"إيلاف المغرب" من الرباط: فؤاد سعد الله ، ممثل مغربي، من مواليد أواخر الخمسينات، متزوج ولديه ثلاثة أبناء. خريج معهد الفنون الدرامية بالدار البيضاء. دخل عالم المسرح في سنٍ متقدم، حينما كان يتابع دراسته بالمستوى الابتدائي، بعد ذلك انتقل لدار الشباب" الكونسيرفتوار"، حيث التقى بثلة من التلاميذ حينها أصبحوا اليوم نجوما في سماء الفن المغربي أمثال خديجة أسد، عزيز سعد الله، ميلود الحبشي، إسماعيل أبو القناطر، خاتمة العلوي و غيرهم من المبدعين.
تعرّف عليه الجمهور المغربي من خلال العديد من الأعمال التي شارك فيها، و هو يصف نفسه بالممثل "الحربائي الشامل". أما&عن مسيرته الفنية، ورؤيته للفن المغربي والعراقيل التي تعيق تطوره، تحدث سعد الله مع "إيلاف المغرب"، وفِيما يلي نص الحوار:
#حصلت على الماستر في العلوم القانونية، وعملت مدرباً في التواصل، لكنك فضلت اقتحام مجال التمثيل. ألم تخف من خوض هذا الميدان رغم ما يعانيه من عراقيل ومشاكل؟
- بعد ولوجي للميدان المسرحي، تخليت عنه لاحقاً، حيث كانت لدي فرقة "مسرح الحال" ، تلقينا الدعم في السبعينات، حينها كنت لا أزال طالباً. وكنت أصادف ممثلين لا داعي لذكر أسمائهم يحتسون فناجين القهوة، وينتظرون من يدفع عنهم الحساب، و كنت حينها أتساءل هل هذا فعلاً هو المجال الذي أنوي امتهانه؟".
لم يكن التمثيل بالنسبة لي في بداية الأمر حرفة أمتهنها. ففي سنة 1998 غادرت عملي طوعياً، وقررت الرجوع للموهبة الأصلية التي كنت شغوفاً بها. كنت أقول ربما ستتحسن الأحوال بوجود الدعم المسرحي والإنتاجات الفنية من أفلام ومسلسلات. علاوة على دور النقابة الخاصة بالمهن التمثيلية، ظننت أن الميدان تم تقنينه، كما أن هم المصاريف الخاصة بالأطفال تقلص نسبيا بما أنهم كبروا، حيث لم يكن بإمكاني الإعتماد على المجال الفني كمورد رزق، أستطيع من خلاله الإنفاق على أسرتي، فكان من الضروري وجود وظيفة دائمة وأجر شهري يعينني على المسؤوليات.
#هل ندمت يوما على هذا الاختيار؟
- بكل صراحة، إذا لم يشعر عدد من الممثلين المغاربة بالندم في الوقت الحالي، فسيندمون لاحقاً في غياب تقنين هذا المجال.
#هناك فئتان من الممثلين بالمغرب: فئة تقر بمعاناة الفنانين وتبرر تذمرهم من الظروف المعيشية التي يقاسونها، وأخرى تفيد بعدم المبالغة، وبوجود مناخ فني صحي. إلى أي مجموعة تنتمي انت؟&
- أقول لهؤلاء الفنانين المحسوبين على رؤوس الأصابع، بأن رأيهم سيتغير حتماً إذا لم تُعرَض عليهم أعمالاً تمكنهم من العمل والحضور على الساحة الفنية. أنا أتكلم عن المجال في غياب التقنين. فعدد من الدول الشقيقة لا توجد بها الفوضى التي يشهدها القطاع عندنا. في السابق كان التمثيل أحسن حالاً مما هو عليه في وقتنا الحاضر. نحن حالياً ضائعون، ها هو الدعم لكن أين هي المردودية؟
من يقول أن كل شيء على ما يرام، ولا داعي للتذمر مما يعيشه الوسط، فهو يعيش وضعية مريحة نسبياً. ولديه وظيفة ثابتة ومورد رزق مضمون. وإذا لم نمنح فرص عمل للجميع، فسيبقى الحال على ما هو عليه، والجمهور هو الخاسر في هذه الحالة.
