يتحدث عمدة لندن في مقابلة صحافية عن سيرة حياة ونستون تشرتشل، التي نشرها أخيرًا، ويعدد سلبيات وإيجابيات خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، كما يؤكد ثقته بأن اليونان ستخرج في نهاية المطاف من منطقة اليورو.

عبدالاله مجيد: يعتبر عمدة لندن بوريس جونسون من أكثر السياسيين شعبية في بريطانيا. ورغم السمعة التي اكتسبها بكونه سياسيًا قريبًا من نبض الشارع فإنه في الحقيقة ينتمي إلى النخبة الأرستقراطية البريطانية بدراسته في مدرسة أيتون ثم في جامعة أوكسفورد.

واشتهر جونسون برده حين سُئل عمّا إذا كان سيصبح رئيس وزراء بريطانيا ذات يوم قائلًا إن احتمال حدوث ذلك بقدر احتمال عودته إلى الدنيا بعد مماته في شكل زيتونة.
&
وفي مقابلة مطولة مع مجلة شبيغل، يتناول عمدة لندن سيرة حياة ونستون تشرتشل، التي نشرها أخيرًا، كما يتطرق الى عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي معددا السلبيات والايجابيات التي تترتب على خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي. كما يؤكد جونسون ثقته بأن اليونان ستخرج في نهاية المطاف من منطقة اليورو.

مصمم أزياء... ودبابات

يقول جونسون إن الهدف من كتابته سيرة حياة تشرتشل هو أن يبيّن مدى اختلافه عن القادة السياسيين الحاليين بطاقته الروحية واهتماماته وخصوبة عقله وتعدد مواهبه. ويشير جونسون إلى أن تشرتشل، الذي قاد بريطانيا إلى الانتصار على ألمانيا النازية "كان رسامًا، يصمم ملابسه بنفسه، ويخترع أشياء صغيرة مضحكة للحفاظ على تماسك سيجاره الشهير، وأسهم بقسطه حتى في اختراع الدبابة في الحرب العالمية الأولى".

عن دور تشرتشل في هزيمة ألمانيا النازية، يقول جونسون إن البشرية كانت ستقع في فترة مظلمة جديدة لولا تشرتشل، ولا شك في أن قراره بمواصلة القتال في عام 1940 حين كان هتلر سيد أوروبا أمهل الحلفاء وقتًا لبناء قواهم والانتصار في النهاية.

وبحسب عمدة لندن، فإن تشرتشل لو عقد صفقة مع هتلر، كما كان كثيرون في مراكز صنع القرار البريطاني يحثونه، لأسفر ذلك عن كارثة. إذ كان ذلك سيتيح له غزو روسيا في وقت أبكر، ولربما امتنعت أميركا عن دخول الحرب ضد ألمانيا النازية، بحسب جونسون.

رومانسية إمبريالية

ويروي جونسون إن تشرتشل كاد يلتقي هتلر في عام 1932، ولكنه "رأى تنظيم شبيبة هتلر، وعرف ما يجري. وفي النهاية لم يعقد تشرتشل صفقة، لأنها كانت ستمثل إذلالًا تامًا للإمبراطورية البريطانية". وتابع جونسون واصفًا تشرتشل بأنه "كان رومانسيًا وإمبرياليًا يعتقد بأن لبريطانيا خصوصية، وأن الإمبراطورية تعني التقدم، في حين أن هتلر والنازيين كانوا مخيفين حقًا، وليس فيهم ما يجذب".

وعلق عمدة لندن على صورة التُقطت عام 1940 وظهر فيها تشرتشل بسيجاره وقبعته ويحمل بيدية رشاشة، لكنه كان بملابس مدنية، قائلًا إن الصورة تبيّن أن تشرتشل رجل يعرف كيف يستخدم السلاح، ولا يخشى المسؤولية الشخصية عن الأحداث. ولاحظ جونسون أن تشرتشل أصرّ على ارتداء قبعته، رغم أن موضتها أصبحت عتيقة، وأنه كان يتحلى بروح الفكاهة في أحلك الأوقات، مجسدًا الروح البريطانية في الاحتفاظ بهدوء الأعصاب في المحن، بحسب تعبيره.

