كانت دار الاتحاد، حيث أعلنت دولة الامارات، مجاورة لمجلس جميرا، الذي كان يجلس فيه حاكم دبي الراحل راشد بن سعيد. إلا أن المجلس زال، وتبعثرت مقتنياته التاريخية، فيما يقول مصدر لـ"إيلاف" إن مقتنيات ثمينة بحوزة مهدي التاجر يجب أن تعاد الى المتحف الوطني.


دبي: يتساءل عدد من مواطني دبي أين ذهبت مقتنيات مجلس الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي الراحل، أو ما يعرف بـ "مجلس جميرا"، الذي كان يعج بالآثار والقطع التاريخية النفيسة.

المدخل الخارجي إلى ما كان مجلس الجميرة

فمجلس جميرا كان عابقًا بتاريخ الامارات، ففيه استقبل الشيخ راشد بن سعيد المواطنين والزوار الأجانب. إلا أن هذا لم يشفع له، إذ مع تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع بناء مبنى متحف الاتحاد بدبي، أزيل مجلس جميرة، وكأنه لم يكن.

كريستال مذهب

كان مجلس جميرا قائمًا إلى جانب دار الاتحاد، أي الدار التي تم فيها توقيع وثيقة قيام دولة الامارات العربية المتحدة، ويضم ثاني أكبر علم لدولة الإمارات، يعلو سارية بارتفاع مائة وعشرين مترًا.

وقبل أن يصل إلى خواتيمه الحزينة، دخلته "إيلاف" من باب وصلَ الحداثة بالعراقة، ووصلَ أمس دبي بيومها.

كانت أدوات الكريستال تزين المجلس، معلقة في السقف، مطعمة بماء الذهب، لتزيد إلى ورق الجدران رونقًا، هذا الورق الفيكتوري الفاخر، الذي يعود طرازه إلى سبعينيات القرن الماضي.&

باب مجلس جميرا، الذي وصل ماضي دبي بمستقبل الامارات

في صدر المجلس عشرة مقاعد تراثية رصينة، وفي الجانبين مقاعد طويلة مخصصة للضيوف، تشرف على سجاد أحمر وعلى مجموعة من السجاد العجمي القديم الفاخر.

وعلى جدران المجلس ثلاثة صور لحاكمي دبي الراحلين الشيخ راشد بن سعيد، والشيخ مكتوم بن راشد، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة بعد توحيدها.

أما مكتب الشيخ راشد في المجلس فكان يضم منضدة وكرسيًا ومكتبة عريقة وأنوارًا مكتبية، و9 منافض من الكريستال الاصلي.

في حوزة التاجر

زال مجلس جميرا من الوجود، وتبقى منه ذكراه العطرة، وسؤال لا بد من طرحه: أين هي المقتنيات الثمينة التي كانت في داخله؟

تقول مصادر خاصة بـ"إيلاف" إن رجل الأعمال الاماراتي، المقيم في بريطانيا، يملك مقتنيات مما كان في المجلس للشيخ راشد بن سعيد الكثير، وخصوصًا جواز سفر الشيخ راشد، ومعظم الهدايا التي قدمتها له الدول الصديقة، والهدايا التاريخية والاقلام والسجاد، أي ما لا تقدر بثمن.

صور الشيخ راشد بن سعيد والشيخ مكتوم بن راشد والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان

وأكدت هذه المصادر، في حديثها إلى "إيلاف": "آن أوان استرداد مقتنيات الشيخ راشد بن سعيد من مهدي التاجر، إذ يجب أن تعود مقتنيات مؤسس دبي إلى الدولة، ليتم وضعها في المتحف الجديد، الذي قرر الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس دولة الامارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ان يكون متحفًا ضخمًا يحفظ دبي وتراثها الأصيل.

