يعاني أطفال سوريون يولدون في لبنان اللاجئين إليه مما يسمى "كتمان القيد"، إذ إن ذويهم لا يتمكنون من تسجيلهم بسبب معوقات كثيرة منها الخوف من قصد السفارة السورية خصوصًا من قبل المعارضين منهم، وللغاية تدعمهم المفوضية العليا للاجئين عبر حملة عنوانها "حمايته تبدأ بهويته"، خاصة أن 42 ألف طفل سوري ولدوا في لبنان وحتى الساعة هم بلا وثيقة.
إيلاف - متابعة: يختلط فرح الأمومة لدى ياسمين خلف الهاربة مع عائلتها من أعمال العنف في سوريا إلى لبنان، بقلق بالغ، وهي تنظر إلى إسراء، طفلتها المولودة حديثًا، والتي ستخوض من أجلها معركة غير مضمونة النتائج لتأمين أوراق ثبوتية.
في أحد مستشفيات طرابلس في شمال لبنان، تستلقي ياسمين إلى جانب الطفلة الملتحفة ببطانية زهرية اللون. وإسراء واحدة من عشرات آلاف الأطفال الذين يولدون في لبنان ويتهددهم خطر عدم الحصول على أي جنسية، بسبب صعوبة تسجيل الولادات بالنسبة إلى السوريين الممزقين بين بلاد في حالة حرب وبلد لجوء يفرض قيودًا مشددة على تواجدهم على أرضه.
70 % بلا جنسية
وتشير أرقام المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أن 70 بالمئة من الأطفال اللاجئين الذين ولدوا في لبنان منذ بداية النزاع السوري قبل نحو أربعة أعوام، وعددهم نحو 42 ألف طفل، لا يملكون وثيقة ولادة.
وتقول مسؤولة في منظمة غير حكومية تعمل مع اللاجئين في طرابلس لوكالة فرانس برس رافضة الكشف عن اسمها "فعليًا، هؤلاء الأطفال لا وجود لهم". تضيف "من دون أوراق ثبوتية، لا يملكون الحق في دخول المستشفى، أو الحصول على تعليم. لا يملكون أي حقوق".
السفارة عائقًا
في المبدأ، يمكن للسوريين اللاجئين إلى لبنان أن يسجلوا أولادهم المولودين حديثًا في سفارتهم في بيروت، إلا أن العديد منهم يخشى التقدم إلى السفارة، إما لأنهم يتحدرون من مناطق محسوبة على المعارضة السورية، وإما لأنهم يخشون سوقهم إلى الخدمة العسكرية أو توقيفهم لتورطهم في أعمال عنف أو ما شابه. ويكمن الخيار البديل في تسجيل الأطفال لدى السلطات اللبنانية، إلا أن الآلية معقدة جدًا.
وتقول آنا بولارد من المفوضية العليا للاجئين، التي تعمل على ملف مكتومي القيد، "هناك عراقيل في كل مراحل العملية". يفترض بالوالدين أولًا أن يستحصلا على وثيقة ولادة من الطبيب، الذي ساعد على ولادة الطفل، ثم عليهما أن يمرا في عدد لا يحصى من الخطوات البيروقراطية.
وثائق مفقودة
ويفترض بهما أن يملكا وثائق تثبت هويتهما وزواجهما وأنهما يملكان إقامة قانونية، وكل من هذه الأمور المطلوبة قد تكون أمرًا شديد الصعوبة، إذ إن العديد من السوريين غادروا بلادهم من دون أن يحملوا معهم شهادات زواجهم، وغيرهم وصل إلى لبنان بطريقة غير قانونية، عبر معابر غير شرعية، أو يقيمون بشكل غير قانوني. كما إن العديد من السوريين الذين فرّوا من بلادهم منذ وقت طويل نسبيًا في ظل نزاع مدمر مستمر منذ أربع سنوات، التقوا في لبنان وتزوّجوا.
