يحتفل الأقباط في مصر بعيد الميلاد اليوم، في أجواء تتسم بالكثير من القلق والترقب المشوب بالأمل، لاسيما بعد استهدافهم في ليبيا، ومعاداة بعض فصائل التيار الإسلامي السياسي لهم، غير أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للكاتدرائية بالقاهرة زادت من فرحتهم بالعيد، لاسيما أنها الأولى لرئيس الجمهورية منذ عقود طويلة، وزادت الزيارة المفاجئة من شعبية السيسي في أوساط الأقباط أيضاً.

صبري عبد الحفيظ من القاهرة: في أجواء تتسم بالبرودة الشديدة، والسخونة سياسياً، يحتفل المسيحيون الأرثوذكس في مصر بعيد الميلاد اليوم، الموافق 7 كانون الثاني (يناير)، وزادت زيارة السيسي &لمقر الكاتدرائية بالقاهرة، من مظاهر البهجة لديهم.
&
زيارة مفاجئة
بالرغم من أن رئاسة الجمهورية المصرية أعلنت في وقت سابق، أنها سوف توفد كبير الياوران إلى الكاتدرائية لتهنئة الأقباط بأعياد الميلاد، إلا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي فاجأ الجميع في الداخل والخارج، وزار المقر البابوي في القاهرة لتقديم التهنئة بالعيد.
&
وقال مصدر كنسي لـ"إيلاف" إن الكاتدرائية لم تكن على علم بزيارة الرئيس، مشيراً إلى أنه فاجأ الجميع بالتواجد داخل مقر صلاة القداس، مشيراً إلى أن البابا تواضروس الثاني قطع الصلاة لتحية الرئيس، ورجح أن تكون الإجراءات الأمنية السبب وراء عدم تحديد موعد مسبق للزيارة، فضلاً عن أن جدول الرئيس كان مضغوطاً جداً، لاسيما أنه كان عائداً لتوه من زيارة للكويت. وقال إن الزيارة أثلجت قلوب الأقباط في مصر، وبعثت برسالة طيبة للعالم الخارجي، أنه في أمان بحماية شخصية من الرئيس.
&
كلمة السيسي
وفاجأ السيسي المجتمعين في المقر البابوي أثناء أداء صلاة قداس عيد الميلاد، وقطع البابا تواضروس الصلاة للترحيب بالرئيس، وقال السيسي في كلمة له في الكاتدرائية: "كان ضروري& أنا أجيلكم علشان أقول لكم كل سنة وأنتم طيبون، وأرجو ألا أكون قطعت صلاتكم". وأضاف: "فمصر على مر آلاف السنين علمت العالم الحضارة والإنسانية، والعالم منتظر من مصر فى الأيام والظروف التي تمر بها الكثير".
&
وتابع السيسي الذي يعتبر أول رئيس مصري يزور الأقباط للتهنئة بالعيد في مقر الكاتدرائية: "من المهم أن الدنيا تشوف المصريين، ومينفعش حد يقول غير كلمة، "المصريين". ونحن قادرون أن نعلم العالم الإنسانية والحضارة، ومن المهم أن ينظر العالم إلى هذا المشهد الذي يعكس وحدة المصريين الحقيقية، ونؤكد للعالم من هنا أننا جميعًا مصريون فقط، وسيحب بعضنا البعض بجد دون أي تفرقة لأن هذه حقيقة المصريين".
&
ولقيت زيارة السيسي للكاتدرائية ترحيباً عاصفاً من الحاضرين للصلاة، رغم أنها لم تستغرق سوى دقائق معدودة، وضجت قاعة القداس بالتصفيق، وهتف بعضهم: "بنحبك يا ريس"، ورد السيسي: "وأنا كمان بحبكم ومتشكر".
&
ترحيب البابا
وقطع البابا تواضروس الثاني، الصلاة للترحيب بزيارة السيسي، وقال: "زيارتكم مفاجأة سارة ولفتة إنسانية... شكرا لك سيادة الرئيس". وأضاف: "نحن بالحقيقة نشعر أن مصرنا تبدأ عهداً جديداً وفكراً جديداً بروح جديدة نبنيها سوياً كلنا كمصريين، نبنيها من أجل مستقبل أبنائنا ومن أجل أن تحتل مصر المكانة التي تليق بها بين كل الأمم في العالم". وتابع: "بالأصالة عن نفسي وباسم المجمع المقدس وباسم هيئة الأوقاف القبطية والمجلس الملي العام والمجالس الفرعية وكل الشعب في مصر وفي الخارج وبلاد المهجر أهنئكم بهذا العيد، وأرسل تحيات خاصة إلى كنائسنا القبطية الموجودة في بلاد كثيرة في كل العالم".
