اسطنبول: انطلق الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من بدايات متواضعة، ليصبح اكثر سياسيي تركيا نفوذا بعد مصطفى كمال اتاتورك، لكنه بعد عقد في قمة السلطة بات من اكثر السياسيين اثارة للانقسام داخل البلاد.

ويرى انصار اردوغان فيه شخصية أحدثت تحولا كبيرا في تركيا، لا سيما في مجال الحداثة، في حين يعتبره معارضوه قائدًا يزداد تسلطًا، ويطمح الى انشاء "حكم الرجل الواحد". لكن حلم اردوغان في توسيع سلطاته، لتصبح مشابهة للرئاسة التنفيذية الاميركية، اصطدم بعد انتخابات حزيران/يونيو لدى فقدان حزب العدالة والتنمية الاكثرية، ما انهى حكما استفرد به طوال 13 عاما.

وتستبعد استطلاعات الراي نتائج مغايرة في اقتراع الاحد مع التفجيرات الاخيرة التي هزت انقرة واستئناف النزاع الدامي مع الاكراد. وقد يضطر رئيس الوزراء احمد داود اوغلو الوفي لإردوغان، في حال عدم حصول الحزب على الاكثرية، الى الكفاح من اجل مستقبله السياسي. كما قد تطرح مثل هذه النتيجة تساؤلات حول دور اردوغان في المستقبل.

وصل الرئيس البالغ 61 عامًا الى السلطة كرئيس للوزراء في 2003، ونجح في ارساء الاستقرار في البلاد، التي طبعت الانقلابات والتحالفات الهشة تاريخها، كما اخرجها من وضع اقتصادي سيء. لكن منتقدي اردوغان يقولون انه يزداد تسلطا، وانه مصمم على القضاء على الديموقراطية العلمانية، لفرض قيمه الاسلامية على المجتمع، فيما ينكب على اسكات خصومه والاعلام المعارض.

ويبرزون اثباتات على ذلك، اقدام شرطة مكافحة الشغب قبل ايام على الانتخابات المبكرة على اغلاق شرطة مكافحة الشغب محطات تلفزيون تابعة لعدو اردوغان اللدود الداعية الاسلامي فتح الله غولن، المقيم في المنفى، والمتهم بالتآمر للإطاحة بالحكم، عن طريق الحض على فتح تحقيق في الفساد طال محيط الرئيس التركي. وقالت الباحثة في منظمة هيومن رايتس واتش ايما سنكلير ويب "لم تتخذ تدابير مشابهة باغلاق محطات تدقق في اداء السلطة منذ ايام الانقلاب العسكري في 1980".

- "المعلم الكبير" -
وتمكن اردوغان في اثناء توليه رئاسة مجلس الوزراء من السيطرة على الجيش، الذي لطالما اعتبر حامي الدولة العلمانية، واثار الشكوك لدى شريحة من الاتراك حول احتمال سعيه الى "اسلمة" المجتمع بعد فرضه ضوابط على بيع الكحول والرقابة على الانترنت، وحتى محاولة الغاء مهاجع الطلاب المختلطة في الجامعات الرسمية.

وفيما يفترض باردوغان، كرئيس للدولة، ان ينأى عن السياسة الحزبية، الا انه يمارس نفوذا كبيرا على حزب العدالة والتنمية، وساهم بقوة في الحملة الانتخابية السابقة في حزيران/يونيو. لدى وصوله الى السلطة، اشاد به الغرب لانشائه ديموقراطية اسلامية نموذجية على طرف اوروبا الشرقي، حيث سعت تركيا الى لعب دور وساطة على الساحة الدولية.

لكن انقرة خسرت اصدقاء بعد الربيع العربي، وفترت علاقاتها مع الغرب، لا سيما بعد دعمها المعارضة الاسلامية في النزاع السوري، وتدهور سجلها في حقوق الانسان ما اعاق طموحاتها للانضمام الى الاتحاد الاوروبي. ويعرف اردوغان الحاد الطباع بين اوساطه وانصاره بلقب "المعلم الكبير"، او "السلطان".

وسرت شائعات حول صحته بعد خضوعه لعمليتين جراحيتين في الامعاء، لكن الاطباء نفوا ان يكون مصابا بالسرطان. ومن الواضح ان اردوغان راغب في ان يكتب اسمه في التاريخ الى جانب مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال اتاتورك كأحد قادة البلاد العظماء. وبدأ مشاريع ضخمة مذهلة، من بينها شبكة سكك للقطارات العالية السرعة ونفق تحت مضيق البوسفور.

في المقابل، تعرض لانتقادات كثيفة بسبب قصره الرئاسي، الذي كلف بناؤه 615 مليون دولار، ويضم 1150 غرفة، وقيل انه افراط عبثي يفتقر الى الذوق، ويرمز الى تسلطه المتزايد. وبادر اردوغان المستاء الى مقاضاة خصم سياسي بتهمة القدح والذم، بعدما اكد ان القصر مجهز بكراسي حمام من ذهب.

كما اثار الكثير من علامات الاستفهام بعد سلسلة من التعليقات الغريبة، عندما اكد ان المسلمين اكتشفوا القارة الاميركية قبل كولومبوس، وان النساء دون الرجال، اضافة الى قوله "سوف نمحي تويتر من الوجود".

- "حزب العدالة والتنمية ولدي" -
ولد اردوغان في حي قاسم باشا في اسطنبول، وامضى طفولته في منطقة ريزه على ساحل البحر الاسود، إذ كان والده ضابطا في خفر السواحل. ثم عاد الى اسطنبول مراهقا.
نال شهادة في ادارة الاعمال، ولعب في كرة القدم بشكل شبه احترافي في ناد اسطنبولي.

مع بروز نجمه وسط الحركة الاسلامية، تولى رئاسة بلدية اسطنبول في 1994، وواجه مشاكل كبرى في المدينة الضخمة، التي تضم 15 مليون نسمة، كزحمة السير الخانقة وتلوث الهواء. شارك في التظاهرات الاحتجاجية لدى حظر الحزب الاسلامي، الذي كان ينتمي اليه، وسجن اربعة اشهر للتحريض على الحقد الديني بعد تلاوته قصيدة اسلامية.

في 2001، اسس اردوغان الى جانب حليفه عبد الله غول، حزب العدالة والتنمية المنبثق من التيار الاسلامي، والذي فاز في كل الانتخابات منذ 2002. ومن اقواله ان "حزب العدالة والتنمية ولدي الخامس"، الى جانب ابنيه وابنتيه. في 2003، تولى اردوغان رئاسة مجلس الوزراء. وشهدت تركيا في اثناء حكمه نموا اقتصاديا هائلا بنسب اثارت حسد اسواق ناشئة اخرى، واحتلت مكانة اكثر ثباتا على الساحة الدولية.

لكن منذ 2013& بدا اردوغان يواجه معارضة لسلطته تعامل معها بعنف. وقمعت حكومته التظاهرات التي انطلقت ردا على خطط للبناء في حديقة في اسطنبول وتحولت تدريجيا الى احتجاجات عارمة حول البلاد، ما ادى الى مقتل ثمانية اشخاص. واعتبر اردوغان المتظاهرين "مشاغبين".

واثار الغضب مجددا نتيجة رد فعله على حادثة منجم قتل فيها 301 شخص في العام الفائت، عندما قلل من حجم الماساة بمقارنتها بحوادث المناجم في بريطانيا في القرن التاسع عشر. اصبح الرئيس التركي الاول المنتخب في اقتراع مباشر في اب/اغسطس 2014. ويشبّهه البعض بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، او "الديكتاتور الاخير".