#ما رأيك في المسلسلات التركية المدبلجة التي تُعرَض على الجمهور المغربي؟ وهل يعني ذلك أن الفن المغربي لم يعد قادرا على العطاء واثبات ذاته محلياً؟
- هذا الأمر يدفع المغاربة وغيرهم للتساؤل عن السبب الحقيقي وراء ذلك. وهنا تحضرني واقعة حضور الممثلتين المصريتين يسرا وإلهام شاهين لفعاليات أحد المهرجانات بالمملكة، حيث عبّرت لي "شاهين" عن استغرابها من بث القنوات المغربية لأعمال مصرية وتركية مدبلجة، متسائلة بالقول"هل نحن في المغرب أم مصر، كنت أود رؤية فيلم مغربي واحد لكن لم أجده على قنواتكم".
هذا لا يعني أن الفن المغربي قاصر أو أنه لا يمتلك مواهب وطاقات إبداعية في مجالات عدة . فلدينا مؤلفين، ومخرجين، لكن ما ينقصنا هو الإنتاج، من يطلقون على أنفسهم صفة منتجين هم منفذو إنتاج. لكن الأمر لا يروقهم حينما نصارحهم بهذه الحقيقة.
هناك ثلاثة ممولين للفن المغربي: وزارة الثقافة ووزارة الإتصال والمركز السينمائي المغربي والآخرون وسطاء فحسب.
وفي هذا السياق، أشير إلى أنني كنت بصدد المشاركة في أحد الأفلام، لألعب دوراً يجسد &شخصية رجل ثري يعيش في مكانٍ راق، إلا أنني صُدمت بتغيير أمكنة التصوير من فيلا إلى منزلٍ متواضع، ومن سيارة فارهة إلى عكسها، لأن الإنتاج ببساطة لا يملك الإمكانيات المالية لتوفير الديكور والأساسيات.
#لماذا نراك أكثر في الأدوار الكوميدية؟ هل هو اختيارك أم تقصير من المخرجين الذين يحصرونك في هذا السياق؟ ألا تخاف أن يحصرك هذا الأمر في نوعٍ من الرتابة والملل لدى الجمهور؟
- أتساءل هل المخرجون المغاربة ليسوا على دراية، ألا يرون أم أنهم لا يشاهدون التلفزيون؟ المشكل لا يكمن في شخصي، فأنا ممثل"حربائي وشامل" وخريج معهد.
وأود الإشارة إلى أنه سبق لي المشاركة في أعمال درامية أمثال "شبح الماضي"و"الخطاف" وغيرها. هذا الأخير الذي جمعنا بممثلين مصريين. وأديت فيه شخصية رجل مافيا، دفعهم للتساؤل: "هل هذا الرجل من داخل المغرب أم من خارجه؟".
بمقدوري تأدية أدوار مختلفة درامية وحتى تاريخية، وأحلم بتجسيد شخصية هارون الرشيد.
&
#ما رايك ببرنامج اكتشاف المواهب الكوميدية STAND UP الذي تبثه القناة التلفزيونية المغربية &الأولى؟
- بصراحة، مستوى هؤلاء الناس ضعيف، وهم غير قادرين على إضحاك المغاربة. فبالعودة لفترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كان بوشعيب البيضاوي والحبيب القدميري يقومان بالأدوار الكوميدية بشكلٍ أكثر حرفية ومهنية.
أعاتب اللجنة التي لم تحاول توجيه المشاركين لتحسين أدائهم، بل تكتفي بالإطراء والثناء على ما يقدمونه. وهنا أتساءل هل هكذا يتم تأطير هؤلاء الشباب.
#هل يمكن أن يراك الجمهور المغربي عضوا في لجنة للتحكيم في برنامج مماثل؟
- يمكنني القبول ، لكني سأقول رأيي بصراحة، وأوجه ملاحظاتي للشباب لإفادتهم وجعلهم يطورون موهبتهم. فالأستاذ مهمته التأطير والتوجيه والصرامة وعدم الإستسهال، فمن غير المنطقي الثناء على مشاركين لا يعرفون أبجديات العمل الفني، أبسطها الوقوف بطريقة سليمة على الركح والنطق بشكل سليم.