&
شعبية وسط الأقباط
ويتمتع السيسي بشعبية طاغية في أوساط الأقباط، لاسيما أنه يعتبرونه منقذاً لهم من الحكم الإسلامي تحت رئاسة محمد مرسي. وتعرض الأقباط خلال العام الذي حكم فيه الإخوان إلى مضايقات شديدة، وتعالت النبرة المعادية لهم في أوساط الإسلاميين، سواء من قيادات جماعة الإخوان أو قيادات السلفية، وطالب البعض بفرض الجزية عليهم، وجرى تهميشهم على نطاق واسع، ما أدى إلى مشاركتهم بقوة في مظاهرة 30 حزيران (يونيو) 2013، التي تدخل السيسي بموجبها بصفته قائداً للجيش وعزل مرسي عن الحكم، واعتقله هو وغالبية قيادات جماعة الإخوان، على خلفية تهم عدة منها: التخابر، والتحرض على العنف وممارسة العنف، والانتماء لجماعة إرهابية.
&
ويعتبر السيسي أول رئيس مصري يزور الكاتدرائية لتقديم التهنئة للأقباط. لم يفعلها الرئيسان الراحلان جمال عبد الناصر أو أنور السادات، ورغم أن الرئيس الأسبق حسني مبارك حكم لنحو ثلاثين عاماً، إلا أنه لم يقدم التهنئة شخصياً لهم مطلقاً، ورغم أن كثيرين توقعوا زيارة مرسي للأقباط في الكاتدرائية، لتلطيف الأجواء، والبعث برسالة طمأنة للأقباط، إلا أنه لم يفعلها. ولم يفعلها كذلك الرئيس الموقت عدلي منصور، الذي يرى مراقبون أنه لم يكن إلا واجهة سياسية للسيسي في الفترة التي تلت الإطاحة بمرسي حتى انتخابه رئيساً بشكل رسمي في شهر حزيران (يونيو) 2014.
&
دعم لهذه الشعبية
زيارة السيسي للكاتدرائية دعمت شعبيته بشكل واسع بين الأقباط، الذين أعربوا عن سعادتهم بها، وقال الأنبا مرقص عضو المجمع المقدس، لـ"إيلاف" إن زيارة السيسي للكاتدرائية أثلجت صدور الأقباط، مشيراً إلى أن السيسي أثبت أنه رئيس لكل المصريين. ولفت إلى أن الأقباط سعداء بالزيارة، لاسيما أنها الأولى لرئيس مصري، متوقعاً أنها لن تكون الأخيرة. ونبه إلى أن السيسي يحظى بشعبية واسعة لدى المصريين جميعاً، والأقباط خصوصاً، متوقعاً أن تزيد الزيارة من شعبيته.
&
ووفقاً للقمص عبد المسيح بسيط، فإن السماء أرادت للمصريين أن يحتفلوا بأعيادهم الدينية معاً هذا العام، وقال لـ"إيلاف" إن ميلاد المسيح، تزامن مع المولد النبوي للنبي محمد، واحتفل المسلمون والمسيحيون معاً بالعيدين، مشيراً إلى أن حضور السيسي قداس عيد الميلاد بعد حضوره الاحتفال بالمولد النبوي، يثبت أنه رئيس لكل المصريين قولاً وفعلاً. ولفت إلى أن الزيارة سوف يكون لها أثر طيب على شعبية السيسي والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين في المستقبل وتزيدها متانة وقوة، وتقطع الطريق أمام التطرف والتشدد.&
&
وقال سكرتير البابا تواضروس الثاني، أنجيليوس إسحق، إن "السيسي هو نموذج للإنسان المصري الأصيل". وأضاف في تصريحات له: ''نحن فوجئنا بزيارة الرئيس السيسي"، مشيراً إلى أن الرئيس "فرح قلوب كل المصريين، والزيارة التي استغرقت 12 دقيقة رغم قصر مدتها، ولكن الرئيس بتواجده وتلاحمه وتفاعله وتواضعه وبساطته، أرسل رسالة قلبية وصلت لنا، فالمشاعر أقوى من الكلمات، وزيارته أسعدتنا جميعًا، فهو إنسان ومواطن مصري أصيل يحمل سمات هذا البلد العظيم''.
&
وأضاف سكرتير البابا: ''نقول للرئيس السيسي شكرًا يا سيادة الرئيس، أنت فرحت كل المصريين وأثلجت قلوبنا جميعاً، وهذه هي صورة مصر المشرقة المحبة لأهلها، والرئيس استدعى حضارة المصريين العظماء وسطر تاريخنا من جديد والتاريخ يكتب بحروف من نور''.
&
واعتبرت صحيفة نيويورك تايمز، الزيارة "حجر زاوية وحدثًا هامًا". وأضافت: "الزيارة تعد بمثابة أحدث دليل على التقارب المتزايد بين الرئيس والبابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية". ونبهت الصحيفة الأميركية إلى أن "الأقباط ينظرون إلى السيسي على أنه بطل قومي يحظى بتقدير وتأييد البابا تواضروس الثاني".
&