يستعد ناشطو الاحتجاجات العراقية لتوسيع تظاهراتهم في بغداد وبقية محافظات البلاد غدًا الجمعة ضد ما يقولون إنه تسويف لمطالب مواجهة الفساد ومحاكمة الفاسدين وإصلاح القضاء، مهددين باقتحام المنطقة الخضراء الحصينة مقر الحكومة والبرلمان والسفارات الأجنبية وغلق أبوابها بأجسادهم وحصار قاطنيها.

لندن: أعلنت مجاميع ناشطي الاحتجاجات&،&من خلال تظاهراتهم الاسبوعية غدًا الجمعة،&&امهال الحكومة والبرلمان 21 يومًا لتنفيذ مطالب الشعب وعدم تحويل الإصلاحات إلى صراع بينهما للتهرب من تنفيذ خطوات حقيقية نحو الإصلاح.

وتوعدوا بتنفيذ مسيرات إلى المنطقة الخضراء وسط العاصمة مقر الرئاسات الثلاث، وكبار المسؤولين والسفارات الاجنبية وخاصة الاميركية والبريطانية. وجاء هذا التصعيد اثر قرار البرلمان الاثنين الماضي بتقييد يدي رئيس الوزراء حيدر العبادي بتنفيذ إصلاحاته واشتراط عرضها عليه ومناقشتها والمصادقة عليها قبل اعلانها.

وأصدر المحتجون اثر ذلك بيانًا اوصلوا نسخًا منه إلى السفارات الاجنبية في المنطقة الخضراء يهددون فيه بالزحف نحو المنطقة، ويمهلون فيه الحكومة والبرلمان بالتصويت خلال 21 عاماً على قانون المحكمة الاتحادية وتشريع قانون مجلس القضاء الاعلى وعدم التسويف في تنفيذ مطالبهم السابقة بمواجهة حقيقية ضد الفساد واحالة الفاسدين إلى المحاكم. وهددوا بإعتصام مفتوح أمام أبواب المنطقة الخضراء لغلقها باجساد المتظاهرين واستمرار الاحتجاجات لحين سحب الثقة من حكومة العبادي كاملة.
&
الزحف للخضراء

وفي بيانات وتعليقات لهم على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، واطلعت عليها "إيلاف"، أكد الناشطون قائلين "الخضراء ليست بعيدة ولسنا خائفين لكن التخطيط وتغيير شكل التظاهر يحتاجان لتفكير سليم خاصة اننا ندعو لإصلاح النظام وبشكل سلمي وهذا يجعل الحراك الجماهيري بطيئًا لكن هذا البطء إيجابي لأننا المتظاهرين كنّا حتى هذه اللحظة على حق في سير الحراك الجماهيري السلمي. جمعتنا القادمة سيكون لها شكل مختلف خاصة بعد ان تخلى البرلمان عنّا، والحكومة اثبتت انها لا تعرف معنى الإصلاح، والقضاء مستمر بفساده".

واضافوا قائلين "نتمنى من الجميع الخروج ليس لتلبية دعوة التظاهر بل لأنه في حاجة لذلك، خاصة اننا جميعا نعيش ببؤس وساكنو المنطقة الخضراء يعيشون رخاءهم الخاص.. الجمعة ملتقانا بساحة التحرير في الساعة 2 ظهراً ونتحرك لبوابة المنطقة الخضراء الساعة 3 بمسيرة جماهيرية غاضبة من كل شيء خاصة وجود كل تلك الرؤوس التي عاثت فينا وفي العراق فساداً.. ‫‏مستمرون و.. #‏جاييكم للخضراء".

ووجهوا نداء إلى المحتجين في العاصمة بغداد قالوا فيه "لأنهم لم يستمعوا إلى أصواتنا جيداً من ساحة التحرير سنذهب إليهم إلى منطقتهم الخضراء المحصنة لنصرخ بأعلى أصواتنا (حان وقت الإصلاح الحقيقي، كلا للفساد، للمحاصصة، للمماطلة والتسويف، لن نرحل)".

وأشاروا إلى أنّ التجمع سيكون يوم الجمعة غدا من الساعة 2 إلى الساعة 3 عصراً في ساحة التحرير، والتوجه بعدها إلى ساحة الحسين (قرب جسر الطابقين) عند بوابة المنطقة الخضراء عبر (شارع السعدون/ ساحة الفردوس/ ساحة كهرمانة/ الكرادة).. وقالوا "ننتظركم يا أحرار العراق".

رغبة سياسية في وأد وجهة الإصلاح

ومن جهته، قال الناشط والاعلامي جاسم الحلفي احد قادة الاحتجاجات ان المحتجين كانوا يتطلعون إلى أن تحقق المعركة ضد الفساد نجاحات تواكب انتصارات القوات وتقوي معنويات المقاتلين وتشد من عزيمتهم، لكن سياسة الالتفاف والتسويف والمماطلة كانت النهج الذي قوبلت به مطالب الشعب العادلة.

وأشار إلى أن تراجع السلطتين التنفيذية والتشريعية عن الإصلاحات بل التخلي حتى عن ورقتي الإصلاح اللتين طرحتاهما قبل نحو شهرين، عبر قرار البرلمان الصادر الاثنين الماضي يؤشر إلى قوة الرغبة السياسية في وأد وجهة الإصلاح وهي في مهدها وأثبت عدم جدية مجلس النواب في تمثيل أبناء الشعب، وعجز السلطات الثلاث عن تحقيق الاستقرار السياسي المطلوب، الذي هو شرط أساسي للاستقرار الأمني.

