يزور بوتين طهران&بهدف&&توسيع خيارات روسيا السياسية والاقتصادية، وتسعى موسكو إلى تعزيز 3 عوامل: هي دورها في سوريا، واحتمال مشاركتها في الحرب على داعش، ثم قدرتها على إبطاء تدفق اللاجئين إلى أوروبا، لتكوّن بذلك علاقة جديدة مع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة، وتزيل القيود التي وضعها الأخيران إثر الأزمة في أوكرانيا.


إعداد ميسون أبوالحب: رأت دراسة نشرها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أنه سيكون على واشنطن وأوروبا اعتماد إستراتيجية تسمح لهما بالتعاون في سوريا وفي جهود مكافحة الإرهاب، فيما تستمران بالضغط على روسيا بشأن قضايا، مثل النزاع في أوكرانيا وتسليم طهران صواريخ إس 300، من أجل تجنب مخاطر التطورات الأخيرة بين موسكو وطهران.

بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الثالث والعشرين من الشهر الجاري زيارة رسمية إلى إيران، تستمر ثلاثة أيام، وهي الأولى منذ عام 2007، ومن شأنها تعزيز التعاون متعدد الأطراف والثنائي بين البلدين.

ويشارك بوتين في مؤتمر قمة منتدى الدول المصدرة للغاز (GECF)، كما يعقد اجتماعات عديدة مع رؤساء الدول المشاركة، وكذلك سيعقد اجتماعات ثنائية منفصلة مع قادة إيران. وقد تمثل هذه الاجتماعات والقضايا المطروحة في الحوارات الإيرانية الروسية فرصًا جديدة ومخاطر على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط وفي أوكرانيا.

احتكاك ثنائي
تأتي زيارة بوتين وسط علاقات تزداد تعقيدًا بين إيران وروسيا. إذ أنهى الاتفاق النووي بين طهران ودول 5+1 عزلة إيران السياسية، ومُنحت إيران فرصًا للتعاون دبلوماسيًا واقتصاديًا مع أوروبا ومع الولايات المتحدة إلى حد ما. وتمثل هذه الخيارات الجديدة تحديًا بالنسبة إلى تحالف روسيا السياسي مع طهران.

في الوقت نفسه تتوسع خيارات روسيا السياسية والاقتصادية، وربما ستتمكن من تعزيز ثلاثة عوامل مرتبطة بها، وهي دورها في سوريا، واحتمال مشاركتها في الحرب على داعش، ثم قدرتها على إبطاء تدفق اللاجئين إلى أوروبا، لتكوّن بذلك علاقة جديدة مع الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة، وتزيل القيود التي وضعها الأخيران إثر الأزمة في أوكرانيا. وهو ما قد يثير قضايا خلافية إضافية بين طهران وموسكو.

أولًا، فيما لا يزال بوتين وإيران يفكران في إنشاء جبهة موحدة، باعتبارهما حليفين لنظام الأسد، فإن الانتشار الروسي في سوريا خلق توترًا، لأن طهران ليست سعيدة ببسط موسكو سلطتها في دمشق، وبالدور الذي يمكنها أن تؤدّيه مع الغرب، من خلال التوصل إلى تسوية سلمية. أضف إلى ذلك أن إطلاق موسكو صواريخ كروز انطلاقًا من بحر قزوين في اتجاه الداخل السوري يزعج قادة إيران بالتأكيد.

تبادل أسلحة
اختلف البلدان أيضًا على قضية مبيعات السلاح الثنائية. فخلال المفاوضات النووية جمدت موسكو تنفيذ عدد من صفقات بيع أسلحة إلى إيران. أما الآن وبعد التوصل إلى اتفاق نووي تود إيران أن تنفذ روسيا هذه الصفقات في الحال. وقد تنجذب موسكو بالفعل إلى تسليم أسلحة متطورة لإيران، كي تثبت لها جدوى العلاقة مع روسيا، بدلًا من التوجه إلى قوى كبرى منافسة.

وترغب إيران أيضًا في تسلم نظام الدفاع الجوي إس 300. وكانت موسكو قد تعهدت بتزويد إيران بهذا النظام أكثر من مرة خلال العقد الماضي، ثم امتنعت عن تسليمه، بعد حصولها على تنازلات من إسرائيل، وأحيانًا من الولايات المتحدة. وتسليم هذا النظام الآن قد يخلق مشكلة بالنسبة إلى روسيا، لأنه قد يخلق توترًا مع واشنطن وإسرائيل، أضف إلى ذلك أن تسليم هذا النظام ترافقه مشاكل فنية.&

هناك نقطة صراع أخرى تتعلق بعودة إيران إلى تجارة الطاقة العالمية بشكل كامل، وهو ما يهدد مصالح روسيا. ففي نية طهران تكثيف صادرات النفط، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض أسعار النفط بشكل أكبر، ليزيد من مشاكل موسكو الاقتصادية. وعلى صعيد الغاز الطبيعي، تشعر موسكو بالقلق من احتمال أن تهدد احتياطات إيران الضخمة من الغاز سيطرة موسكو بعيدة المدى على عدد من الأسواق.

