نظام ولاية الفقيه في وضع حرج على الصعيد الداخلي. وللتغطية على أزمته الداخلية وصراعات أجنحته، بدأ رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان بالدعوة إلى "الوفاق الوطني"، لكنّ ما جرى خلال الأشهر الثلاثة الماضية أظهر بوضوح غياب الوفاق، بل إن النزاعات الداخلية اشتدت أكثر. هذا الأمر طبيعي ومتوقع؛ فالمسألة تتجاوز الخلافات الشخصية وتتعلق أساسًا بحالة النظام المتدهورة، مما جعل الأطراف المتصارعة تزداد شراسة.
على سبيل المثال، هناك النزاع حول وجود محمد جواد ظريف ضمن منظومة حكومة بزشكيان. تحت ضغط المعارضة الداخلية، أجبر ظريف على الاستقالة، لكن بتدخل مباشر من المرشد الأعلى علي خامنئي، أُعيد إلى منصبه بصفة "نائب رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية". كان يُفترض أن يكون تدخل المرشد حاسمًا وينهي الخلاف، لكن جناح سعيد جليلي – وهو جناح الأصوليين المتطرفين التابعين لخامنئي – لم يتراجع. ففي تصريح نشره موقع "رويداد 24" الحكومي بتاريخ 23 تشرين الأول (أكتوبر)، قال كامران غضنفري، أحد أعضاء البرلمان عن طهران، إنَّ بزشكيان "يرتكب جريمة علنية"، وإذا لم يُلغَ تعيين ظريف غير القانوني، سيتقدمون بشكوى قانونية، وسيكون بزشكيان ملزمًا بتقديم التوضيحات اللازمة. وأضاف أنه يعتقد أن بزشكيان قد يُحكم عليه بالحرمان من حقوقه الاجتماعية لفترة تتراوح بين 5 إلى 15 عامًا، ما يعني عمليًا تجريده من منصب الرئاسة.
قبل ذلك بأيام، كان الملا حميد رسايي، أحد أركان عصابة جليلي، قد أبدى رأيًا مماثلًا. وفي معرض تعليقاته، وصف عباس عبدي [المنظّر لجماعة الإصلاحيين] ضغوط المعارضة بأنها ليست "وفاقًا"، بل "محاولة مبتذلة للحصول على النفوذ باسم الوفاق"، داعيًا إلى "دعم المسؤولين الصالحين، وعدم السماح لهم بالوقوع في فخ الذئاب المتربصة، وقطع الطرق غير المشروعة لتقديم الترشيحات للمناصب".
من جهة أخرى، وفي تصريح لعضو جناح ما يسمى بالإصلاحيين محمد علي وكيل، قال إن هدف المعارضة من إقصاء "ظريف" هو قطع علاقات النظام مع العالم، لأن صوت ظريف يصل إلى الخارج. إلا أنه أضاف: "رأيتم في أميركا أن تأثير 'ظريف' قد تلاشى، لأن الأمور قد تغيّرت". ورغم هذا، يعقب قائلاً: "إذا كان الوفاق حقًا هو استراتيجية بزشكيان للحكم، فلا ينبغي أن يعني ذلك أن تتراجع الحكومة خطوة تلو الأخرى لصالح الطرف الآخر، بينما يتقدم هذا الأخير بلا توقف".
إقرأ أيضاً: انتخابات الرئاسة الإيرانية ووهم التغيير
هناك العديد من هذه الأنباء، لكن الأهم هو فهم أسبابها وتفسيرها. منذ عام 1981 حتى الآن، كان هذا الموضوع السياسي الأكثر جدية والذي تطلّب من جميع التيارات السياسية أن تتخذ موقفاً واضحاً حياله، ولا يزال يُعدُّ من أبرز المؤشرات الفارقة بين جبهة الشعب وجبهة أعداء الشعب: هل يملك هذا النظام قابلية للإصلاح أم لا؟
خلال هذه السنوات، وفي مراحل مختلفة ومع بعض التحولات، كان هناك من "تذكر الماضي" وبدأوا بطرح إمكانية انفتاح النظام. قد يكون تحليل هذا الموضوع ضروريًا، لكن الانخراط في فكرة "إمكانية إصلاح النظام" بداية للانحراف عن المسار الصحيح. لأن قبول هذه الإمكانية يقتضي تبني استراتيجية مختلفة، وفي تلك الحالة، تصبح الإطاحة غير ضرورية.
إقرأ أيضاً: سجل الاختراق في نظام إيران
ولهذا السبب، بمجرد أن تولى بزشكيان رئاسة نظام ولاية الفقيه، عبّر قائد المقاومة الإيرانية السيد مسعود رجوي بوضوح عن رأيه بجملة: "ناب الكلب في جلد الخنزير"، في إشارة إلى عقم محاولات الإصلاح. بعد إعلان نتائج الانتخابات، بدأ البعض في التفاؤل بوصول رئيس معتدل، وعبّر آخرون عن قلقهم من احتمالية منح الغرب مزيدًا من التنازلات له، وإعادة سياسة المساومة إلى الواجهة. لكن ما لم يُلاحظه الكثيرون هو الحقائق العنيدة على أرض الواقع وسرعة التغيرات الحاصلة.
ففي أقل من ثلاثة أشهر، تبددت جميع الآمال حول بزشكيان وإمكانية التغيير، وانتهت جميع التكهنات التي تم تداولها. خلاصة القول: لم ولن يستطيع بزشكيان أن يملأ فراغ "إبراهيم رئيسي" لخامنئي أو حتى يلعب دور الكومبارس للأول، لأنه عمليًا لا يتعدى دوره كونه إسفينًا يوسع فرص الخلاف بين أجنحة النظام المتدهور أكثر فأكثر.
التعليقات