اعترف حزب الله بأنه مخترَق أمنيًا على مستويات عليا. وقال نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم في مقابلة إذاعية إن الحزب "يكافح التجسّس في صفوفه" وإنه كشف "بعض الاختراقات الكبيرة".


إعداد عبد الاله مجيد: اعتبر المحللون بل حتى بعض أنصار حزب الله نفسه أن تصريحات نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم خلال مقابلة إذاعية تؤكد التقارير التي تحدثت في وقت سابق عن ضبط مسؤول أمني كبير في الحزب كان يتجسّس لصالح إسرائيل وانه أجهض سلسلة من الاغتيالات والعمليات والخارجية.

وكانت تقارير في وسائل اعلام لبنانية وعربية ذكرت نقلا عن مصادر مختلفة أن محمد شوربة مسؤول تنسيق العمليات الخارجية لحزب الله جاسوس كان يمد إسرائيل بالمعلومات عن مخططات الحزب متسبّبا في إفشال عدة محاولات للانتقام من اغتيال المسؤول الأمني السابق عمادة مغنية.

ولم يعلق نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم الذي كثيرًا ما يُدفع إلى الواجهة للتعامل مع القضايا المحرجة، على هذه التقارير بصورة مباشرة. ولكنه قال في حديثه لاذاعة النور التابعة للحزب ان حزب الله قادر على احتواء أي أضرار ناجمة عن النشاط الجاسوسي في صفوفه.

التدخل في سوريا

ويأتي هذا الاختراق الأمني في وقت يواجه حزب الله ضغوطًا عسكرية وسياسية شديدة بعد إرساله آلاف المقاتلين إلى سوريا لدعم نظام بشار الأسد ضد المعارضة وانكشاف مواقعه في لبنان نفسه لتهديدات أمنية من الجماعات الجهادية.

كما ان تدخل الحزب إلى جانب نظام الأسد أثار استياء واسعًا في الأوساط السياسية اللبنانية وخاصة السنّية التي ترى في هذا التدخل خروجا عن التوافق الوطني وسياسة لبنان في النأي بنفسه عن الحريق السوري وتوجيه سلاح الحزب ضد إسرائيل فقط.

ضربة في الصميم
&
وقالت الباحثة المتخصصة بالشؤون اللبنانية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن رندة سليم إن تدخل حزب الله في سوريا ومتطلباته الكبيرة من المستلزمات اللوجستية والقوى البشرية ربما ألهى قادة الحزب عن مكافحة النشاط الجاسوسي الإسرائيلي. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن سليم قولها ان الاختراق الأمني ضربة "إلى صميم ما يُسوقه تحت شعار الممانعة".

ولاحظت سليم أن إشارة قاسم إلى حدوث اختراقات هي "اول تأكيد مباشر، وأول محاولة من الحزب للسيطرة على الرواية". واضافت ان الحزب يريد ان يقول "نحن مثل أي تنظيم آخر، لنا مشاكلنا ومع تنامي حزب الله ونفوذه تزداد محاولات الاختراق ولكن الأمور تحت السيطرة".

وكان قاسم حاول تبرير الاختراق قائلا ان الحزب يتكون من بشر يمكن ان يخطئوا. ولكن محللين لفتوا إلى أنّ توقيت تصريحاته ودوره المعهود في طمأنة قواعد الحزب يضفيان مصداقية على ما تردّد عن اكتشاف جاسوس إسرائيلي كبير في أخطر مفاصل الحزب. وأخذ العديد من مؤيدي حزب الله يتحدثون عن الاختراق كحقيقة ثابتة بعد سماعهم تصريحات نائب الأمين العام للحزب.

وقال مقاتل في حزب الله ومسؤول في منظمة الحزب في بعلبك لصحيفة نيويورك تايمز ان الاختراق "لن يؤثر في كل الحزب" ولكن تأثيره سيكون قوياً في المجالات التي عمل فيها شوربة، ومنها عمله منسق عمليات الحزب في الخارج ومسؤول حماية الأمين العام للحزب حسن نصر الله. واضاف المقاتل ان على الحزب ان يغيّر الآن كل ما له علاقة بموقع شوربة.

وأكد الكاتب السياسي طلال العتريسي القريب من حزب الله ان الاختراق "خسارة ولكنه ليس خسارة كبيرة" للحزب مشيرا إلى "ان الحزب يعمل في حلقات صغيرة وليس حلقات كبيرة وحتى اعضاء الحزب لا يعرفون بعضهم بعضًا".

لن يأمنوا على حياتهم

ولكن محللين لبنانيين وعرباً يرون ان الاختراق أبلغ أثرا بكثير مما يوحي به مسؤولو حزب الله والمعلقون القريبون منه مشيرين إلى دور شوربة في اغتيال مغنية نفسه عام 2008 وتسريبه معلومات أدت إلى اغتيال القيادي الآخر في الحزب حسن اللقيس في بيروت عام 2013.

وهذا كله يعني أنّ قادة الحزب على أعلى المستويات لن يأمنوا على حياتهم بعد الآن ناهيكم عن الكوادر الأدنى. ومن شأن هذا ان يهز ثقة الحزب بأجهزته نفسها.

وكان شوربة (42 عاما) وهو من بلدة النبطية في جنوب لبنان اعتُقل قبل شهر بعد تحقيقات استمرت سبعة أشهر، ويُحاكم الآن مع اربعة من شركائه امام محكمة حزبية، بحسب صحيفة الديلي ستار اللبنانية.

وقالت الصحيفة إن الحزب بدأ يرتاب بوجود مدسوس عندما كشفت السلطات البلغارية هوية اثنين من عناصره متورطين في عملية تفجير حافلة ومقتل سياح إسرائيليين في منتجع بورغاس البلغاري عام 2012. وأشارت الصحيفة إلى أنّ البلغاريين عرفوا هوية العنصرين من إسرائيل التي عرفت هويتهما من شوربة.