أكره داعش

وعن الصورة المماثلة التي التُقطت لعمدة لندن، وهو يحمل بندقية كلاشكنوف، قال جونسون إنه فعل ذلك تعبيرًا عن التضامن مع قوات البيشمركة الكردية في مطلع العام. أضاف "إن جميع الخبراء يقولون إني أمسك السلاح بطريقة خاطئة تمامًا، وليست فيه طلقات. وأنا لستُ نادمًا على الصورة، لأني أكره تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"". وأشاد جونسون بالقوات الكردية قائلًا إن مقاومتها كانت عنيدة في ذلك الجزء من شمال العراق.

وكان تشرتشل يبدو في الصورة الأصلية رجلًا مستعدًا للقتال من أجل طريقة الحياة البريطانية وحرية التعبير. وفي هذا الشأن قال جونسون "إن تشرتشل يجسد القيم التي كان مستعدًا للدفاع عنها مع إحساس معيّن بالحريات الشخصية زائد حرية تناول الكحول". وأضاف عمدة لندن قائلًا "لا تنسوا أن هتلر كان لا يقرب الخمرة، وهذه واحدة من رذائله الكثيرة، بينما كان تشرتشل يحتسي كميات هائلة من الكحول، كميات يمكن أن تُسقط ثورًا، وبعد الساعة العاشرة ليلًا كان يبدأ بالكتابة".

تحول نوعي

فاز تشرتشل في النهاية بجائزة نوبل للآداب، وليس للسلام، كما كان يريد. وعن سبب إصراره على كتابة كل ما يفعله وتسجيله، قال جونسون إن تشرتشل بدأ الكتابة في سن مبكرة جدًا. وكان على والده راندولف أن يمتهن الكتابة مصدرًا للرزق، ويصح الشيء نفسه على تشرتشل.

وتابع جونسون إن تشرتشل "كان يقول لزوجته كليمنتاين إنه لا يستطيع أن يشتري شرائح اللحم المشوي لوجبة يوم الأحد، إلا إذا باع مقالة لصحيفة ميل أون صندي. وفي النهاية كتب أكثر مما كتبه ديكنز وشكسبير مجتمعين، كتب لترويج أفكاره وحياته السياسية وإنجازاته، ولكنه كان يحب المال أيضًا، وكان ناجحًا في الاحتفاظ بالمال. وبعدما أصبح وزير المالية قرر أن يكفّ عن الكتابة ويصبح سياسيًا".

وأشار جونسون إلى أن ما كان تشرتشل يحققه من ريع كتبه لم يعد دخلًا، وبالتالي لم يكن يدفع عنه ضريبة بوصفه وزير المالية. وأضاف "إنه كان رجلًا ذكيًا جدًا". وعن القوة الدافعة وراء طموح تشرتشل للقيام بدور استثنائي في التاريخ، تحدث جونسون عن عائلة تشرتشل، وخاصة والدته التي كانت "إلهة جنسية، امرأة استثنائية للغاية، لديها 200 عشيق، كما تقول بعض المصادر. ووالده الذي ينتقده كثيرًا، مع شعور دائم بأنه كان مخيبًا للآمال. وهكذا يعمد تشرتشل إلى تضخيم ذاته".

فخر بالكيميائي

كان لتشرتشل جانب فظ أيضًا. فعندما قالت له السياسية العمالية بيسي برادوك إنه مخمور، رد عليها بتعليقه المشهور: "قد أكون مخمورًا، ولكني في الصباح سأكون صاحيًا. أما أنتِ فستبقين قبيحة". لكن عمدة لندن يرى أن ذلك على ما فيه من حدة كان نكتة. ولا يمكن قول ذلك اليوم "ولكن أشياء كثيرة لم يعد بالإمكان قولها اليوم"، كما يلاحظ جونسون.

