كشفت رسالة الناطق باسم تنظيم (داعش) حقائق عجزت أعتى أجهزة المخابرات عن كشفها طوال سنين. وهي العلاقة بين القاعدة وإيران، والتي وإن كانت غير خفية لكثيرين، فإنها اليوم باتت سافرة ودامغة.


إيلاف: يقول المثل الشعبي: (إذا تخاصم السرّاق ظهر المسروق)، وهذا المثل ينطبق بحذافيره على خلافات الجهاديين من داعش والقاعدة.

بقصد أو من دون قصد، فضح المتحدث باسم تنظيم "الدولة الإسلامية بالعراق والشام" (داعش)، المدعو أبو محمد العدناني، العلاقة السرية بين القاعدة وملالي إيران.

وكثيرًا ما تحدث متابعون وخبراء أمنيون ومختصون في الارهاب والجماعات الاسلامية، عن علاقة تجمع القاعدة بإيران، دون أن تتوضح معالم تلك العلاقة بشكل جيد.

العدناني في تسجيل صوتي بث الأحد الماضي، هاجم زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ومن بين التصريحات اللافتة التي أصدح بها، قوله إن الجهاديين التزموا بالابتعاد تماماً عن توجيه أية ضربة لإيران امتثالاً لأوامر "القاعدة".

وفي كلمة الناطق باسم تنظيم (داعش)، والتي حملت عنوان "عذرًا أمير القاعدة"، قال العدناني إن "الدولة الإسلامية ظلّت تلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه، ولذلك لم تضرب الدولة الإسلامية الروافض في إيران منذ نشأتها، وتركت الروافض آمنين في إيران، وكبحت جماح جنودها المستشيطين غضبًا، رغم قدرتها آنذاك على تحويل إيران لبرك من الدماء، وكظمت غيظها كل هذه السنين، تتحمّل التهم بالعمالة لألد أعدائها إيران، لعدم استهدافها، تاركة الروافض ينعمون فيها بالأمن والأمان، امتثالاً لأمر القاعدة، للحفاظ على مصالحها، وخطوط إمدادها في إيران".

إيران - القاعدة

منذ أن عبر المئات من عناصر تنظيم القاعدة من افغانستان التي دخلها الجيش الأميركي مطارداً لهم في 2001، إلى العراق مروراً بإيران، بدأ الحديث يظهر عن تعاون الجمهورية الاسلامية مع إرهابيي القاعدة.

وكان ثابتاً استنادًا إلى اعترافات عدد من عناصر القاعدة الذين اعتقلوا في العراق أن الحرس الثوري الإيراني و"فيلق القدس" سهّلا على الجهاديين العرب الفارين من حرب خاسرة آنذاك في أفغانستان، العبور إلى العراق لمقاتلة القوات الأميركية بالوكالة عن طهران التي أعلنت موقفها الرافض لغزو العراق في 2003.

ماجد الماجد

حين وقع ماجد الماجد، السعودي أمير كتائب عبد الله عزام المرتبطة بالقاعدة، في قبضة الأمن اللبناني، قيل عرضًا إنه كان يتلقى التمويل من إيران، بعدما تلقى التدريبات فيها.

وبعد ذلك، كشفت قوائم العقوبات المالية التي أصدرتها وزارة الخزانة الأميركية عن دعم إيراني للقاعدة، إذ تبين أن شركات وأشخاصًا إيرانيين أو مقيمين في إيران يتولون نقل الأسلحة والمقاتلين لتنظيم القاعدة في سوريا، وبعلم من السلطات الإيرانية، ليكونوا في خدمة النظام السوري من أجل تمزيق المعارضة السورية، وخصوصًا المسلحة، من خلال إلهائها بحروب هامشية، كما يحصل بين الجيش الحر والجبهة الاسلامية من جهة، وتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام من جهة أخرى.

واشنطن على علم بتعاون الطرفين

الولايات المتحدة كانت على علم منذ البداية بوجود تنسيق بين القاعدة وإيران.

وتؤكد العقوبات الأميركية على أشخاص وشركات انتهكوا العقوبات المفروضة على إيران، سكوت السلطات الإيرانية على نشاط القاعدة.

وتظهر للعلن أسماء شخصيات مثيرة للجدل بين الفينة والأخرى، على غرار جعفر الأوزبيكي، أو أولمزون أحمدوفيتش صادقييف، وهو مسؤول كبير في القاعدة، يقيم في مدينة مشهد الإيرانية منذ سنوات، وهو عضو في اتحاد الجهاد الإسلامي. تتهمه الولايات المتحدة الأميركية بأنه يتحكم عن بعد بنقل المقاتلين الأجانب عبر تركيا لينضووا تحت لواء جبهة "النصرة" في سوريا، وبأنه متصل بالمطلوب عز الدين عبدالعزيز خليل، المعروف بياسين السوري الذي رصدت السلطات الأمنية الأميركية لمن يبلغ عن مكانه مكافأة تزيد على عشرة ملايين دولار.

ياسين قام أيضًا بنقل الأموال من تنظيم القاعدة وإيران إلى جبهة النصرة. وكشفت وزارة الخزانة الأميركية الشبكة الدولية لتمويل الارهاب، التي تثبت أن مقاتلي القاعدة والحرس الثوري يتم تهريبهم إلى سوريا، وتوفير الدعم لهم عبر أشخاص مقيمين في إيران، وبعلم من السلطات الإيرانية.

مصالح مشتركة

يقول المراقبون إن الخلاف العقائدي بين القاعدة وإيران ليس عائقًا أمام التنسيق بين الطرفين، نظراً لوجود الكثير من المصالح المشتركة بينهما.

وتكشف رسالة العدناني الصوتية طبيعة علاقة تنظيم القاعدة بإيران وتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أنهما حليفان غير معلنين، وبذلا الكثير من الجهد للتعتيم على تلك العلاقة.

فالعدو الواحد أي أميركا، سبب كافٍ لدى إيران والقاعدة للتنسيق، كما أنّ إيران تظل بوابة العبور الرئيسة من وإلى كل من افغانستان والعراق، حسب محللين.

أما القاعدة، والتي ضيّق العالم خناقه من حولها، فلا ضير من أن تنتفع بالدعم المالي واللوجستي من "الروافض" وفق قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، التي يعتنقها الجهاديون ويبررون بها الكثير من سلوكاتهم.

في حين يذهب مراقبون إلى سيناريو أبعد من ذلك، بالقول إن تودد القاعدة لطهران مرده الرغبة الجامحة لدى هذا التنظيم في الحصول على التكنولوجيا النووية والاسلحة الفتاكة التي ستجعله يحقق أهدافه بأسرع وقت ممكن.
&