مهدي التاجر

كان لمهدي التاجر، الذي يقال إن في حوزته مجموعة من المقتنيات للشيخ راشد بن سعيد، دور فعال في نهضة دبي، إذ لم يغب ذكره يومًا عن المشاريع الكبيرة التي أسسها الشيخ راشد. تم تعيينه سفيرًا للإمارات في المملكة المتحدة لفترة طويلة، تمكن في خلالها من تطوير العلاقات الاماراتية البريطانية وتوثيقها. كان التاجر أحد مهندسي قيام دولة الامارات العربية المتحدة، وشارك في كل مراحل المفاوضات بين الإمارات السبع، وبينها وبين كل من قطر والبحرين.

والتاجر (79 عامًا) مقيم في بريطانيا، يعمل في مجال المياه المعدنية والحديد والعقارات.

صدر المجلس لزوار الشيخ راشد بن سعيد

أغنى الأغنياء

تلقى التاجر علومه المدرسية في مدرسة بريستون بالمملكة المتحدة، وجمع ثروته عندما انطلق في أعمال التخليص الجمركي في دبي.

وسرعان ما استفاد التاجر من حركة تجارة الذهب عبر دبي. وفي العام 1975، بلغ ما حققه من حجم تجارة الذهب 500 مليون دولار.

احتل المرتبة الأولى على قائمة "صنداي تايمز" لأغنى أغنياء العرب في بريطانيا من خلال تقييمين مختلفين، بثروة قدرها 2,53 مليار دولار، أولها أغنى أغنياء اسكوتلندا، والثانية أغنى العرب في بريطانيا.

وتزايدت ثروته ليضيف 50 مليون إسترليني، ليتراجع إلى المركز الثامن والثلاثين على القائمة الأساسية لأغنياء بريطانيا. واحتل التاجر، الذي يعمل في مجال المياه المعدنية والحديد والعقارات المركز الأول لأغنى أغنياء اسكوتلندا العامين 2013 و 2014.

فخامة البساطة وأصالة التاريخ في مجلس جميرا

قصة الاتحاد

أما متحف الاتحاد، الذي يدعو المسؤولون إلى إغنائه بمقتنيات الشيخ راشد بن سعيد الخاصة، بعد استردادها من مهدي التاجر، فقد بدأ في كانون الثاني (يناير) 2014 تنفيذ المرحلة الأولى من بنائه. وعند انتهائه، سيكون هذا المتحف معلمًا بارزًا، ومنارة تحكي قصة قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.

قاعة الاستقبالات الكبرى مزينة بثريات الكريستال

ويتألف مبنى متحف الاتحاد من خمسة أجزاء، خصص الجزء الأول ليروي قصة حياة هذه المنطقة قبل قيام الاتحاد، ويسلط الجزء الثاني الضوء على المراحل الدقيقة لتفاصيل قيام اتحاد دولة الإمارات، عارضًا الوثائق والمخاطبات والاجتماعات التي توجت بتوقيع وثيقة قيام الاتحاد، ويضم قاعة لعرض التجسيد ثلاثي الأبعاد "هولوغرام"، ويحكي الجزء الثالث عصر النهضة والإنجازات البشرية والاجتماعية والعمرانية والاقتصادية.

يتألف الجزء الرابع، أو جزء اللؤلؤة، من قاعة للاجتماعات الرسمية والمناسبات، ويضم الجزء الخامس ساحة احتفالات وعروض، فيها مسرح مفتوح يتسع لنحو 500 شخص، تقام فيه عروض للصوت والضوء والماء.

مكتب الشيخ راشد المتواضع في مجلس جميرا

غرس قيم الامارات

الهدف من بناء متحف الاتحاد هو تأكيد القيمة التاريخية للموقع والمبنى الذي حصل فيه التوقيع وإعلان تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحويل المبنى الحالي إلى متحف يقصده المواطنون والمقيمون والسياح للتعرف إلى مراحل تأسيس الدولة.

هنا جلس المواطنون إلى الشيخ راشد يطلبون النصح ويحلون مشاكلهم

كما يهدف المشروع إلى غرس قيمة الاتحاد في نفوس المواطنين والأجيال القادمة، والتركيز على دور الراحلين الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، في وضع اسس الاتحاد، وتعريف الزوار بطبيعة حياة سكان الإمارات قبل قيام الاتحاد، وبأهم الإنجازات التي شهدتها الإمارات.