من الجوانب البشعة الأخرى في شخصية تشرتشل استخدامه السلاح الكيميائي من دون أن يبدي ندمه على ذلك لاحقًا، ونظرته باحتقار إلى زعيم حركة الاستقلال في الهند المهاتما غاندي، وقصف ألمانيا حين كانت على وشك الاستسلام بهدف إرهابها.

وعما إذا كانت هذه كلها بقع سوداء في حياة تشرتشل السياسة تلطخ صورته كبطل، يقول جونسون "إنه حقًا تحدث عن الأسلحة الكيميائية بعبارة لا تصدق، قال فيها "لماذا نحن قلقون بشأن قليل من العطاس؟"، وإن أفكاره عن الهند غير مقبولة بالمرة اليوم. لكنه ولد عام 1874، وكان نتاج الامبراطورية الفكتورية وفي قمة العظمة البريطانية، حين كان حجم الامبراطورية يزيد سبع مرات على امبراطورية روما في اوجها". ويضيف "ان اهل تلك الحقبة كانوا قساة".

عقدة الجنس

يقال ان الشيء الوحيد الذي كان يخافه تشرتشل هو الجنس. ويروي جونسون في حديثه لمجلة شبيغل إن الحسناء ديزي فيلوز دعت تشرتشل ذات يوم إلى شقتها في باريس لرؤية طفلها الصغير. لكن حين دخل تشرتشل الشقة، لم يجد أثرًا لطفل، بل رأى ديزي تستلقي على كنبة، وهي عارية تمامًا، ويُزعم أن تشرتشل قدم أعذارًا مختلقة، وغادر المكان.

لكن عمدة لندن يرى أن تشرتشل كان على الأرجح مثل سائر الرجال، يحب النساء، وكانت لديه صديقات عدة قبل زوجته كليمنتاين. يضيف جونسون إنه لا يستطيع أن يقول على وجه التأكيد إن اقترنت علاقات تشرتشل العاطفية بممارسة الجنس، ولكن هذا قد يكون من سمات تلك الفترة حين كان الحذر واجبًا.

كان تشرتشل مع الوحدة الأوروبية، ودعا الى اقامة الولايات المتحدة الاوروبية، وينقل عنه جونسون في سيرة حياة القائد البريطاني انه كان يرى ان يسهم كل بلد بقسطه في المجموعة الاوروبية. لكن بوريس نفسه كان معاديًا للوحدة النقدية الاوروبية حين عمل مراسلا لصحيفة الديلي تلغراف في بروكسل خلال الفترة من 1989 الى 2004.

وحدة أوروبا

وعن اسباب موقفه هذا يوضح جونسون ان بريطانيا لا يمكن ان تنسحب من الاتحاد الاوروبي "فنحن جزء من القارة الاوروبية"، واصفاً بحر المانش بأنه كان نهرا، ثم اتسع وازداد عرضه، "وان التايمس والسين رافدان لهذا النهر الكبير".

يضيف "نحن سنكون دائما جزء من اوروبا نفسياً، ولكن المشكلة ان اليورو ومنطقة اليورو استهلكا الكثير من الطاقة العاطفية والفكرية للأشخاص الذين يديرون المجموعة. وهذا أمر مؤسف حقاً. فان اوروبا يجب ان تكون أكبر من ذلك بكثير، واعتقد بأننا يجب ان نركز على اشياء اخرى لمصلحة سكاننا. فأنا من المؤمنين بالسوق الحرة للخدمات وغيرها من الأشياء الأخرى".

ويتحدث عمدة لندن عما سيحدث في رأيه إذا صوّت البريطانيون مع الخروج من الاتحاد الاوروبي في الاستفتاء المقرر اجراؤه عام 2017 قائلا “إن وزارة الخارجية البريطانية ووزارة الخارجية الالمانية وجميع الأطراف ذات العلاقة ستجتمع وتتوصل الى سلسلة من الاتفاقات الثنائية وعملياً تعيد بناء العلاقة. وان الكثير من ذلك سيُعاد بناؤه على المستوى الحكومي. ولن ترحل الممثلية البريطانية في بروكسل، بل سيبقى الأشخاص أنفسهم هناك".

