"إيلاف" من سيدني: على الرغم من أنها كانت تؤدي أدوار البطولة في الأفلام، إلاّ أن خير من يستطيع تجسيد شخصية هيدي لامار في السينما هي ذاتها. وفي النسخة الإسبانية من مذكراتها "النشوة وأنا" التي صدرت مؤخراً عن دار "نوتوريوس" للنشر، تتحدث الممثلة عن أدق التفاصل وأكثرها حميمية في حياتها. علماً أن هذه المذكرات كانت قد صدرت لأول مرة في عام 1966، وأحدثت حينها ضجةً كبيرة في هوليوود. وكتب كل من ليو غيلد وسيواي رايس، عن لسان "المرأة الأجمل في العالم"، عن مغامراتها الجنسية، وزيجاتها الست، وحالات الطلاق، ومكالماتها الطويلة مع الطبيب النفساني.

ممثلة إباحية
ولدت هيدويغ إيفا ماريا كيسلر في فيينا عام 1914، من أبوين يهوديين، أب مصرفي وأم عازفة بيانو.وإشتهرت كممثلة من خلال بضعة أفلام، قبل أن يطلقها غوستاف ماشاتي في شريطه الإباحي "النشوة". وكانت تلك المرة الأولى التي تعرض فيها السينما أوج لحظات النشوة عند المرأة. وسبب الفيلم إحراجاً كبيراً لوالديها يوم العرض، وأثار غضب البابا بيوس الحادي عشر، الذي حاول منع عرضه. وفي الواقع، كان الفيلم قد عرض في العديد من الولايات الأميركية، على مدى أكثر من 20 عاماً.




الهروب على الطريقة الهيتشكوكية
ولم يسر الفيلم أيضاً زوجها الأول صانع وتاجر السلاح المعروف فريتز ماندل، الذي حاول شراء جميع نسخ الفيلم كي لا يرى الناس زوجته وهي عارية. كانت الغيرة أبرز صفة في شخصية ماندل، الذي كان قد شاهد الممثلة خلال أداءٍ مسرحي، وإستغل علاقته بهتلر، طالباً منه التوسط مع أسرتها لتزويجها منه. وكما تقول، جعل منها سجينته الجنسية، ولم يكن يسمح لها بمغادرة قصره إلاً برفقته. وحاولت الهرب منه مراتٍ عدة على مدى سنتين، وفي النهاية، تحقق لها ما أرادت على الطريقة الهيتشكوكية. فقد إستأجرت خادمة كانت تشبهها، وحاولت تقليدها لأشهر، وفي أحد الأيام، وضعت مخدراً لها، وإرتدت ملابسها وهربت إلى محطة القطار، في طريقها إلى فرنسا. تقول الممثلة التي حصلت على الطلاق في فرنسا، وهربت من هناك إلى لندن، بعد أن إنتبهت إلى نفوذ زوجها السابق الواسعة، تقول "فريتز أراد أن يحتفظ بي كسجينة. وأنا أردت أن أهرب. وخسر هو اللعبة".

نجمة شهيرة
لم يكن أول لقاء مع لويس بي. ماير على الإطلاق جيداً. كان مدير شركة "مترو غولدن ماير" قد شاهدها في فيلم "النشوة"، وفكر أن يجعل منها نجمة، وإن بشكل مغاير لما كانت عليه حتى ذلك الحين. وفي ذلك اللقاء، قال لها ماير مؤكداً "أن أرداف المرأة لزوجها فقط، وليس للمتفرجين"، ولكنه سيوقع معها لاحقاً عقداً، ويستثمر، في مناسباتٍ عديدة، النواحي المثيرة في من أطلق عليها إسم هيدي لامار.
ولم تحقق أفلام لامار الأولى في هوليوود غير الفشل. وذهبت مع الريح جميع التوقعات التي كان من المؤمل تحقيقها عند وصول بطلة "النشوة" إلى عاصمة السينما، لكن الجهود التي بذلتها الشركة السينمائية من أجل وضع هيدي لامار في مصاف كبار النجوم مثل كلاري كيبل، أو سبينسر تريسي كانت قد أعطت ثمارها. وكثيرات من نجمات هوليوود، أمثال جوان بينيت أو جوان كراوفورد، أردن محاكاة هيدي لامار، من خلال صبغ شعرهن ليبدون مثل "غابي" في فيلم "الجزائر".

هيدي لامار مع فيكتور ماتيور في فيلم "شمشون ودليلة"، 1949


فيلم "شمشون ودليلة"
كانت لامار تعاني كثيراً عند إختيار النصوص، لذلك لم تستطع المشاركة في الفيلمين الشهيرين "كاسابلانكا" و"القلق"، حيث كانت ستحقق حلمها في التمثيل بدلاً من الإتكال على جمالها، لكن بعد إنتظارٍ دام بضع سنوات عثرت على الدور الذي كان سيطلق شهرتها كممثلة جيدة. وكان النجاح في إنتظارها، بعد أن أدّت دور دليلة الرائع في فيلم "شمشون ودليلة" عام 1949.

مخترعة وباحثة علمية
لم تشر الممثلة النمساوية الأصل في أي وقت، إلى جانب قراءة النصوص وتجسيد الأدوار السينمائية، إلى أنها كانت تكرّس الكثير من وقتها للبحوث العلمية. ويبدو مستغرباً بعض الشيء عدم ورود ذلك في سيرتها الشخصية التي قامت لاحقاً بثورة في التكنولوجيا الحديثة. ربما لم يخطر ببالها أن "نظام الإتصالات السرّي" وبحوثها العلمية الأخرى كانت ستمهد لظهور تقنياتٍ الهاتف الذكي و"البلوتوث" و"اللابتوب" و"الواي فاي" ونظام تحديد الأماكن "جي بي إس". أو ربما عمد الجيش الأمريكي إلى إخفاء تلك الإختراعات التي إعتبرتها أمريكا سلاحاً سرياً ساعدها في إستخدام أجهزة الإرسال في الحرب العالمية الثانية.


وفاتها
لم تتحدث المذكرات بوضوح عما إذا كانت هيدي لامار تعمل كجاسوسة، رغم توفر صفات ذلك في شخصيتها. وقد تعلمت الكثير عن الأسلحة، عندما تزوجت من ماندل، صانع وتاجر السلاح الذي كان يقوم بتزويد هتلر بالأسلحة.
توفيت هيدي لامار عن عمر 86 عاماً، بعد أن عاشت سنواتها الأخيرة تعاني من الفقر والعوز، حيث دخلت السجن بعد أن قامت بالسرقة من المحلات، وأدمنت على المخدرات، وأضحت مهملة حتى عثر عليها أصدقائها ميتة في سريرها في 19 يناير/ كانون الثاني عام 2000.