تقول مؤشرات عديدة إنّ الخلافات بين الدول الأوروبية حيال أزمة اللاجئين، ستطيح باتفاقية شنغن، في وقت تطرح فيه المستشارة الألمانية خطة بديلة تقضي بإقامة منطقة "شنغن مصغرة" أو "ميني شنغن" رغم المصاعب التي تنتظر هذه الفكرة.


عبدالإله مجيد من لندن: اجتمعت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل في بروكسل مؤخرا مع عدد من قادة الدول الاوروبية لبحث ازمة اللاجئين بحضور رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر قبل القمة الاوروبية المقررة في منتصف كانون الأول/ديسمبر.

وتراهن ميركل على تحالف هش مع تركيا وعدد من بلدان وسط اوروبا لوقف تدفق اللاجئين من الشرق الأوسط. وتأمل بابرام اتفاق معقد توصلت اليه مع رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو قبل القمة الاوروبية السابقة.

إتفاق مع تركيا

يدعو الاتفاق اوروبا الى منح تركيا مليارات اليوروهات مقابل منع اللاجئين السوريين من الرحيل باتجاه اوروبا.

كما تقتضي خطة ميركل ان تقبل دول الاتحاد الاوروبي عددا من اللاجئين السوريين يبلغ على الأرجح مئات الآلاف.

واشار بيتر التماير مدير مكتب ميركل خلال مقابلة مع مجلة شبيغل الى الخطة بوصفها "تحالف الراغبين".

ورفضت دول اوروبا الشرقية حتى الآن مقترحات ميركل التي قد تكون آخر فرصة امام القارة الاوروبية للحفاظ على حرية السفر بلا حدود في اطار ما يُسمى "اتفاق شنغن".

شنغن مصغرة

لم يعد اتفاق شنغن ساريا بعد سفر مئات آلاف اللاجئين بحرية من اليونان عبر البلقان الى وسط اوروبا. لذا يعمل خبراء اوروبيون مختصون بالأمن الداخلي على خطة ما كان ليمكن تخيلها حتى عهد قريب وهي إلغاء نظام شنغن والاستعاضة منه بمنطقة أصغر تكون الحدود مفتوحة بين دولها. ولن تضم مثل هذه المنطقة اليونان التي لم تتمكن من ضبط حدودها أو بلدان اوروبا الشرقية التي ترفض قبول لاجئين.

الستار الحديدي

وستكون مثل هذه المنطقة بمثابة الضربة القاضية لما يُسمى "الثقافة المرحّبة" التي كثيرا ما تتحدث عنها ميركل.

وستكون هناك حدود جديدة بين دول الاتحاد الاوروبي تكاد تكون مطابقة لحدود "الستار الحديدي" التي كانت قائمة في فترة الحرب الباردة.

ويُرجح ان تنال مثل هذه الخطوة التي تشكل ضربة قاصمة للوحدة الاوروبية قبول ميركل في غياب أي طريقة اخرى لإنقاذ حكومتها.

الملاذ الأخير

وأقرت ميركل خلال اجتماع مع شركائها في الائتلاف الحاكم بأن غلق الحدود قد يكون الملاذ الأخير لوقف تدفق اللاجئين.

وبلغ انزعاج ميركل من نظرائها في اوروبا الشرقية حدا اصبحت معه منفتحة على امكانية العودة الى نقاط التفتيش الحدودية.

قالت في البرلمان الالماني ان ايجاد نظام لتوزيع اللاجئين توزيعا عادلا مسألة تتعلق بامكانية الحفاظ على منطقة شنغن أو الغائها. وفُهمت كلماتها في بودابست ووارسو على انها تهديد، كما افادت مجلة شبيغل.

البحث عن حل

تأمل المستشارة الالمانية بأن يكون اتفاقها مع تركيا تعاونيا.

وحين يبدأ تدفق اللاجئين بالانحسار تتوقع ميركل ان تقبل دول اوروبا اللاجئين من تركيا مباشرة.

وقال مفوض توسيع عضوية الاتحاد الاوروبي جوهانز هان الذي صاغ الاتفاق مع تركيا انه لن يُنفذ إلا إذ بذلت انقرة جهودا كبيرة لمكافحة الهجرة غير القانونية وشبكات تهريب اللاجئين وانخفض عدد المهاجرين غير القانونيين انخفاضا حادا.

وسيقدم خبراء من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مساعدتهم لاوروبا في تحديد اللاجئين الأحوج الى المساعدة.