وتقول بولارد إن "تسجيل زواج في لبنان أكثر صعوبة من تسجيل ولادة، وبالتالي، لا يقدم كثيرون على تسجيل زواجهم، وبالتالي لا يمكنهم في وقت لاحق تسجيل أطفالهم". وفي حال تخلّف الأهل عن الحصول على وثيقة ولادة لدى حصول الولادة، فإن الاستحصال على هذه الوثيقة في وقت لاحق يجب أن يتم في المحكمة، وهو أمر يكلف مالًا كثيرًا ويستغرق وقتًا طويلًا.
وأدرك جمال الحلبي (32 عامًا) تمامًا كل هذه الصعوبات لدى ولادة طفله أيهم في العام الماضي في لبنان. فقام بما يشبه السباق مع الوقت للحصول على وثيقة ولادة. كان جمال فر من اللاذقية في غرب سوريا في 2013 لتجنب التجنيد العسكري، واصطحب معه زوجته وابنه أحمد، البالغ آنذاك ثلاثة أشهر. عندما ولد ابنه الثاني في 2014، لم يكن في إمكانه التوجه إلى السفارة السورية. ولم ينجح في تسجيل ابنه إلا بعد ثمانية أشهر طويلة من السعي، حتى حصل على تجديد إقامته المنتهية الصلاحية.
حملة المفوضية
يقول جمال، الذي يقيم مع عائلته الصغيرة متنقلًا بين منازل أقرباء ومعارف في طرابلس، "أردت أن أفعل هذا بأي طريقة. فهو يحتاج هوية. إنه ابني، وكان يجب أن أثبت أنّه مني، وأن أتأكد أنه سيتمكن لاحقًا من ارتياد الحضانة ثم المدرسة".
وتلقى الحلبي مساعدة من منظمات غير حكومية وجمعيات من أجل إنهاء المعاملات الإدارية الخاصة بتسجيل ابنه. وتقوم المفوضية العليا للاجئين بحملة من أجل تشجيع السوريين على تسجيل أولادهم في لبنان. وعنوانها "حمايته تبدأ بهويته". ويقر المسؤولون بأن العديد من السوريين المسجلين، الذين يتجاوز عددهم 1.1 مليونًا في لبنان، ويعيشون في ظروف قاسية، ويناضلون من أجل الحصول على لقمة العيش، لا يدرجون تسجيل أطفالهم ضمن أولوياتهم.
إشكالية العودة
ويفضل البعض دفع مبالغ مالية لأشخاص معينين على الحدود السورية من أجل تسجيل أطفالهم في سوريا، بحسب المسؤولة في المنظمة غير الحكومية. تضيف "هذه مشكلة كبيرة، إنه تزوير، لكون الطفل لم يولد في سوريا. وعندما سيأتي يوم يعبر فيه الأهل الحدود، ستطرح السلطات اللبنانية سؤالًا حول كيفية وصول طفل مسجل على أنه مولود في سوريا، إلى لبنان".
لا تقل المشكلة تعقيدًا في وضع الأهل الذين يملكون أوراقًا قانونية. إذ يقول يوسف صلاح (30 عامًا) الذي قدم إلى لبنان من محافظة الحسكة (شمال شرق)، إنه بدأ عملية تسجيل ابنته ميلاء مباشرة بعد ولادتها. يضيف "لم أتوقف عن التفكير أننا، عندما نعود إلى سوريا، لن تكون قادرة على عبور الحدود من دون أوراق". وطلب منه الطبيب مبلغ عشرة آلاف ليرة لبنانية (6.60 دولارًا) لتوقيع وثيقة الولادة، لكنه لم يكن يملك حتى هذا المبلغ الصغير. "لم يكن معي مال. كنت وصلت إلى المستشفى سيرًا على الأقدام، لأنني لم أكن أملك ثمن بطاقة لأركب الحافلة".
أشفق الطبيب على صلاح ووقع الورقة، لكن هذا الأخير ليس متأكدًا من أنه سيحصل على أوراق التسجيل بسهولة. فبعد وقت قصير من ولادة ابنته، انتهت مدة إقامته في لبنان. وتفرض السلطات اللبنانية قيودًا مشددة على اللاجئين السوريين للحدّ من عددهم في لبنان، لذلك لم يعد صلاح واثقًا من الحصول على إقامة أو وثيقة الولادة.
&
التعليقات