واضاف ان الناشطين ايدوا حزمة الإصلاحات التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي رغم التحفظ على بعض نقاطها لكنه لم يتم لمس جدية في تنفيذ الإجراءات التي تضمنتها الحزمة، مثل طرح مشاريع قوانين تعالج الفراغ القانوني الذي تخلفه الإجراءات ومنها (مشروع قانون إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية، مشروع قانون دمج الوزارات، مشروع قانون تخفيض رواتب الرئاسات الثلاث.. ألخ).

وأوضح ان العبادي لم يطرح برنامجا شاملا وحقيقيا للإصلاح يُنفذ على أرض الواقع، واكتفى بإجراءات إدارية غير جذرية وهذا يؤكد ان الفريق الحكومي لا يؤمن بنهج الإصلاح بما في ذلك أعضاء مجلس الوزراء. وأكد عجز العبادي ومجلس الوزراء بشكل كامل عن بناء إستقطاب سياسي تتكون في ضوئه كتلة برلمانية إصلاحية تساند بقوة جهود محاربة مافيات الفساد الكبيرة.

وبالنسبة لمجلس النواب قال الحلفي انه لم يتابع تنفيذ ورقته الإصلاحية التي لم يسمع عنها مطلقاً بعد إعلانها في اب (اغسطس) الماضي مثلما لم يسمع لغاية الآن بالحزمة الثانية التي وعد المجلس بإطلاقها.

وأوضح أن مجلس النواب لم يبذل أي جهد لمتابعة الوعود الحكومية والإجراءات التي اتخذت وقيل عنها "إصلاحية"، وكان دعمه إعلامياً فقط. واضاف ان المجلس لم يسد الثغرات الموجودة في ورقتي الإصلاح ولم يقم بأي استجواب حقيقي لمسؤولي الدولة رغم تلكؤ الخدمات ووجود ملفات فساد عالقة منها (قضية سبايكر، صفقة الفساد في الأسلحة الروسية، الإستيلاء على عقارات الدولة، مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية، جهاز كشف المتفجرات، الحسابات الختامية للسنوات الماضية، خاصة عام 2014.. الخ).

&اما حول السلطة القضائية فقد أشار إلى أنّ القضاء لم يأخذ دوره في إصدار الأوامر القضائية بعد استلامه ملف التحقيق بقضية سقوط الموصل كما لم يقف ضد الانتهاكات التي طالت الناشطين والمتظاهرين من اعتقالات إلى تغييب قسري لكنه اخذ تعهدات من المعتقلين منهم تلزمهم بعدم التظاهر اضافة إلى عدم إجراء إصلاحات جذرية في مؤسسات القضاء التي عانت من تلكؤ في إنجاز مهامها طيلة السنوات الماضية.

الاستمرار بالاحتجاجات الشعبية السلمية

وأكد الحلفي الاستمرار بالإحتجاجات الشعبية السلمية المطالبة بالإصلاح ضمن أطر الدستور العراقي وتوفير الخدمات.. وقال "نحذر السلطات الثلاث، والطبقة السياسية الحاكمة من استمرار التسويف للمطالب الحقة الذي بدأ يثير غضب الناس ونقمتهم نشدد على تنفيذ النقاط اعلاه ونؤكد في نفس الوقت على رؤيتنا في الإصلاح التي تنطلق من اعادة بناء النظام السياسي على وفق المواطنة وتخليصه من المحاصصة والفساد".

ويوم الاثنين الماضي، أعلن مجلس النواب العراقي أن الحكومة لا تملك صلاحية تطبيق بعض بنود خطة الإصلاحات التي اعلنها العبادي، لان العديد من هذه البنود تحتاج إلى قوانين من السلطة التشريعية. وجاء قرار المجلس هذا بعد ان كان قد اقر في وقت سابق خطة الإصلاح تحت ضغط تحرك شعبي غاضب يطالب بخدمات وبمكافحة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة.

ويعتبر قرار البرلمان الجديد هذا بمثابة عائق اضافي امام تطبيق الإصلاحات التي تكمن صعوبتها الاساسية في الحد من الامتيازات التي يتمتع بها المسؤولون الحكوميون الكبار.

لكن العبادي رد على ذلك في اليوم التالي مشددًا على "عزمه واصراره على الاستمرار بالإصلاحات ومحاربة الفساد والفاسدين وعدم التراجع عن ذلك رغم التحديات والعقبات".. وأكد بالقول "لن تفلح محاولات من خسروا امتيازاتهم باعاقة الإصلاحات او اعادة عقارب الساعة إلى الوراء ونقض ما انجزناه، فإرادة المواطنين اقوى منهم وستقتلع جذور الفساد وتحقق العدل في العراق".

يذكر أنّ العبادي وضمن حزم الإصلاحات التي اطلقها في التاسع من آب (اغسطس) الماضي قد الغى مناصب نواب رئيس الجمهورية الثلاثة، ومناصب نواب رئيس الحكومة الثلاثة، كما اعفى 123 وكيل وزارة ومديراً عامًا من مناصبهم واحالهم إلى التقاعد.. وايضا قرر تقليص عدد المناصب الوزارية إلى 22 بدلاً من 33 عبر الغاء ثلاثة مناصب لنواب رئيس الوزراء واربع وزارات ودمج ثماني وزارات وجعلها اربعًا فقط. كما قام بتقليص مرتبات المسؤولين الكبار والغاء غالبية عناصر حماياتهم واعادتهم إلى القوات الامنية.

وأتت هذه الخطوات الإصلاحية بعد اسابيع من التظاهرات في بغداد ومناطق عراقية عدة، طالب خلالها المحتجون بدعم من مرجعية السيستاني بمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين وانهاء تسييس القضاء وتوفير الخدمات لا سيما المياه والكهرباء.