اسطنبول: شنت القوات التركية السبت سلسلة جديدة من الضربات الجوية والقصف المدفعي مستهدفة جهاديي تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والناشطين في حزب العمال الكردستاني في شمال العراق في حملة متصاعدة تقول انقرة ان هدفها القضاء على الارهاب.

تأتي هذه العملية ضد الحركتين المتواجهتين ميدانيا، بعد اسبوع من اعمال عنف سقط فيها قتلى واتهمت السلطات التركية التنظيمين بالوقوف وراءها. واكدت الحكومة التركية في بيان صادر عن مكتب رئيسها احمد داود اوغلو ان المقاتلات التركية قصفت ليل الجمعة السبت سبعة اهداف لحزب العمال الكردستاني في قواعده الخلفية في شمال العراق.

وندد حزب العمال الكردستاني بالغارات على معاقله في الجبال شمال العراق وقال ان الهدنة الهشة المتفق عليها مع انقرة في 2013 "لم يعد لها اي معنى". وبعد الغارات الليلية، اعلن داود اوغلو ان الطائرات الحربية التركية نفذت هجمات جديدة نهارا على اهداف لكل من تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا وحزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

من جهتها كانت القوات البرية التركية تقصف اهدافا لكل من الجهاديين في سوريا والناشطين الاكراد في شمال العراق. وقال داود اوغلو "لا يشككن احد في تصميمنا (...) لن نسمح بان تتحول تركيا الى دولة خارجة عن القانون". وجاءت هذه الضربات التركية مع دخول انقرة بقوة في الحملة العسكرية لمواجهة "الدولة الاسلامية" بشن اولى غاراتها الجوية على مواقع للتنظيم في سوريا فجر الجمعة، بينما نفذت الشرطة التركية حملة توقيفات "لمكافحة الارهاب" في مختلف انحاء البلاد.

وتشكل الضربات التركية ضد التنظيم منعطفا في سياسة الرئيس رجب طيب اردوغان الذي واجه انتقادات تتهمه باتباع سياسة غض الطرف عن المنظمات المتطرفة التي تقاتل في سوريا والعراق، وابرزها تنظيم الدولة الاسلامية. وردا على الغارات التركية في سوريا دعت ايران السبت الى احترام "السيادة الوطنية" للدول في اطار "تعاون دولي لمكافحة الارهاب".

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الايرانية مرضية افخم ردا على سؤال بشأن الغارات الجوية التركية في سوريا ان "محاربة الارهاب يجب ان تتم ضمن احترام القوانين الدولية والسيادة الوطنية للدول"، مضيفة "ان اي عمل يؤدي الى اضعاف الحكومات الوطنية قد يشجع في الواقع المجموعات الارهابية على تنفيذ اعمالها الاجرامية".

غير ان عملية "مكافحة الارهاب" التركية توسعت لتشمل ضربات على حزب العمال الكردستاني في العراق المجاور، حيث للحزب المحظور معسكرات تدريب ومواقع عدة في دهوك احدى المحافظات الثلاث لاقليم كردستان في شمال العراق. واكد مكتب داود اوغلو قصف مخابئ ومخازن ذخيرة تابعة لحزب العمال الكردستاني في العملية في العراق، وعدد سبعة مواقع تم قصفها منها جبل قنديل حيث مركز القيادة العسكرية للحزب.

وتحدث داود اوغلو في وقت سابق السبت الى مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان في شمال العراق الذي اعرب عن "تضامنه" مع العملية، حسب داود اوغلو. الا ان بارزاني اكد في بيان انه اجرى اتصالا هاتفيا برئيس الوزراء التركي عبر له خلاله عن "استيائه من المستوى الخطير الذي وصلت اليه الاوضاع".

واضاف بارزاني حسب البيان انه "طلب مرارا بأن لا تصل القضايا الى مرحلة التوتر لان السلام هو الطريق الوحيد لمعالجة المشاكل واجراء المباحثات لسنوات افضل من ساعة حرب". كما دان برلمان اقليم كردستان في بيان الغارات التركية قائلا "في الوقت الذي ندين بشدة هذه الهجمات نطالب بوقفها فورا". جاء في البيان ان "مثل هذه الاحداث تخلق نوعا من الاستياء لدى شعب كردستان الذين كان ينتظر ان لا تعود الحكومة التركية الى العمليات العسكرية كونها حاولت دائما حل القضية الكردية بالطرق العسكرية ولكن هذا الاسلوب لن ينجم عنه سوى اراقة الدماء والتدمير والفقر".

