في مساحات لم تكن موجهة لـ quot;الكثرةquot;، قدم مهرجان quot;موازينquot; موسيقى تشبه الفراشات، ليست فراشات ماريا كاري المعتقلة في العقود والخواتم والدمالج. إنها نوتات من نور أبدعت في عزفها فرق موسيقية تدفقت من بلدان: الصين وإيران وفلسطين وإسبانيا وروسيا والهند وتركيا وأفغانستان وتونس وسوريا.. بعيداً عن الكاميرات التي كانت تلهث خلف مشاهير الغناء العالمي.


موازين: حرصت جمعية quot;مغرب الثقافاتquot; المشرفة على تنظيم مهرجان quot;موازين إيقاعات العالمquot; على ضبط إيقاع المهرجان على الموسيقى الراقصة، غير أنها استطاعت موازاة مع ذلك، وبعيداً عن الكاميرات التي كانت تلهث خلف مشاهير الغناء العالمي، أن تحدث كوة جعلتنا نطل على نوع آخر من الموسيقى في كل من قاعة quot;با حنيني، ومسرح محمد الخامس، والموقع الأثري شالة.. موسيقى مختلفة ليست منشغلة جدا بالرقص والصراخ والتمايل وهز البطون والأرداف، موسيقى تعانق الغيم وتنغمس عميقا في كل ما هو روحاني.. موسيقى تستجيب حقا لحساسية الكائن وإيقاعاته الدفينة التي تجعله يصطدم مع مجاهله..


في تلك المساحات التي لم تكن موجهة لquot;الكثرةquot;، قدم لنا quot;موازينquot; موسيقى تشبه الفراشات، ليست فراشات ماريا كاري المعتقلة في العقود والخواتم والدمالج. إنها نوتات من نور أبدعت في عزفها فرق موسيقية تدفقت من بلدان: الصين وإيران وفلسطين وإسبانيا وروسيا والهند وتركيا وأفغانستان وتونس وسوريا..


العروض الموسيقية في الفضاءات السابقة لم تحظ بالتغطية الإعلامية نفسها التي نالتها موسيقى منصات السويسي وأبي رقراق وسلا والنهضة التي كانت تراهن على الجحافل والأمواج البشرية، بل كانت تجذب جمهورا خاصا يبحث عن اقتناص متعة هادئة لا تزول بسرعة.. متعة السفر والترحال بين كواكب لم تكتشف بعد.
وحسنا فعل منظمو quot;موازينquot; بإدراج ذلك النوع من الموسيقى التي من شأنها أن ترتقي بالذوق العام للجمهور، وأن تحوله من مجرد مستهلك للإيقاعات السريعة، إلى متأمل فيها، يستنبط منها أفكارا وقيما، كما من شأنه أن يسائل روحه عن وجوده، عن المغزى من الحياة بصفة عامة، وعن معنى التوازن الذاتي، وعن كنه الحياة التي يستطيع هذا النوع الموسيقي فقط أن يمنحه لنا، لأنه يجعلنا نجاور أمكنة أخرى، ونقيم في زمان آخر غير هذا الذي نعده بالثواني والدقائق والساعات..


وحدها الموسيقى الراقية قادرة على خلق المستحيل، إنها قادرة على تكوين جمهور نوعي مثقف يفكر ألف مرة قبل أن يوزع انفعالاته على أشياء هامشية لن تجعله يستمتع بالخفة والارتفاع.


في فضاء شالة كان الفنانون العازفون والمغنون يتحركون بتؤدة، وكأنهم يحلمون، كانوا يغرسون في أجساد الحضور إبرا مهدئة، وكأنهم كانوا يدعوننا إلى quot;أكوراquot; بحجم العالم لنتأمل في أنفسنا وأنفس الآخرين والأخريات... لنفكر في العالم ونراه مجردا من الحجب والستائر والأغلفة، حيث تطوح الموسيقى بنا بعيدا نحو عوالم ساحرة من الأحلام الممكنة، بعيدا عن العواء العابر للقارات، وبعيدا عن دكتاتورية الغرائز التي تهيج الحواس وتزرع الروح في أدغال همجية من طين.


لقد توفق quot;موازينquot; إلى حد بعيد في إدراج مثل هذه الإيقاعات الجميلة التي تجعلنا كما لو كنا رواد معبد يوناني قديم، إيقاعات تدفعنا للتأمل الشامل في quot;الواجد والموجودquot; رغم إن إعلامنا، سواء أكان سمعيا بصريا أو مكتوبا، مازال يهمش كل ما هو استثنائي وجميل، فلماذا لا نسير جميعا عكس ذاك الذي يستفز الفن ويجلد الناس ويقلق راحتهم.. لماذا لا نسعى إلى تلك الأطباق التي يقدمها لنا فنانون استثنائيون قادرون على منحنا أكثر من دهشة على طبق بهي من أنغام الطبيعة