إيلاف من تورتنو: منذ الأول من أغسطس، أي عندما أُعلن عن حضور ثلاثة أفلام من إخراج أو إنتاج سعودي إلى مهرجان تورنتو السينمائي، والحماس يكبر شيئاً فشيئاً تجاه هذا المهرجان، ولا سيما أنه منذ عودة صالات السينما وبدء الدعم الرسمي الحكومي للسينما وصناع الأفلام السعوديين لم تحض أي أفلام سعودية بالمشاركة في مهرجانات سينمائية دولية كبرى.

ومن خلال خبرة بسيطة بالمهرجانات سواء أكانت عربية أم دولية، يظل شعور الحضور لفيلم سعودي في أي مهرجان جميلاً فما بالك عندما يكون في محفل سينمائي دولي وبشكل رسمي؟
لذا كان الحماس في أوجه تجاه المهرجان ومشاركة أفلام "مندوب الليل"، و"ناقة"، و"هجان" فيه.

الثامن من سبتمبر.. البداية مع "مندوب الليل"

منذ وصولنا إلى قلب مدينة تورتنو واستلام البطاقات الخاصة بالصحافيين عملنا على إعداد جدول المشاهدة، ولا نستطيع وصف إحساسنا عند مشاهدة "بوسترات" الأفلام السعودية على امتداد شارع "كينج ويست" مع بوسترات أفلام عالمية آخرى بجانب تواجدها في المجلات العالمية كـ "فاراياتي" وغيرها من الصحف.
فمع أول يوم بدأنا نترقب عرض "مندوب الليل" لعلي الكلثمي، كأحد أكثر الأفلام انتظاراً؛ لعدة أسباب، أهمها أنه يجمع بين علي الكلثمي ومحمد الدوخي أكثر الممثلين شعبية في "تلفاز"، ولكونه من المشاريع التي جرى الحديث عنها بشكل كبير؛ لذا كنت أنتظره بحماس شديد.

وبالفعل أتى الموعد المنتظر الساعة 2:30 ظهراً بتوقيت تورنتو، وحضر المخرج وطاقم العمل، وأبرزهم: محمد الدوخي باللباس السعودي الرسمي في لحظة فخر وهاجر الشمري، والكاتب محمد القرعاوي، حضروا جميعاً إلى صالة العرض شبه المكتملة؛ لنشاهد التفاعل الجميل والمؤثر مع الفيلم الذي يعرض مختلف أشكال "الحياة الليلية" في الرياض.

وقد ذكرت المبرمجة نتالي هانتر مسؤولة "أفلام الشرق الأوسط" في مهرجان تورتنو بعد عرض الفيلم أنها متأكدة أن هذا العمل سيدفع كثيرين إلى البحث عن أفلام سعودية أخرى ومختلفة، وكان التعاطي بعد عرض الفيلم مع فريق العمل من خلال أسئلة الجمهور أجمل ما في هذا العرض، الذي بشّر بمستوى قوى لأفلامنا، وكان جديراً بالاهتمام، وبذلك انتهى أول عرض وأول ليلة من ليالي المخرجين السعوديين في تورنتو.

الحادي عشر من سبتمبر.. موعد مع "هجان"

منذ اليوم الأول من وجودنا في تورنتو، وفي أثناء حديثنا مع كثير من الصحافيين والمراسلين، كنا دوماً نكرر السؤال لهم عن الأفلام العربية أو السعودية التي يهمّهم حضورها، وكان هناك شبه إجماع على فيلم "هجان"، ونظن أن اختيارهم له كان لعدة أسباب، منها "الملصق" نفسه الذي عكس موضوع الفيلم بشكل مثير، إذ رأينا عليه صورة الإبل والصحراء، تلك الصورة النمطية لنا كعرب عند الغرب.

عموماً.. أتى اليوم المنتظر، أي ١١ سبتمبر، ولهذا التاريخ دلالة عالمية خاصة لدينا كسعوديين؛ لارتباطه بذكرى تاريخية وسياسية مزعجة، لكننا اليوم بدأنا نتعامل معه بشكل مختلف، حيث تحوّل لدينا إلى تاريخ اليوم الأول للعرض السينمائي لفيلم "هجان". اقترب العرض وبدأ بحضور المخرج أبوبكر شوقي والمنتجين ماجد سمان ومحمد حفظي ورولا ناصر في تمام الساعة 5:30 مساء بتوقيت تورنتو، لنرى قاعة ممتلئة بالحضور الغربي والعربي، مع وجود أعداد ليست بالقليلة على قائمة الانتظار.

