أي مبرر يدفع قيادة حركة حماس إلى زيارة طهران للمشاركة في ذكرى ثورة الخميني، الثورة التي لم تجلب للعرب والمسلمين سوى الخراب والفوضى والتدخلات الطائفية. فمنذ أن استولى نظام الملالي على الحكم في إيران عام 1979، تحوّلت المنطقة إلى ساحة لحروب مفتعلة وصراعات دامية غذّتها طهران عبر ميليشياتها وأذرعها المسلحة، في كل من سوريا، العراق، لبنان، واليمن، مستخدمة القضية الفلسطينية كغطاء لخداع الشعوب العربية والترويج لنفسها كقوة داعمة للمقاومة، بينما هي في الحقيقة تتاجر بها لتحقيق مكاسبها السياسية والتفاوضية مع الغرب.

لطالما قدّمت إيران نفسها كحليف استراتيجي للمقاومة الفلسطينية، لكنها لم تكن يوماً داعماً حقيقياً، وإنما تستخدم القضية الفلسطينية كورقة مساومة. فمنذ عقود، لم يكن الدعم الإيراني للفصائل الفلسطينية سوى دعم مشروط ومحدود يخدم أجندتها الإقليمية، وعندما تجد نفسها في مأزق، تتنصل من التزاماتها وتبحث عن صفقات جديدة مع القوى الكبرى، بغض النظر عن مصير المقاومة أو الشعب الفلسطيني.

هذا الأمر بات واضحاً في موقف إيران من الحرب في سوريا، حيث لعبت دوراً أساسياً في دعم نظام بشار الأسد بالمال والسلاح والمقاتلين، ما أدى إلى قتل مئات الآلاف من السوريين وتهجير الملايين. والأسوأ من ذلك أن إيران، رغم استثمارها عشرات المليارات من الدولارات في دعم الأسد، تخلّت عنه لاحقاً عندما وجدت نفسها تحت ضغوط اقتصادية وسياسية دولية، ما يعكس نفاق هذا النظام وعدم التزامه بأي تحالفات حقيقية.

إقرأ أيضاً: أبعاد زيارة أمير قطر إلى سوريا

لم يكن حزب الله اللبناني أفضل حالاً، فلطالما كان الأداة الأهم للنظام الإيراني في فرض أجندته السياسية والعسكرية في المنطقة، مستغلاً القضية الفلسطينية لتبرير تدخله في شؤون الدول العربية، خصوصاً في لبنان وسوريا. ورغم أن الحزب يُعلن ولاءه المطلق لولاية الفقيه، إلا أن إيران لم تتردد في التخلي عنه في اللحظة التي بدأت فيها الضغوط الدولية تتزايد عليه، حيث لم تقدم له أي دعم عملي خلال مواجهاته الأخيرة مع إسرائيل، مكتفية بتصريحات جوفاء وبيانات تقليدية عن المقاومة، تماماً كما فعلت مع حركة حماس خلال حرب غزة الأخيرة.

اليوم، يتكرر السيناريو نفسه مع حركة حماس، حيث أنّ كل خطوة تقارب من إيران تؤدي إلى تآكل رصيدها الشعبي عربياً. فالشعوب العربية، التي دعمت القضية الفلسطينية لعقود، تدرك الآن أن الملالي لا يدعمون المقاومة إلا عندما تتماشى مع مصالحهم.

إقرأ أيضاً: "التكويع".. وجدلية القمع والتغيير

وأكبر دليل على ذلك هو الموقف الإيراني خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، حيث استمر القتال لأكثر من عام ونيف، تعرضت فيها غزة لدمار هائل وحصار خانق، دون أن تحرك إيران ساكناً. فلم تقدم أي دعم عملي، ولم تطلق صواريخها ومسيراتها التي زعمت لسنوات أنها قادرة على محو إسرائيل في سبع دقائق!

بدلاً من ذلك، اكتفت طهران بإصدار بيانات الشجب والاستنكار، تماماً كما فعلت خلال اعتداءات إسرائيل المتكررة على القدس والمسجد الأقصى. فهل هذه هي الدولة التي يجب أن تراهن عليها حركة حماس؟!

لقد بات واضحاً أن إيران لا تدعم المقاومة إلا حين يكون ذلك ورقة ضغط تخدم مفاوضاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا. وعندما تجد نفسها في مأزق، تتخلى عن حلفائها بسهولة، كما فعلت مع النظام السوري، وحزب الله، وحتى حركة حماس نفسها في مراحل متعددة.

إقرأ أيضاً: كارتر.. رمز العدالة الاجتماعية والسلام

اليوم، تسعى طهران لإعادة إحياء الاتفاق النووي عبر تقديم تنازلات كبيرة للغرب، وهو ما يُثبت أن كل حديثها عن محور المقاومة كان مجرد أداة لخداع الشعوب العربية. لقد أظهرت الوقائع أن إيران مستعدة لبيع أي طرف من حلفائها في سبيل ضمان بقائها في السلطة، فكيف يمكن لحماس أن تثق بمثل هذا النظام؟

الرهان على إيران ليس فقط رهاناً خاسراً، بل هو خطأ استراتيجي سيدفع الفلسطينيون ثمنه غالياً. فكلما اقتربت قيادة حماس من طهران، كلما زادت عزلتها عربيًا وشعبياً. وهذا التقارب يجعل حماس تخسر دعم الشارع العربي الذي كان دائماً في صف المقاومة الفلسطينية، لكنه اليوم يرى في إيران عدواً يعبث بأمن المنطقة، تماماً كما تفعل إسرائيل.

إذا استمرت حركة حماس في هذا النهج، فستجد نفسها تدريجياً خارج إطار الإجماع العربي والإسلامي، لأن الشعوب أدركت أن إيران لا تتاجر إلا بالقضايا العادلة لتحقيق مكاسبها الخاصة.

حركة حماس أمام مفترق طرق خطير، فإما أن تحافظ على رصيدها الشعبي كحركة مقاومة وطنية تحظى بدعم الشارع العربي والإسلامي، أو أن ترهن قرارها لنظام فقد مصداقيته وسقطت عنه كل الأقنعة.

في النهاية، لا يمكن لأي حركة مقاومة أن تستمر دون ظهير شعبي حقيقي، وحماس ليست استثناءً. إذا أرادت أن تحافظ على دورها ورصيدها النضالي، فعليها أن تدرك أن الملالي لا يُؤتمن جانبه، وأن إيران لا تستخدم المقاومة إلا كورقة مساومة في صفقاتها الدولية.