من الواضح أن المعارك التي تشهدها منذ خمسة أيام مدينة الفلوجة العراقية لم تقتصر على المسلحين، فقد دخل على خط المواجهة مرجعيات ورجال دين سنة من خلال الاتهامات المتبادلة بين الدعوات إلى النفير العام ووحدة العشائر لمواجهة القوات الأمنية وبين تشبيه هذه الدعوات بأنها اعلان لحرب طائفية.


لندن: دعا المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والافتاء السني اليوم عشائر محافظة الأنبار إلى التوحد ومواجهة ما قال إنها حرب الحكومة بالطائرات والبراميل المتفجرة ضد الاحياء السكنية والمساجد والمستشفيات في الرمادي عاصمة المحافظة والفلوجة.

وقال المجمع الفقهي في بيان تلاه الامين العام الشيخ محمد عبد العزيز وحصلت "إيلاف" على نصه، إنه في الوقت الذي "يدعي فيه الاعلام الرسمي حرص الحكومة على حماية ارواح مواطني الأنبار وحفظ اموالهم وممتلكاتهم، تسلط الحكومة آلتها العسكرية على المدن الآمنة وتستهدف الاحياء السكنية والمستشفيات والمساجد بالطائرات والبراميل المتفجرة، وحيث يتساءل الناس: هل هذا هو الحل الذي وعدت به الحكومة المواطنين؟ وهل يجوز تحويل المدن الآمنة إلى ساحات حرب وقتال؟

وأضاف المجمع الفقهي أن من اهم الواجبات الشرعية والقانونية هو حماية البلدان وحفظ ارواح العباد، فإذا لم تتحقق هذه المصالح وتحقن الدماء فأي شرعية يمكن أن تبقى لها؟.

وخاطب عشائر الرمادي والفلوجة قائلاً: "اجمعوا امركم ووحدوا صفكم واحفظوا اموالكم واعراضكم" لمواجهة عدوان القوات الحكومية. وحمل المجمع الفقهي السلطات العراقية والجهات المرتبطة بها مسؤولية "إراقة دماء اهل الأنبار".. ودعا اهل الرمادي والفلوجة إلى عدم التعويل على الحكومة والعمل على لم شملهم واجتماع اهل الرأي للخروج بحل يحفظ "الكرامة ويرد الظلم والكيد عن اهلنا".

وشدد المجمع الفقهي العراقي في الختام على ضرورة الحذر مما اسماه "مخططات اعدائنا الرامية إلى اشعال الفتنة في محافظاتنا، وإثارة الخصومات الداخلية التي توهن القوة وتكسر الشوكة"، في إشارة على ما يبدو إلى تفرق مواقف عشائر المحافظة بين مقاتل مع القوات الحكومية وبين رافع للسلاح ضدها.

وعلى صعيد العمليات العسكرية، قال الخبير في مكافحة الارهاب والاستخبارات جاسم محمد أن "الحل العسكري لوحده في مثل حالة الفلوجة أي المدينة يكون شبه مستحيل بسبب الطبيعة السكانية أي أن الجيش لا يستطيع مقاتلة غالبية اهالي الأنبار الذين أعلنوا الحرب على حكومة بغداد".

وأوضح الخبير أن "العمليات الحالية ربما تضعف داعش والجماعات المسلحة، لكنها لا تستطيع الاستمرار ومسك الارض لأنها مرفوضة من قبل اهل الفلوجة والأنبار".

وأكد محمد في تصريح صحافي اليوم أن "المشهد السياسي في الأنبار معقد جداً بسبب وجود مشكلة مركبة، وهي معارضة أهل الأنبار لممارسات الحكومة المركزية ووجود خلافات على الزعامة في المحافظة، وهذا يعني أن الحل السياسي ربما أسهل من الحل العسكري لكنه ايضًا صعب، وهذا يعني أن مشكلة الأنبار لا يوجد لها حل في الوقت الحاضر".
&
الملا يتهم السعدي بإعلان حرب طائفية

ومن جهته، وصف الشيخ خالد الملا، رئيس جماعة علماء العراق السنية، المؤيد للحكومة، دعوة المرجع السني الشيخ عبد الملك السعدي الاب الروحي للاحتجاجات في محافظات البلاد السنية الشمالية والغربية للنفير العام للدفاع عن الفلوجة بأنها "اعلان حرب طائفية". وقال الملا إن المخططات، التي حيكت للوضع العراقي الجديد وأدخلت أبناء الشعب في صراع طائفي وسياسي بغيض، أفضت إلى استهداف الجيش العراقي من قبل المجاميع المسلحة.

