يسلط الصحافي محمد الباز الضوء على سبع سمات في شخصية عبد الفتاح السيسي في كتابه "صائد الأفاعي"، ويكشف معاركه الخفية مع الرئيسين السابقين حسني مبارك ومحمد مرسي والاخوان والعسكر.
خاص بإيلاف من القاهرة: خلال صعوده العسكري، وفي مراحل ترقيه المختلفة، "من بين مناصبه التي شغلها في القوات المسلحة، قائد كتيبة مشاة ميكانيكي، قائد لواء مشاة ميكانيكي، قائد فرقة مشاة ميكانيكي (الفرقة الثانية)، ملحق عسكري بالمملكة العربية السعودية، رئيس أركان المنطقة الشمالية العسكرية، قائد المنطقة الشمالية العسكرية، رئيس فرع المعلومات والأمن بالأمانة العامة لوزارة الدفاع، مدير إدارة المخابرات العامة"، كان هناك من يستوقفه ويشير إليه بأنه حتمًا سيصعد، وكان الصعود المقصود لدى الجميع هو الوصول إلى منصب الرئيس.
هذا الكلام مقتطف من كتاب "صائد الأفاعي.. المفاتيح السبعة لشخصية السيسي"، للصحافي المصري محمد الباز، رئيس التحرير التنفيذي لجريدة البوابة، الصادر عن دار كنوز.
المستقيم المنضبط
يقدم الباز في كتابه تحليلًا معمقًا ووافيًا لشخصية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، منذ ثورة 25 يناير وحتى نهاية العام 2013. وقد ابتعد في مؤلفه عن الثنائية المتناقضة في الحكم على السيسي، ما بين مؤيدين يبالغون في مديحه إلى حد إصباغ صفات النبوة عليه، ومناوئين له لم يتركوا نقيصة إلا وألصقوها به، وبالغوا في لعنه إلى حد إنزال صفات الشياطين به.
ويقسم الباز كتابه إلى سبعة فصول، يحمل كل منها مفتاحاً من مفاتيح شخصية السيسي، بدأها بـ"المستقيم"، يسلط فيه الضوء على الانضباط في شخصية السيسي العسكرية، الذي جعله يضحي بأستاذه المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الذي أدار المرحلة الإنتقالية بين الإطاحة بحسني مبارك وانتخاب محمد مرسي رئيسًا.
كتب الباز في هذا الجزء: "كان السيسي يعرف أن استمرار طنطاوي في الجيش تحت قيادة محمد مرسي سيؤدي حتمًا إلى انهيار داخلي في المؤسسة، التي أصابتها الجراح جراء سياسات طنطاوي، الذي لن يكون سهلًا عليه أن يترك السلطة بسهولة، لذلك فلن يتردد في محاولة مقاسمة مرسي سلطاته، وهو ما يمكن أن يدفع الجيش ثمنه، لذلك فلا بد أن يخرج الرجل الآن وليس غدًا. ولم يكن السيسي وحده الذي رأى ذلك، بل هناك من وقف إلى جواره في المجلس العسكري، ليكون هو من يقوم بثورة تصحيح في المؤسسة العسكرية".
المتحقق المتقن
تحت عنوان "المتحقق"، قال الباز إن السيسي "ما وصل إلى أي منصب من مناصبه إلا لأنه كان يستحق، ولا ينكر شخصيًا أن المشير حسين طنطاوي دعمه ووقف إلى جواره ووضعه في مناصب كبيرة، لكن لم يكن ذلك محاباة أو مجاملة، ولكن لأنه كان هو المناسب".
ويشير صاحب "صائد الأفاعي" إلى أن السيسي، كما لم يحصل على مناصبه بالمجاملة فإنه أيضًا لم يكن المنصب نفسه يمثل فارقًا في حياة السيسي، الذي يتعامل مع كل ما يحصل عليه على أنه استحقاق يأتيه لمجهوده هو، وليس عن طريق الصفقات أو المؤامرات أو التفاهمات".
اضاف الباز في كتابه: "السيسي يجمع بين خبرة الميدان وخبرة المكتب، يعرف أبعاد العمل على الجبهة ويتقن العمل في المكاتب الإدارية، فقد لعبت الفترة التي عمل خلالها إلى جوار المشير طنطاوي في وزارة الدفاع دورًا كبيرًا في صقل قدراته الإدارية، لذلك يعتبره رفاقه وأساتذته ابن الجبهة والمكتب معًا".