وستكون احتمالات قبول طلبات اللجوء في اوروبا أكبر للذين يحتاجون الى عناية طبية والذين يعانون صدمات نفسية سببها الحرب بحيث لن يضطروا الى وضع حياتهم ومصيرهم بيد المهربين.

وإذا نجحت الخطة في تركيا يمكن توسيعها لتشمل الاردن ولبنان، كما قال مفوض توسيع عضوية الاتحاد الاوروبي يوهانز هان.

ونقلت مجلة شبيغل عن هان "ان وضع اللاجئين في هذين البلدين ربما كان حتى أشد صعوبة".

"تحالف القليل من الراغبين"

المشكلة في هذا الحل ان عدد "الراغبين" في تحالف الدول المستعدة لقبول حصة من اللاجئين أقل مما تعول عليه المستشارة الالمانية.& فالعديد من القادة الاوروبيين لا يستطيعون قبول المزيد من اللاجئين بسبب المعارضة الداخلية من اليمين المعادي للمهاجرين.

وعلى سبيل المثال فان رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي أوضح خلال اجتماع في بروكسل مؤخرا انه لا يريد اقامة نظام حصص لعدد اللاجئين الذين تقبلهم بلاده.

&وتعمل السويد التي تستوعب أكبر عدد من اللاجئين بين الدول الاوروبية على اعادة إسكان ما لديها منهم في مناطق مختلفة من البلاد وليس فتح الباب لاستقبال المزيد.
&
كما يضغط رئيس مجلس الاتحاد الاوروبي دونالد توسك على ميركل لتغيير سياستها.
&
وقال توسك ان من السذاجة الاعتقاد بأن حماية حدود اوروبا الخارجية مهمة يمكن ان يُناط تنفيذها بتركيا.
&
اما اليونان التي تبدأ منها مشكلة اللاجئين في اوروبا فانها لا تملك الموارد المادية أو القدرات التقنية لوقف تدفق اللاجئين.

وعلى سبيل المثال فان المسؤولين في مركز استقبال اللاجئين الأول في جزيرة ليسبوس لا يستطيعون استخدام الانترنت بصورة موثوقة.

لذا سيكون من الصعب على المستشارة الالمانية ان تبين بصورة مقنعة كيف يمكن تنفيذ خطتها في وقت لم ينجح الاتحاد الاوروبي حتى في إعادة توزيع 160 الف لاجئ موجودين حاليا في ايطاليا واليونان.& وجرى حتى الآن توطين نحو 200 لاجئ فقط.

الخطة باء

يرى مراقبون ان الخطة باء التي اعدتها ميركل في مواجهة هذه التحديات باقامة منطقة "شنغن مصغرة" أو "ميني شنغن" خطة مليئة بالمطبات.

فالبلدان القوية اقتصاديا مثل المانيا ستتضرر إذا نشأت اختناقات أو تأخيرات وانتظارات طويلة على المعابر الحدودية.

ونقلت مجلة شبيغل عن الخبير في السياسة الخارجية ايلمار بروك من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة ميركل "ان تسيير دوريات حدودية سيكون باهظ الكلفة وان قطاع الأعمال والأشخاص الاعتياديين على السواء سيحنون الى نظام شنغن القديم".

كما ان العودة الى النظام السابق في ضبط الحدود ستكون مكلفة.

وقال مسؤولون في الشرطة الالمانية انهم قادرون تماما على غلق الحدود ولكن آثار مثل هذه الخطوة ستكون خطيرة، كما خلصت لجنة من ممثلي الأجهزة الأمنية والاستخباراتية مؤخرا.

ودرست اللجنة سيناريوهات لما يمكن ان يحدث إذا اغلقت صربيا أو مقدونيا مثلا حدودها.

ويعتقد خبراء ان اللاجئين سيحولون وجهتهم الى بلدان أخرى مثل البانيا أو كرواتيا أو حتى يأخذون طريقا أطول عبر الأراضي البلغارية والرومانية.

وهم يحذرون من انه إذا اغلقت المانيا حدودها فان هذا سيؤدي الى تدفق اللاجئين على النمسا وغرب البلقان.& ويخشى مسؤولون في الحكومة الالمانية ان يثير هذا توترا في البلدان ذات العلاقة وحتى امكانية اندلاع اشتباكات مسلحة.

ويناقش الخبراء هذا الاحتمال تحت عنوان قصير لكنه بليغ هو "اقتحام الحدود".