وأضاف الشيخ الملا في بيان صحافي تسلمت "إيلاف" نصه اليوم أن اختطاف وقتل عشرين جنديًا في الموصل على خلفية الأحداث في الفلوجة من شأنه أن يجرّ البلاد إلى منزلق الحرب الطائفية بدعم من الفتاوى غير المسؤولة الداعية للنفير العام لمواجهة الجيش العراقي. ودعا الملا جميع الأطراف إلى الإلتزام بالحس الوطني والمحافظة على الهوية والإنتماء العراقي.

وجاء موقف الملا هذا رداً على دعوة المرجع السني البارز عبد الملك السعدي قبل يومين إلى "النفير العام" للدفاع عن مدينة الفلوجة بعد اعلان وزارة الدفاع البدء بعملية عسكرية لانتزاع السيطرة عليها من المسلحين الذين يسيطرون عليها منذ بداية العام الحالي، مؤكداً أن الواجب الشرعي يتطلب امداد المرابطين بـ"المال والسلاح".

وقال السعدي في بيان إن "ما يقوم به رئيس الوزراء نوري المالكي الآن من إبادة جماعية وتخريب وهدم ونهب في الفلوجة والرمادي، وما تقوم به الميليشيات في ديإلى وجرف الصخر لأكبر دليل على أنها إبادة طائفية بتوجيه من إيران ورضا ودعم أميركا". وشدد على أن "الهدف ليس قتال الإرهاب أو ما يسمونه داعشياً أنَّ وجودهم لا يستوجب هذا التصعيد الغاشم والإبادة الشاملة".

ووجه السعدي نداء إلى "المرابطين المدافعين عن أنفسهم وأهليهم وأعراضهم وأموالهم وبخاصة أهلنا أبطال مدينة المساجد الفلوجة المُتصَدِّين للمُهاجمين".. مبينًا أن "ما تقومون به من أعظم العبادات والقربات لأنكم المُعتَدَى عليكم واثبتوا واصبروا، فإن النصر مع الصبر وإياكم من الاعتداء على المسالمين لكم من الجيش والشرطة وغيرهم".

ودعا السعدي الجميع إلى أن "ينفروا للدفاع عن المعتدى عليهم ومؤازرة المدافعين بالنفس والمال والسلاح، فإن المالكي استهان بكم في كل مكان".. مؤكداً أنه "من الواجب عليكم شرعاً أن تلبوا طلبَ المرابطين واستنصارهم بكم وإلاَّ فكل مستطيع قادر آثم لتركه واجبًا من واجبات الشرع".

وخاطب السعدي اهالي محافظة صلاح الدين المجاورة لمحافظة الأنبار قائلاً: "أُحَذِّركم من الصمت والهوان فهو ليس من شيمتكم، فمدُّوا يد العون والنصرة لإخوانكم في ديإلى وغيرها بالقوة"، مقدمًا شكره لهم لرعايتهم المهجرين.

وعاتب السعدي بشدة "أهلنا في الجنوب لسكوتهم وعدم إنكارهم على أبنائهم في المشاركة في هذه الحرب التي هي بالتالي خسارة على جميع العراقيين، فلا المهاجم والمدافع فأبناؤكم ليسوا ضحية لبقاء شخص أو فئة للاستمرار على الكراسي والمناصب ولا يعقل أنهم يهلكون على أساس راحة ونعيم شخص أو فئة".

وأمس قال العراق إنه رغم خوض قواته لحرب غير عادية ضد الجماعات المسلحة الا أنها لم تستخدم البراميل المتفجرة وانما تستهدف تجمعاتها فقط بعيدًا عن المدنيين. ونفى علي الموسوي المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي استخدام الجيش للبراميل المتفجرة في المعارك الدائرة حاليًا في محافظة الأنبار الغربية.

وأضاف في بيان صحافي اطلعت على نصه "إيلاف" أن "بعض الاوساط ووسائل الاعلام المعروفة بسياساتها المعادية للعراق تشن حملة منظمة تستهدف تشويه سمعة القوات العراقية التي تخوض معركة حقيقية ضد قوى الارهاب المحلي والدولي".