بوكر فايس!
"الجريء" هو المفتاح الثالث الذي يرصده الباز، فيرى أن الرئيس المصري الحالي "له وجه لاعب البوكر الذي أدخل الإخوان في المصيدة"، وهو وصف يطلقه المتخصصون في علم النفس السياسي على الذين يخفون مشاعرهم وآراءهم ومواقفهم وراء وجه ثابت الملامح. أضاف: "كان السيسي يعرف جيدًا ما الذي يفعله الإخوان، كان يرصد تحركاتهم من حوله، لكنه لم يهتز، لم يستطع أحد من قيادات الجماعة الذين يلتقون به وعلى رأسهم محمد مرسي أن يعرفوا حقيقة موقفه، أو أن يخمنوا ما الذي يمكن أن يقدم عليه في خطواته القادمة، وهي ميزة اكتسبها السيسي من عمله في جهاز المخابرات الحربية، إذ لا يمكن لأحد أن يعرف رأيه بسهولة أو موقفه الحقيقي، تعبيرات وجهه محايدة، يصعب أن تعرف ما يخفيه صاحبها".
صيد العادلي الثمين
يكشف الباز الحرب الخفية بين السيسي وحبيب العادلي، آخر وزير داخلية في عهد مبارك، لاسيما بعد أن نجح العادلي في تسجيل محادثات ومناقشات قيادات الجيش المصري أثناء ثورة 25 يناير. إلا أن السيسي استطاع الحصول عليها عبر خطة محكمة.
كان حبيب العادلي مغرمًا بالتجسس على الجميع، لكن الجنرالات كان لهم حظ وافر من التنصت على هواتفهم، فعل ذلك من خلال إدارة المساعدة الفنية التي كان يعمل بها 50 ضابطاً، يعاونهم العشرات من المهندسين والفنيين والعاملين في شركات الاتصالات.. كانت تسجيلات وزير الدفاع ورئيس الأركان وقيادات المجلس العسكري صيدًا ثمينًا يحتفظ به حبيب العادلي في خزنة سرية، ولا يستمع لها سواه، لكنه كان يرسل بنسخة منها إلى زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية ليلخصها بدوره ويعرضها على مبارك".
الخطة المحكمة
أضاف الباز: "كان لا بد أن يحصل المجلس العسكري على هذه التسجيلات، وهو ما حدث أثناء اقتحام مبنى جهاز أمن الدولة في مدينة نصر، كان المجلس العسكري يعرف أن التيارات الإسلامية قررت دخول مقرات أمن الدولة التي كانت بالنسبة لها رمزًا لدولة طاغية مستبدة، لكن رجال المخابرات الحربية لم يتركوا مقرات الجهاز لأعضاء التيارات الإسلامية يعبثون فيها بمفردهم.. سبقوهم إلى المقر الرئيسي ولم يتركوه إلا بعد خروج آخر مقتحم، وكان الهدف واضحًا لديهم، وهو الحصول على التسجيلات الخاصة بأعضاء المجلس العسكري، ويبدو أنهم حصلوا عليها بالفعل، لتظل هذه التسجيلات في حوزة السيسي وحده".
بين السيسي ومرسي
يزخر كتاب "صائد الأفاعي" بالكثير من الأسرار عن علاقة السيسي بمرسي والإخوان. ويشير إلى أن حالة عدم الإرتياح لوصول مرسي إلى قصر الرئاسة بدأت منذ اللحظات الأولى لإحتكاكه بالضباط والجنود، ومنها هذا الموقف الذي سرده الباز قائلًا: "في أولى الحفلات التي حضرها محمد مرسي لتخريج دفعة جديدة من الأكاديمية البحرية بالإسكندرية، وقف الطلاب ليقسموا (أقسم بالله العظيم أن أكون جنديًا وفيًا لجمهورية مصر العربية، محافظًا على أمنها وسلامتها، حاميًا ومدافعًا عنها في البر والبحر والجو، داخل وخارج الجمهورية، مطيعًا للأوامر العسكرية منفذًا أوامر قادتي، مخلصًا لرئيس الجمهورية، محافظًا على سلاحي لا أتركه قط، حتى أذوق الموت والله على ما أقول شهيد)".
