السوري زياد غصن طالما انتقد في مقالاته، وبعدة صحف ومواقع إلكترونية، الواقع الحقيقي لواقع الإعلام، وعدم استشارة العاملين في الوسط الإعلامي بقانون الإعلام الذي يؤكد على ضرورة حق المواطن في الوصول إلى المعلومة ومعرفتها، وضرورة العمل على تفعيل المكاتب الصحافية العاملة في الوزارات والمؤسسات الحكومية، وعليها أن تكون أكثر جدية في عملها في صناعة المحتوى الإعلامي بدلاً من الاهتمام بالتغطية الإخبارية وما هو مطلوب هو صناعة محتوى إعلامي يُخاطب المجتمع، ويقدم له هذه المكاتب التي أراد القائمون عليها الوجاهة وابتزاز الناس.

إنّ قانون الإعلام الجديد الذي أقره مجلس الشعب في شهر آذار (مارس) الماضي كان أثار موجة من القلق بين الصحافيين العاملين في مناطق النظام، وتجاهل مشاركاتهم في المشروع الجديد، والتخوف من تصنيف الرقابة وسط النظام على الإنتاج الإعلامي، أضف إلى تجاهل وزارة الإعلام السابقة عرض التعديلات المقترحة على الصحف حيال إبداء رأيهم في تعديل القوانين والأنظمة وكأن هذا القانون لا يعنيهم!

إقرأ أيضاً: عشق صحافي خالص

وتضمن مشروع قانون الإعلام الجديد بنوداً من شأنها التضييق على حرية الرأي والتعبير. فالمادة 15 في الفقرة ج تنص على أن من حق المؤسسة الإعلامية الرسمية إيقاف الصحفي العامل لديها لمدة ثلاثة أشهر عن العمل بذريعة "تداول أي معلومات أو أخبار كاذبة أو ملفقة لم يقم الإعلامي بتوثيق مصدرها الأساسي، وكل ما يُحظّر نشره وفقاً للقوانين والأنظمة".

كما تضمن القانون الجديد المقترح بعض الحصانة للصحافيين شُطِبَت في معرض تأدية عمله باستثناء الجرم المشهود، كما تجاهل المشروع حقوق شريحة الصحافيين المستقلين بالعمل، وحصر دور الإعلامي الذي يعمل خارج الجهات العامة لمن يحمل بطاقة صحافية صادرة عن جهة رسمية.

إقرأ أيضاً: حقوق مشروعة

إنَّ مشروع قانون الإعلام الجديد، على وجه التحقيق، تضمن ورود كثير من العبارات والمصطلحات التي لم تُعرفُ ماهيتها، وماذا يُقصدُ بها. عبارات فضفاضة تخلو من أي معنى، مثال: ما هو تعريف الوطنية؟ وما المقصود بحرمة النظام العام؟ وما هي القيم الوطنية للمجتمع السوري؟ في حين أن ميثاق الشرف الإعلامي سبق أن نص عليه القانون المعمول به حالياً والصادر قبل سنوات، فما هو مبرر حشر هذه العبارات التي لا تقدم ولا تؤخر في استصدار قانون إعلامي جديد من المفروض أنه يُخدم الصحافيين والإعلاميين ويحميهم، بدلاً من أن يسلط السيف على رقابهم، وأن يراعي واقع المواطن السوري، ويبث فيه الروح الوطنية الحقيقية، على أن يكون عصرياً، ويخدم كل الناس لا أن يكون منفصلاً عنهم ومغيباً، وغير مهتم بواقعهم.