إنها المرة الأولى التي نشاهد فيها سباقات الهجن والإبل سينمائياً، وللحق، لقد أظهرها المخرج أبو بكر شوقي في حلة سينمائية مميزة، لكن المميز في الفيلم هو حضور النجم الكبير عبدالمحسن النمر، إذ كان مميزاً يليق بنجم سعودي قدّم الكثير خلال مسيرته، وكان ظهوره أشبه بتتويج مستحق بفعالية سينمائية مهمة كمهرجان تورتنو، لينتهي بعدها العرض الذي لقي تحية وتفاعلاً وتصفيقاً من الجمهور في مشهد شاعري من ليالي السينما السعودية في تورنتو الكندية.

الثاني عشر من سبتمبر.. وأخيراً وصل "ناقة"

حضرنا العرض السابق لفيلم "ناقة" مع الصحافيين، وفي أثناء خروجنا للحديث مع أحد الزملاء قال: الفيلم يعرض في أي قسم؟ قلنا: قسم "عروض منتصف الليل" .. قال: إذاً استعد، أنت مقبل على ليلة استثنائية!

منذ صباح الـ12 سبتمبر كنا برفقة يزيد المجيول بطل الفيلم ومنتجه معتز الجفري. بدا يزيد في قمة هدوئه واستمتاعه وكأنما لا ينتظره أي عرض سينمائي في الليل، بعكس معتز الذي نال منه القلق إلى حد ما، وكانت أغلب النقاشات عن استقبال الجمهور للفيلم: هل سيعجبهم أم لا؟ وعن الأسئلة المتوقعة من الحضور، وغير هذا مما يتعلق بالعرض.

كل ذلك كان قبل أن نلتقي بمشعل الجاسر مخرج الفيلم الذي يغلي قلقاً وترقباً. وقد حدثناه أكثر من مرة عن جمال فيلمه وسعادة الصحافيين ممن شاهدوا العرض الخاص به، ولكنه ظل مستمراً في قلقه وترقبه الشديد لردة الفعل تجاه فيلمه. وقبل عرض الفيلم شاهدنا أضواء بدر للمرة الأولى، رائعة بحضورها وتفاعلها، وبعيداً عن إبداعها في الفيلم إلا أن كل المؤشرات تخبرنا بميلاد فنانة سينمائية مختلفة.

اللافت أنه لم يسبق لنا حضور أي فيلم في قسم عروض "منتصف الليل"، فكان عرض الفيلم في مسرح "رويال ألكسندرا" التاريخي التحفة المعمارية التي تم بناؤها عام1907م، الذي يعد مسرحاً ملكياً من زمن إدوارد السابع، ويبلغ عدد المقاعد فيه نحو 1240 مقعداً.. إذاً فهذا المكان التاريخي الأصيل يليق بفيلم مختلف كـ"ناقة" وبمخرج فريد كمشعل الجاسر.

عند الساعة 11:44 ليلاً بدأ العرض بتقديم من بيتر المبرمج الخاص بقسم عروض "منتصف الليل" في مهرجان تورتنو، الذي قدّم الفيلم بشكل مختلف، بجانب تفاعل الجمهور معه، سواء أكان ذلك بالتحية أو التصفيق أو الهتاف! وهذا التفاعل عادة ما يصاحب قسم عروض "منتصف الليل" التي يصنف جمهورها بأنهم "سينيفيليون" أكثر من غيرهم.

بدأ العرض السينمائي الذي لقى تفاعلاً رائعاً من الجمهور لم نشهد مثله لفيلم سعودي، وكانت ليلة احتفائية سينمائية لا تنسى وتليق بهذا الفيلم الرائع. وللحق فإن فيلم "ناقة" نال جماهيرية كبيرة منذ أول عرض للصحافيين، وظلّ عدد الجمهور مكتملاً دائماً، إضافة إلى طوابير الانتظار في الخارج على أمل إتاحة البديل في العروض السينمائية الثلاث للفيلم .

ختاماً: على مدار مسيرتنا الصحافية ومتابعتنا للمهرجانات، عربية كانت أم دولية، كانت أيام مهرجان تورتنو السينمائي 2023م تحمل أجمل الذكريات.. وكانت لياليها أجمل الليالي؛ مما يحدونا لإستعارة كلمات من أغنية العظيمة أسمهان "ليالي الأنس في فيينا" ونستبدل أخرى بها؛ لتصبح: "ليالي الأنس في تورتنو"... فهي ليالٍ سعودية لا تُنسى ونحن على يقين من تكرارها في مهرجانات سينمائية في قادم السنوات .