ريبة وشك
أضاف: "عندما أقسم طلاب الأكاديمية البحرية أمام محمد مرسي، استشعر كثيرون الخطر، فالرجل قادم إلى الرئاسة من جماعة لا تقدس معنى الوطنية، ولا منح الوطنية قيمة، ينظر أبناؤها إلى مصر على أنها جزء من خلافة كبرى، ولا مانع لديها أن يحكم مصر أندونيسي أو ماليزي، ثم إنه ينظر إلى الجيش بعين الريبة والشك، ولن يكون حريصًا على وحدته أبدًا. شعر من حضروا هذا اللقاء أنهم في مأتم حقيقي وليس في حفل كبير ومهيب، أسفوا للحال التي وصلوا إليها، لكنهم التزموا بكلمة الشعب الذي جاء بهذا الرجل بالذات ليكون رئيسًا للجمهورية. وقتها كان عبد الفتاح السيسي مديرًا للمخابرات العامة، وتلقى تقريرًا عن الحالة التي استقبل بها القادة والضباط والجنود وقع قسم الولاء لرئيس الجمهورية في وجود محمد مرسي، الرئيس الإخواني الذي لا يعرف شيئًا لا عن قيمة الدولة ولا عن قيمة الجيش، ووقتها ربما يكون راوده ضرورة الدفع بتغيير نص قسم الولاء".
حرب الشائعات
كما يكشف الباز جانبًا من الحرب الخفية بين السيسي والإخوان قبل أزاحتهم عن الحكم، واستخدام تكتيكات عدة منها الشائعات. وقال: "عرف عبدالفتاح السيسي ومن خلال موقعه في المخابرات الحربية أن جماعة الإخوان المسلمين استطاعت أن تحسم حربها مع المجلس العسكري، من خلال إطلاق الشائعات المتلاحقة على المجلس العسكري وعلى القوى السياسية المختلفة، وهي الشائعات التي أدت في كثير من الحالات إلى الإيقاع بين المجلس العسكري والثوار، لذلك لم يتردد من واجهوا الإخوان المسلمين على الأرض في استخدام نفس السلاح في تشويههم ماديًا ومعنويًا، وأعتقد أن هناك شائعات كثيرة لاحقت الإخوان كانت من صنع أجهزة سيادية، وقد استطاعت هذه الشائعات أن تسقط هيبة النظام الذي كان يتعامل على أنه وكيل الله على الأرض".
غضب من المرشد
ويسرد الباز أزمة أخرى نجح السيسي في ادارتها مع الإخوان، وقال: "في كانون الأول (ديسمبر) 2012، وبعد أن انتهت الضجة التي أحدثتها مذبحة الاتحادية، التي كشفت أن فراقًا عاجلًا أو آجلًا سيتم بين الإخوان والجيش، خرج مرشد الجماعة محمد بديع في رسالته الأسبوعية ليوجه نقدًا عنيفًا للجيش المصري. وأشار بديع إلى أن جنود مصر طيعون لكنهم كانوا يحتاجون إلى قيادة رشيدة توعيهم، بعد أن تولى أمرهم قيادات فاسدة".
ولفت المؤلف إلى أن الغضب بين صفوف قيادات القوات المسلحة كان عنيفًا، "لكن الفريق السيسي لم يفعل أكثر من أنه أجرى اتصالاً بمحمد مرسي وطلب منه أن يعتذر مرشد الجماعة فورًا عن هذه التصريحات، ولم تمضِ إلا أيام قليلة حتى خرج بديع ليشيد بقادة الجيش المصري، وبدلاً من أن يعترف بخطأه الفادح راح يحمل الإعلام مسؤولية تفسير ما قاله وتأويله على وجه الخطأ".
سياسة التخدير
يؤكد الباز في كتابه أن السيسي عسكري منضبط ومستقيم، وكتب: "عندما أقسم السيسي أنه لم يخن الرئيس مرسي كان صادقًا في قسمه، ليس لأنه لا يكذب ولكن لأن هذا ما حدث بالفعل، فقد أعلن موقفه بوضوح في 23 حزيران (يونيو) 2013، عندما أعلن أنه يمنح كل الفرقاء أسبوعًا للجلوس والاتفاق على صيغة للخروج من المأزق، وهو البيان الذي فهم الإخوان المسلمون منه أن السيسي ينحاز إلى الشعب ولن يتردد عن خلع مرسي إذا ما نزلت الملايين إلى الشارع.
