تشنّ السلطات التركية حملة ضد وسائل الإعلام المحلية، وصفها صحافيون أتراك بأنها الأسوأ في تاريخ الجمهورية، وذلك قبل انتخابات يوم الأحد، التي يمكن أن تنهي 13 عامًا من حكم الحزب الواحد، الذي استأثر به حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس رجب طيب إردوغان.


إعداد عبدالاله مجيد: أُقيل صحافيون انتقدوا سياسات إردوغان أو الحكومة، من صحف مقربة من الرئيس، حتى إنهم تعرّضوا حتى للاعتداء، فيما دُهمت مكاتب وسائل إعلام مؤيدة للمعارضة، في ما وصفه مراقبون بأنه حملة شعواء لتكميم الأفواه المطالبة بالتغيير والمحاسبة في أنقرة.

ذهنية إلغائية
وقال طارق توروس رئيس تحرير قناة "بوغون" التلفزيونية، التي أوقف رجال الأمن بثها يوم الأربعاء خلال عملية دهم، "إنها أكبر حملة على الصحافة في التاريخ التركي". وأكد توروس لصحيفة الغارديان إن "حكم الحزب الواحد سيكون كارثة. فالفظائع التي تستهدف من لا يفكرون كما يفكر إردوغان ستتواصل، وتركيا ستدخل فترة أشد ظلامًا".

وكانت سلسلة من الفضائح ألحقت ضررًا فادحًا بشعبية حزب العدالة والتنمية، فضلًا عن صعود القائد الكاريزمي المعارض صلاح الدين دميرتاش، زعيم حزب الشعب الديمقراطي الكردي، الذي فاز بنسبة كافية من الأصوات في انتخابات حزيران/يونيو الماضي لدخول البرلمان.

ونفى متحدث باسم الحكومة أن يكون دهم قناة توروس "اعتداء على حرية الصحافة"، قائلًا إن العملية نُفّذت في إطار تحقيق في اتهامات ضد الشركة الأم، التي تملك القناة، بارتكاب "جرائم مالية".

عملية انتقامية
وأعلن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو أن "الجميع يرى الإهانات التي توجّه ضد رئيسنا وحزب العدالة والتنمية وضدي أنا على صفحات الجرائد وفي الحملات الانتخابية.& فالجميع يعبّر عن آرائه بحرية".&

لكنّ منتقدين يؤكدون أن عملية دهم القناة التلفزيونية، التي جرى تصويرها، وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، على نطاق واسع، كانت عملًا انتقاميًا، بعدما بثت القناة مقابلات مع سياسيين معارضين، بينهم دميرتاش. وقال جان دونبار رئيس تحرير صحيفة جمهوريت المعارضة "هذا هو إردوغان ، فهو يكره النقد".
&
وقالت بعثة مشتركة لتقصي الحقائق من منظمات الدفاع عن حرية الصحافة، بينها لجنة حماية الصحافيين، عقب زيارة لتركيا، إن الضغوط التي يتعرّض لها الصحافيون في سائر أنحاء البلاد تصاعدت، بعد انتخابات حزيران/يونيو، مهددة الديمقراطية في تركيا.

هاجس القضاء
وتواجه صحيفة جمهوريت سلسلة من الدعاوى القانونية، بموجب قانون يجرّم إهانة الرئيس، وهو تكتيك استُخدم كثيرًا في الفترة الماضية، حين تابعت الصحيفة التحقيقات في تهم فساد ضد مسؤولين كبار في الحكومة التركية، ونشرت تقريرًا يقول إن الاستخبارات التركية تهرّب السلاح إلى سوريا.

وقال دونبار إن التحقيقات في تهم الفساد أخافت إردوغان، وهددت حزبه بتقويض هيمنته على الساحة السياسية، محذرًا من أن عودة حكم الحزب الواحد ستكون كارثة على حرية التعبير في البلد.&

وقال الكاتب المعروف في صحيفة حريت والصحافي التلفزيوني أحمد خاقان إن ما تتعرّض له وسائل الإعلام "لا سابق له في التاريخ التركي". وكان خاقان تعرّض أخيرًا للاعتداء على أيدي مؤيدين لحزب العدالة والتنمية، كسروا أنفه وأضلعه، متهمين إياه بتأييد دميرتاش.&

النقد قاتل
أوضح خاقان قائلًا "أنا لست ضد الحكومة، بل مجرد صحافي ينتقد الحكومة، ومع ذلك ما زلت هدفًا للاعتداء الجسدي، ولهذا من الطبيعي أن يشعر الصحافيون الذين يعتبرون أنفسهم معارضين بالقلق". ولاحظ خاقان أن أسلوب إردوغان في الحكم ازداد سلطوية، وأن فوز حزبه في الانتخابات سيمكّنه من مواصلة الحملة ضد الصحافة.

وقالت سمرة بيليك المحررة السياسية السابقة لصحيفة ملييت القريبة من إردوغان إن هناك حملة قمعية واسعة ضد وسائل الإعلام. وكانت بيليك أُقليت قبل شهرين في سلسلة من الإقالات، التي شهدتها الصحيفة طالت محررها المعروف قدري غورسيل، بعد نشر محاضر اجتماع سرّي عُقد في أوسلو بين عناصر من المخابرات التركية وممثلين عن حزب العمال الكردستاني في عام 2013.

تصرفات "بلطجية"
وتبيّن تسجيلات مسرّبة لمكالمة مفترضة بين إردوغان ومالك الصحيفة إن الرئيس كان غاضبًا، وأمر المالك بإقالة الصحافيين والمحررين المسؤولين عن نشر قصة المحاضر.&
وقالت بيليك "أنظروا ما حدث بالأمس عندما دخل رجال الشرطة مؤسسة إعلامية، وقطعوا البث، وهم لم يكونوا بلطجية، بل كانوا ضباطا في أمن الدولة!".&

وعلقت بيليك على سياسات إردوغان وحزب العدالة والتنمية قائلة إن "لديهم نسختهم الخاصة من الواقع، وهي حلم عثماني وقصور". وأضافت "ينظر إردوغان وعالمه إلى كل من يعارض هذه النسخة من الواقع على أنه تهديد، وحتى أبسط الانتقادات تُعدّ تهديدًا".