في هذه الأثناء، وسعت روسيا علاقاتها مع عدد من خصوم طهران في الشرق الأوسط، لاسيما السعودية. ويتمتع بوتين أيضًا بتعاون أمني ممتاز مع إسرائيل، علمًا أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو كان أول زعيم أجنبي يزور موسكو بعد الإعلان عن نشر روسيا جيشها في سوريا.

المنتدى: دبلوماسية أكثر من طاقة
اضافة الى الاجتماعات الوزارية النظامية، عقدت الدول الاعضاء في المنتدى مؤتمري قمة سابقين بمشاركة رؤساء دول ومسؤولين آخرين من الدول الاعضاء، ومنها الجزائر ومصر وايران وليبيا وقطر وروسيا والامارات وفنزويلا.

وعقد مؤتمر قمة عام 2013 في موسكو بمشاركة رئيس ايران السابق محمود احمدي نجاد. ونظرًا إلى حضور العديد من قادة دول مهمة في الشرق الاوسط ودول بحر قزوين بينهم رئيسا اذربيجان وتركمانستان، اللذان سيحضران كضيوف للمرة الاولى&في تاريخ المنتدى، فمن شأن مؤتمر القمة ان يمنح بوتين قاعدة جيدة للدبلوماسية العامة، وهو ما قد يزيد من نفوذه في المنطقة في ظل ظروف خاصة جدًا.

وكان المنتدى قد تأسس لتنسيق سياسات الدول المصدرة للغاز، وكان وراء تأسيسها ايران وفنزويلا بالتحديد في عام 2007. وفي ذلك الوقت روّج مرشد الثورة علي خامنئي لفكرة أن على طهران وموسكو انشاء "منظمة للتعاون على شاكلة منظمة اوبك". غير أن المنتدى فشل في خلق اي كارتل في سوق الغاز، وذلك لأسباب عديدة.

اولا، الطبيعة الثنائية لتجارة الغاز في إطار عقود خاصة طويلة الامد، وهي تمنع التنسيق بين المنتجين. ثانيًا، البلدان اللذان انشآ المنتدى ليسا مصدرين للغاز في الواقع، ففنزويلا تركز على النفط وايران تستورد الغاز من اذربيجان ومن تركمانستان اكثر مما تصدر الى تركيا والى ارمينيا.

اضافة الى ذلك، فإن منتجي الغاز الكبار، مثل الولايات المتحدة وكندا واستراليا، لا يشاركون في المنظمة، في حين ان معظم الدول الاعضاء يحاولون بشكل مستمر توسيع صادراتهم الفردية وجذب استثمارات بغض النظر عن سياسة المنتدى. والنقطة الرئيسة هنا هي أن تصور&أن تتمكن منظمة اوبك (غازية) من السيطرة على اسواق الغاز الطبيعي يكاد يكون ضربًا من الخيال، في وقت ما عادت حتى منظمة اوبك نفسها تملك نفوذًا واسعًا على سوق النفط العالمي.

خيارات جديدة
خلص المعهد الى القول إن بوتين يزور ايران في وقت تؤثر العديد من جزيئات السياسة والتطورات الاقليمية على علاقاتهما. في السابق عندما كانت ايران تحت ضغط العقوبات بسبب برنامجها النووي تراجع التضامن بينهما، بسبب تجميد مجالات التنافس الإستراتيجي بينهما. واليوم هناك خيارات جديدة امام الطرفين لتطوير تعاون اقتصادي وسياسي مع شركاء آخرين.

وبالنسبة إلى روسيا، هناك ظرف خاص قد يدفعها الى التعامل مع اوروبا ومع واشنطن على صعيد المعلومات والتعاون الامني، سواء على صعيد مواجهة داعش او جماعات ارهابية اخرى في الشرق الاوسط، او احلال الاستقرار في سوريا، بهدف وقف تدفق اللاجئين. وبالفعل، أظهرت الدول الاوروبية ميلاً الى رفع العقوبات المفروضة على روسيا بسبب اوكرانيا او تخفيفها بهدف تسهيل التعاون المشترك.

لكن، لو ساعدت موسكو اوروبا بالشؤون المرتبطة بسوريا، فقد تجد نفسها في خلاف مع طهران. وبالتبادل او ربما بالتزامن قد تقرر روسيا تسليم اسلحة متطورة في النهاية الى ايران، كي تذكر قادتها بأن الشراكة معها لها فوائد، لا يمكن ان توفرها اوروبا او الولايات المتحدة.

ومن اجل جني الثمار وتجنب مخاطر هذه التطورات، سيكون على واشنطن اعتماد متناول يتسم بالشمولية ازاء روسيا. فالسياسات الاميركية في سوريا وايران واوكرانيا مرتبطة، ولا يمكن فصلها، وتصرفات الولايات المتحدة في احد هذه المضامير سيؤثر على تصرفات روسيا في مضمار آخر. وتحتاج الولايات المتحدة واوروبا استراتيجية تسمح لهما بالتعاون مع روسيا في سوريا، وفي اجزاء اخرى من الشرق الاوسط، من دون التخلي عن اهداف رئيسة في اوكرانيا، وفي منطقة الاتحاد السوفيتي سابقًا. ويجب ايضا ان تستغل واشنطن تعاونها المتجدد مع موسكو لمنعها من تسليم ايران اسلحة متطورة.

&