سجلت الفنانةً المغربية زهور معناني انطلاقتها في الفن التشكيلي من موضوع المرأة، التي خاضت غمار طرح قضيتها عبر بوابة التحرر. الوجوه النسائية في لوحات هذه الفنانة تجمع بين الرغبة في الإنعتاق وبين مقومات الجمال الأنثوي، وهي ثنائية ليس من السهل الجمع بينهما، لا سيما أن الجمال ارتبط في الأذهان بالضعف والسطحية، فيما التحرر كان دائمًا مرادفًا للقوة وإستخدام العقل.

إيلاف من الرباط: استطاعت معناني ابنة منطقة دكالة (جنوب الدار البيضاء)، وسليلة مدرسة فنية ارتبطت في وجدان عشاق هذا الفن بفنانة عصامية هي الشعيبية طلال، أن تنحت اسمها بقوة في عالم الفن التشكيلي، خلال السنوات الأخيرة، من خلال مسار صعب ومتميز، تشكل عبر ملامستها لقضايا تحرر النساء، وإصرارهن على الحضور بقوة في كل مناحي الحياة.

عودة بعد انقطاع
بسبب ظروف عائلية انقطعت معناني عن الرسم، خلال المرحلة الإعدادية، واستمر انقطاعها عن الرسم إلى أن حصلت على الشهادة الجامعية (الإجازة) من جامعة شعيب الدكالي في مدينة الجديدة (جنوب الدار البيضاء). كانت تحاول التأقلم مع رتابة الحياة القاتلة، حين تزوجت وأنجبت طفلين، لكن ذلك لم يدم طويلًا، لتعانق من جديد عالم الصباغة.

عن تلك المرحلة العصيبة من حياتها، تقول معناني «كنت كلما مررت بجانب لوحة أو اشتممت رائحة الصباغة شعرت بدوار وأحيانًا كانت تنتابني حالة من الإغماء، إلى أن قررت ذات يوم أن أعود إلى عالم الصباغة. شعرت حينها أن روحي عادت إليّ من جديد.. وكان زوجي هو من شجعني على التصالح مع عالم الرسم الذي انغمست فيه من جديد».

مهرجان ألوان دكالة
إلى جانب الرسم الذي عشقته منذ طفولتها، تترأس معناني جمعية الزهور للفن والتراث، وهي أيضًا مديرة مهرجان ألوان دكالة السنوي، الذي سيشهد خلال هذه السنة دورته الخامسة، وهو مهرجان استطاع أن يستقطب كبار الرسامين التشكيليين عبر القارات الخمس، ودأب منذ دورته الأولى على تكريم مجموعة من الأسماء اللامعة في الفن التشكيلي المغربي والعالمي، أمثال الفنان السوداني عبد التواب الزين والمغربي عبد الكريم الغطاس ومليكة أكزناي وغيرهم.

تؤمن معناني أن من واجب الفنان أن يخدم قضايا بلده، وأن يأخذ بيد من يتلمسون خطواتهم الأولى نحو الإبداع. إذ لولا أشخاص مروا في حياتها لما استطاعت أن تعانق من جديد الفن الذي سكنها منذ طفولتها، لذلك فإنها لا تتوانى عن تأطير عدد من الفنانات التشكيليات وتلقينهن المبادئ الأولى للرسم.

وفاء للرواد
تعتبر معناني أن الفنانة الشعيبية طلال ابنة منطقة أزمور (في ضواحي الجديدة) تعد من رواد الفن التشيكلي. تقول زهور «إن قوة الفنانة الشعيبية هي في كونها ترسم بروح طفلة صغيرة، وترى العالم الذي تشكله في لوحاتها بعين طفل، وهو ما لا يتسنى لكثير من الفنانين».

وسبق لمعناني أن استضافت في أحد المعارض فنانين من مناطق عديدة من العالم لتخليد الذكرى العاشرة لرحيل تلك الفنانة، وكان من الصعب عليهم محاكاة لوحاتها، لأنه من الصعب أن يستعيد الفنان حسه الطفولي ليشخص عوالم بالشكل الذي رسمته فنانة مثل الشعيبية طلال. فهذا أسلوبها الذي جعلها مادة دراسة لكثير من النقاد ومحط إعجاب لعدد من عشاق الفن التشكيلي.

أسلوب فريد
منذ بداياتها اختارت معناني لنفسها أسلوبا جعلها تتميز به، سواء من حيث موضوع لوحاتها أو شكلها. إذ شكلت قضية المرأة التيمة الغالبة على كل الموضوعات التي تناولتها، فيما اختارت أن تلبس البروتريهات النسائية في لوحاتها الزيتية أكسسوارات معدنية.&

تقول معناني بشأن ذلك «في بدايتي كنت أشكل مجسمات نسائية على رقائق معدنية، وبعد ذلك انتقلت للرسم، لكن مع الحفاظ دائمًا على استخدام الرقائق المعدنية، وهذه المرة من خلال جعلها أكسسوارات (حلي) نسائية على اللوحة».

تؤمن معناني بأن ما يميز كل فنان هو أسلوبه المتفرد الذي يعبّر من خلاله عن نظرته إلى الأشياء ويتشكل عبره العالم وقضاياه المتعددة، إذ من دون ذلك لا يمكن للفنان أن يفرض نفسه، ولكي يحفر اسمه عليه بنهج أسلوب يصبح معروفًا لدى النقاد ومحبيه.

شاركت معناني في العديد من المعارض الفردية والجماعية، سواء داخل المغرب مثل «تجليات أنثوية» في دار الثقافة في تطوان & ومعرض «صرخة أنثى» في مسقط رأسها الجديدة، وخارج المغرب كذلك (فرنسا، بلجيكا، تونس، مصر، إسبانيا، أميركا وتركيا..)، وهي عضو لجنة تحكيم مهرجان صالون جنوب الوادي في الأقصر (مصر)، إضافة إلى كونها منسقة فنية في مركز رواد الفن التشكيلي في مصر، فضلًا عن أنها حظيت بتكريمات عدة داخل المغرب وخارجه نظير مسار فني حافل بالإبداع.