#شاركت مؤخراً بالمسلسل التلفزيوني "القلب المجروح "الذي تبثه القناة التلفزيونية الثانية. وهناك انتقادات وُجِّهَت للعمل من طرف رواد مواقع التواصل الإجتماعي تمحورت حول "عدم وجود حبكة درامية، والممثلون يعوضون فشلهم في الأداء بالصراخ". فهل قلة الأعمال المغربية تجعل الممثلين يرضون بأي عمل يعرض عليهم؟
-أي مهنة تحتمل النقد لكن الفن ينال الحصة الأكبر بالنقد. وهذا شيء طبيعي. مشكلتي أنني لا أقبل كل ما يُعرض علي، لذلك لا أعمل بشكلٍ مكثّف.
في العمل التلفزيوني، نجد ثلاثة ممثلين مهنيين، والبقية يأتون بهم من الموقف( الشارع). و هو الأمر الذي يحطم فعلياً التمثيل ببلادنا.
قد لا يقبل الممثل بالدور الذي لا يروقه في بداية الأمر، لكن رأيه يتغير لاحقاً، بالنظر لتكاليف الحياة &المتواترة ، وكذا رغبته في العيش بكرامة مع أسرته.
#كيف ترى واقع الفن المغربي في الوقت الراهن؟
- واقع كارثي. وهنا أنصح الشباب بعدم امتهان التمثيل إلا إذا تم تقنينه بشكلٍ جاد، أما إذا بقي الحال جامداً على ما هو عليه، فالممثل المغربي سيصبح مزاراً للناس.
#ما السبب وراء غيابك عن الافلام السينمائية؟
-أنا أول من يتساءل عن سبب هذا الغياب.
#ما هو تقييمك للأعمال الفنية التي تُعرَض حصرياً في رمضان بالقنوات التلفزيونية المغربية؟
- سأجيب عن هذا السؤال &من زاويتين: كفنان و كمواطن عادي.
أولا، إستغراب الجمهور من غياب الجودة في الأعمال الرمضانية راجع بالأساس إلى كون التحضير لها يتم في اللحظات الأخيرة قبيل حلول الشهر الكريم. حالياً رمضان على الأبواب ولم يتم الشروع في التحضير للأعمال بعد. فكيف يعقل أن يتم التحضير لمسلسل من 30 حلقة خلال شهر ونصف شهر. الإبداع يتطلب التركيز.
أما كمواطن مغربي، فأقصى ما يمكن القيام به هو رؤية قناة تلفزيونية مغايرة إن لم يعجبنا العمل. إذ ليست لدينا ثقافة إقامة دعوى قضائية ضد البرامج والمواد التي تستهتر بعقولنا، على غرار ما يحصل في الدول المتقدمة التي تحترم جمهورها كالولايات المتحدة.&
#ما هو سبب عدم استضافتك في البرامج التلفزيونية المغربية، هل هو اختيار منك أم إقصاء لك من طرف القيمين عليها؟
- هناك برامج أرفض المشاركة فيها نظراً لرداءتها، فهي ليست في مستوى المشاهد المغربي، كما أنها لا تمنح المقابل للضيف، وهذا "مشكل عويص".
#هل هناك برنامج معين تتحفظ على المشاركة فيه؟
-لا أقبل إطلاقا الظهور في "رشيد شو" لأنه رديء ولا يملك مقومات البرنامج الناجح. الطريقة التي يسير بها لا تناسب ثقافتنا على اعتبار أنه مأخوذ بالأساس عن برنامج أميركي. وأود الإشارة &إلى أن الفنان محمد الجم سبق له أن قدّم نسخة عن البرنامج الترفيهي الأصلي "جوا من جم"، وكذلك سعيد الناصري قدّم شكلاً مماثلاً، لكن التجربتين لم تنجحا.
التعليقات