كراتشي: من الجزائر حتى العراق واليمن، يتكرر دائما اسم في قائمة اسماء الاشخاص الذين يطالب الاسلاميون بالافراج عنهم، وهو اسم عافية صديقي العالمة الباكستانية المعتقلة في السجون الاميركية بتهمة مهاجمة جنود اميركيين في افغانستان.

وسعت جماعات اسلامية مسلحة، من بينها تنظيم القاعدة وفروعها وتنظيم "الدولة الاسلامية"، لضمان الافراد عن صديقي (42 عاما) مقابل الافراج عن رهائن لديهم واخرهم الصحافي جيمس فولي، الذي قطع مسلحو "الدولة الاسلامية" راسه في اب/اغسطس.& وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس في مدينة كراتشي الباكستانية الساحلية المكتظة، اكدت عائلة صديقي براءتها من كل التهم المرتبطة باسمها.

وبدأت قصة صديقي، التي تعتبر من الاغرب في حقبة "الحرب على الارهاب"، في اذار/مارس 2003 عندما تم اعتقال خالد شيخ محمد الذي يعتبر الرجل الثالث في تنظيم القاعدة ومهندس هجمات 11 ايلول/سبتمبر، في مدينة كراتشي.& وتم تسليم خالد شيخ محمد الى السلطات الاميركية التي نقلته الى معتقل غوانتانامو، حيث تعرّض للتعذيب في اطار التحقيق معه، بحسب تقرير اصدرته لجنة في مجلس الشيوخ الاميركي حول اساليب التعذيب التي مارستها وكالة الاستخبارات الاميركية (سي اي ايه).

وعقب اعتقاله اختفت صديقي، التي تعتقد الولايات المتحدة ان لها علاقة بتنظيم القاعدة، كما اختفى اطفالها الثلاثة من كراتشي. وتقارير الاعلام الاميركي القليلة حول الحادث وصفت صديقي بانها اول امراة يشتبه في علاقتها بتنظيم القاعدة، واطلقت عليها لقب "سيدة القاعدة". وبعد خمس سنوات ظهرت في افغانستان حيث اعتقلتها السلطات المحلية في ولاية غزني المضطربة في جنوب شرق افغانستان.

وطبقا لوثائق محكمة اميركية فقد كانت وقتها تحمل كيلوغرامين من سيانيد الصوديوم مخبأة في زجاجات كريم مرطب، كما كانت تحمل خططا لحرب كيميائية وخططا هندسية لجسر بروكلين ومبنى امباير ستيت في نيويورك. وسلمتها السلطات الافغانية الى القوات الاميركية التي بدأت في التحقيق معها. وخلال التحقيق امسكت ببندقية واطلقت منها النار، بحسب شهود عيان، على عملاء اميركيين، بينما كانت تصرخ "الموت لاميركا" و"اريد ان اقتل جميع الاميركيين". ولم يصب اي من الجنود ولكنها هي نفسها اصيبت بجروح.

وبعد ذلك مثلت صديقي امام محكمة في الولايات المتحدة، وحكم عليها في 2010 بالسجن 86 عاما بتهمة الشروع في القتل، وليس للاشتباه في علاقتها بتنظيم القاعدة. ولا تزال جوانب كثيرة من القضية غير واضحة ومن بينها: أين كانت صديقي في الفترة منذ اختفائها في 2003 وحتى ظهورها مرة ثانية في 2008؟. وحتى قاضي المحكمة الاميركية ريتشارد بيرمان اقر في حكمه انه "لم يتحدد مطلقا سبب تواجد صديقي وابنها في افغانستان". ويزعم مؤيدوها انها ضحية مخطط باكستاني اميركي سري.

وتقول عائلتها ان عافية وابناءها الثلاثة احمد ومريم وسليمان الذي لم يكن يتجاوز عمره في ذلك الوقت ستة اشهر وتوفي بعد ذلك، كانوا يستعدون لمغادرة منزلهم في حي غولشان اقبال الفخم في كراتشي، متوجهين الى المطار عندما اعتقلهم عناصر باكستانيون واميركيون. وقالت شقيقتها فوزية صديقي لفرانس برس "بعد مغادرة عافية بنحو ساعتين، دق الباب. وتوجهت امي الى الباب، وسألت عن الطارق، الذي قال +اذا قلتم اي شيء او ابلغتم الشرطة، سنقتل الاربعة+".

واثناء محاكمتها في نيويورك في 2010 - وهو الظهور العلني الوحيد لها منذ 2003 - قالت عافية انها اعتقلت "لفترة طويلة" في "سجن سري" في افغانستان. ويقول مؤيدوها انها كانت "سجين شبح" في باغرام ورقمها 650، الا ان الولايات المتحدة نفت ذلك. وقد عاشت صديقي في كنف عائلة من صفوة المجتمع، ولم يكن في حياتها ما يدل على انها ستنتهي الى هذا المصير.

امضت عافية طفولتها ما بين باكستان وزامبيا، وعندما بلغت 18 عاما توجهت الى تكساس، حيث يعيش شقيقها، قبل ان تلتحق للدراسة في جامعة ام اي تي المرموقة، وحصلت على شهادة الدكتوراه في علم الاعصاب من جامعة برانديز. وفي التسعينات رتبت عائلتها زواجها بامجد خان الطبيب، الذي يعيش في كراتشي، وانضم اليها في الولايات المتحدة. واثناء دراستها كرست نفسها للعمل الخيري وتوزيع نسخ من المصحف في الجامعة التي كانت تدرس فيها.

وابتداء من 2001 بدأت عافية وزوجها يظهران على رادار مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي اي) بسبب تبرعاتهما لمنظمات اسلامية وشراء نظارات ليلية وكتب حول الحرب وغيرها من المعدات بقيمة 10,000 دولار باسم زوجها. وفي العام التالي عاد الزوجان الى باكستان، وطلبت عافية الطلاق. ويشتبه مسؤولون اميركيون في انها تزوجت بعد ذلك بعمار البلوشي، ابن شقيق خالد شيخ محمد، رغم ان عائلتها تنفي ذلك.

ويعتقد بعض المسؤولين الاميركيين ان عافية صديقي عملت مع القاعدة منذ فترة تواجدها في الولايات المتحدة، وامضت الاعوام من 2003 حتى 2008 في افغانستان مع عائلة البلوشي الذي اعتقل في 2003 وقضى فترة سجن في غوانتانامو. وتنفي عائلتها ذلك، بينما قال الجنرال برويز مشرف الحاكم العسكري لباكستان في ذلك الوقت ان باكستان لم تسلمها الى الولايات المتحدة.

وصرح مشرف لفرانس برس "اراؤنا كانت واضحة: لن يتم تسليم اي باكستاني ابدا الى اي شخص اخر -- لقد كانت هذه سياستنا واتبعناها بحذافيرها". ومع دخول "الحرب على الارهاب" عقدها الثاني، يبدو ان عافية صديقي ستتحول من "سيدة القاعدة" الى "سيدة تنظيم الدولة الاسلامية" بعد مقتل فولي.

وقالت شقيقتها "اذا لم تفعل الولايات المتحدة او باكستان اي شيء بشان هذه القضية، فان اشخاصا كداعش (الدولة الاسلامية) سيستغلونها". واضافت "لو كانت عافية تعرف ان اسمها سيستغل بهذه الطريقة، لالمها ذلك كثيرا".

&