وطالبت رئاسة برلمان كردستان "الحكومة التركية اتخاذ الخطوات نحو عملية السلام وتسخير كل الجهود للاستمرار فيها وعدم العودة للوراء". ودعا البرلمان في الوقت ذاته "حزب العمال الكردستاني الى مراجعة نفسه والتاكيد على الاستمرار في عملية السلام لان السلام والتعايش من افضل الحلول للوصول الى مستقبل مزدهر".

وقتل احد مسلحي حزب العمال الكردستاني واصيب ثلاثة اخرون بالقصف الجاري منذ مساء الجمعة حتى ظهر السبت في شمال العراق، حسب المتحدث العسكري باسم الحزب بختيار دوغان. وافاد مصدر طبي في وقت لاحق ان مدنيين اصيبا بينهما ولد في الثانية عشرة من العمر في الغارات نفسها.

وتثير الضربات الجوية تساؤلات حول مستقبل الهدنة الهشة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني الذي يخوض منذ عقود تمردا داميا في جنوب شرق البلاد سعيا لحكم ذاتي. وقتل عشرات الالاف في هذا التمرد. وقالت قوات الدفاع الشعبي، الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني في بيان على موقعها على الانترنت ان تركيا "انهت من جانب واحد" وقف اطلاق النار. واضاف البيان انه "وسط هذا القصف الجوي الكثيف، لم يعد للهدنة اي معنى".

ووصف البيان الغارات الجوية بـ"الاعتداء"، مضيفا "وامام هذه الاعتداءات يحق لنا الدفاع عن انفسنا". وكانت الحكومة التركية قد اكدت انها لن تتهاون مع المتمردين الاكراد، خصوصا بعد تبني حزب العمال الاربعاء قتل شرطيين تركيين عثر على جثتيهما قرب الحدود السورية. واثر هجوم انتحاري دموي وقع الاثنين في مدينة سوروتش التركية، واستهدف ناشطين يساريين مؤيدين للقضية الكردية اتهم المسؤولون الاتراك تنظيم الدولة الاسلامية، بالوقوف خلف التفجير الذي اوقع 32 قتيلا.

وشنت قوات الامن التركية السبت حملة مداهمات جديدة لاعتقال عناصر من تنظيم الدولة الاسلامية وحزب العمال الكردستاني في اسطنبول ومدن اخرى، اضافة الى مئات المعتقلين الجمعة. وتم اعتقال ما مجموعه 590 شخصا في انحاء تركيا لارتباطهم بمجموعات ارهابية او لاحتمال انهم يمثلون تهديدا للدولة، بحسب داود اوغلو.

واستهدفت الاعتقالات اضافة الى تنظيم الدولة الاسلامية وحزب العمال الكردستاني، عناصر مفترضين من حركة الشبيبة الثورية الوطنية التابعة لحزب العمال الكردستاني، وجبهة التحرر الشعبي الثوري الماركسية. ووسط اجواء التوتر المتصاعد في انحاء تركيا، شهد حي غازي المعارض للحكومة في اسطنبول صدامات بين قوات الامن ومتظاهرين وذلك في ختام مسيرة تشييع جثمان الناشطة غوناي اوزارسلان التي قتلت خلال اشتباكات مع الشرطة الجمعة خلال مداهمة لنشطاء يساريين، بحسب ما افادت وكالة دوغان للانباء التركية.

وفي انقرة استخدمت الشرطة خراطيم المياه لتفريق حوالى 300 متظاهر خرجوا للتنديد باعمال العنف التي يقوم بها تنظيم الدولة الاسلامية، كما افاد مراسل وكالة فرانس برس.
وحظرت السلطات في اسطنبول "مسيرة السلام" ضد تنظيم الدولة الاسلامية التي كانت مقررة بعد ظهر الاحد للحؤول دون حصول "استفزازات" وبسبب "حركة السير الكثيفة". وقال منظمو المسيرة المناصرون للاكراد انهم وفي مبادرة تهدئة قرروا الغاء الفعالية.

وتركيا متهمة بالتساهل وحتى تشجيع انشطة تنظيم الدولة الاسلامية. الامر الذي لطالما نفته انقرة بشكل قاطع. وهذا الاسبوع سمحت انقرة للقوات الاميركية باستخدام قاعدة انجرليك لشن غارات على تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق، بحسب مسؤولين اميركيين واتراك. وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو انه تم التوصل لاتفاق اطار مع الولايات المتحدة يتضمن ايضا اقامة "مناطق آمنة" خالية من الجهاديين داخل سوريا. وقال ان مثل تلك المناطق ستمنح اللاجئين السوريين، البالغ عددهم في تركيا 1,8 مليون، الفرصة "للعودة الى ديارهم".
&