كان مرسي، الأكثر معرفة بالسيسي، واثقًا من أنه لا يريد الانقلاب عليه، لذلك طلب لقاءَه ليستفسر منه عن سبب هذا البيان. الإخوان المسلمون أشاروا إلى أن السيسي مارس سياسة التخدير مع مرسي، وأعطاه حقنة بنج طويلة المفعول عندما قال له إنه لم يصدر هذا البيان إلا لأن هناك من بين قيادات الجيش من يضغطون عليه، وإنه يحاول أن يمتص غضبهم. لكن ما أشاعه الإخوان لم يكن صحيحًا، فقد كان السيسي واضحًا وصريحًا مع محمد مرسي حتى النهاية. قال له لابد أن تسمع أصوات الناس في الشارع، وإلا فإن كل شيء سيضيع، وهو ما حدث بالفعل.
ليس أميركيًا
ويشير الباز إلى أن السيسي ليس أميركي الهوى، رغم أنه تلقى تعليمًا عسكريًا في الجيش الأميركي. ويستند في ذلك إلى العديد من المواقف السياسية، وإلى تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسى" الأميركية قالت فيه: "رغم علاقة السيسي الوثيقة بجنرالات الجيش الأميركي، ورغم تلقيه تعليمًا عسكريًا في كلية الحرب العليا بأميركا، إلا أنه لا توجد مؤشرات على أن هذه الدراسة أو هذه العلاقات منحت واشنطن أي نفوذ يذكر على أقوى رجل في مصر، فقد تجاهل تحذيرات وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل المتكررة بعدم الإطاحة بمرسي، ولم يستمع لنصائح المسؤولين الأميركيين بعدم ملاحقة قيادات الإخوان، والأكثر من ذلك أن السيسي شن هجومًا ووجه انتقادات حادة إلى واشنطن، هي الأقوى منذ عقود".
كتب الباز
أصدر الباز مجموعة أخرى من الكتب، تعتبر تأريخًا للسنوات الأخيرة في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، مرورًا بثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، ثم مرحلة الوفاق ثم الصدام بين الإخوان والجيش، وانتهاء باقصائهم من الحكم، ثم الصراع على كرسي رئاسة الجمهورية الذي فاز به السيسي.
ومن مؤلفاته: "الفرعون الأخير.. مبارك ملفات الثروة والفساد والسقوط"، و"العقرب السام.. عمر سليمان جنرال المخابرات الغامض"، "الأفعي والشيطان.. صفقات الخيانة بين مبارك والإخوان"، "حرب الجنرالات.. أسرار الصراع على كرسي الرئيس"، و"الداهية والهلفوت.. السيسي ومرسي من الوفاق إلى الصدام".
نقيض الاسلام السياسي
ويعتبر الباز من المصريين القلائل الذين جمعوا بين العمل الأكاديمي والصحافة. فهو يعمل استاذًا بكلية الإعلام - جامعة القاهرة، ويشغل منصب نائب رئيس تحرير جريدة الفجر الإٍسبوعية. وشغل منصب رئيس التحرير التنفيذي لجريدة البوابة الأسبوعية.
خاض الباز الكثير من المعارك الصحافية مع رموز الإسلام السياسي، ومنهم خالد الجندي، والشيخ الراحل يوسف البدري، والأخير صاحب أكبر عدد من دعاوى الحسبة ضد الصحافيين والمبدعين. ومن أشهر معارك الباز الصحافية، ما اعتبره الإسلاميون هجومًا على الصحابي أبو هريرة، تحت عنوان "سقوط أكبر راوٍ لأحاديث الرسول".
ولا يكف الباز عن الاشتباك مع القضايا الشائكة سياسيًا ودينيًا، حتى صار صحفيًا غير مرغوب فيه من قبل بعض الإسلاميين المتشددين في مصر، لا لشيء إلا لأنه يصر على المضي قدمًا في كشف عوراتهم الفكرية وتعرية أدمغتهم.
التعليقات