يعترف جونسون بوجود عواقب تترتب على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي منها، "اولا، ان بريطانيا لن تتمكن من الدفاع عما تؤمن به في اطار مؤسسات الاتحاد، وثانيا، انها ستواجه بعض العقوبات". يضيف "ان هناك العامل الاسكتلندي ايضا"، متسائلا "ماذا سيحدث في اسكتلندا إذا انسحبنا؟".

إيجابيات خروج بريطانيا

لكن عمدة لندن لا ينسى الاشارة إلى الايجابيات الكثيرة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قائلا "ان ذلك سيكون لمصلحة الديمقراطية البريطانية، لأنه لم يعد بالامكان إلقاء اللوم على بروكسل في كل شيء وسيكون السياسيون البريطانيون أكثر عرضة للمحاسبة، ونستطيع ان نخفف عبء الضوابط، ويكون بمقدورنا ان نعقد صفقات مع اندونيسيا أو الولايات المتحدة من دون حاجة الى القلق على شركائنا الآخرين في الاتحاد الاوروبي. وسنوفر كثيرا من المال بالتوقف عن دفع مساهماتنا في الاتحاد الاوروبي".

ويتوقع جونسون ان يحدث تصويت البريطانيين لمصلحة الانسحاب من الاتحاد الاوروبي صدمة في بروكسل تدفع الاتحاد الى اصلاح اوضاعه. يضيف ان الانسحاب ليس الخيار الوحيد، ولكنه "لن يكون نهاية العالم". فان تداعيات الانسحاب ليس كبيرة، كما كانت عام 1975 حين انضمت بريطانيا الى النادي الاوروبي.

ويقول جونسون "ان الحجم النسبي لسوق الاتحاد الاوروبي ينكمش، وهي ليست حاسمة لمستقبلنا، كما كانت قبل 40 عاما، والحل الأمثل بنظري هو ان نبقى في الاتحاد الاوروبي ونحاول تحسينه. فنحن لا نحتاج الاتحاد الاوروبي لتحديد ساعات عملنا، ولا نحتاج كل هذه الضوابط على الصحة والسلامة". ويدعو جونسون الى تركيز الاتحاد الاوروبي على الاعتراف المتبادل بسيادة الدول، وليس على التناغم بينها. ويأمل في حديثه لمجلة شبيغل “بأن يأخذنا اصدقاؤنا الالمان مأخذ الجد خلال عملية الاصلاح هذه".

نهاية دعم اليونان

ينتقد جونسون الخطة التي اعدها وزير المالية الالماني فولفغانغ شويبله، قائلا انها ليست وثيقة لبقة. ولكنه يستدرك قائلا انها تتيح "التبصر في افكار رجل لديه رؤية واضحة عن الطريقة التي يجب ان تعمل بها اوروبا. وهو مصيب فكريًا، لأنه يقول انه من الضروري ان تخفضوا ميزانياتكم، وتسلِّموا اقساماً كبيرة من اقتصادكم الى مؤسسة تسيطر عليها المانيا في بروكسل".

ويعتبر جونسون ان وزير المالية الالماني كان يريد ان يقول لليونانيين "إذا كنتم تريديون للدعم المالي ان يستمر، فان الذي يدفع للعازف هو الذي يحدد النغمة التي يريده ان يعزفها”، مؤكدا "ان على اليونانيين ان يخرجوا من اليورو. وهم سيخرجون في نهاية المطاف". ويرفض عمدة لندن الغاء ديون اليونان، قائلا ان ذلك سيكون سابقة تتذرع بها دول اوروبية أخرى واجهت أزمة. ويقول "انها واحدة من المشاكل التي لا حل حقيقياً لها. وهو أمر محزن".

وعما إذا كان جونسون يعتزم الترشح لقيادة حزب المحافظين بعد تنحي رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، الذي اعلن انه لن يستمر ولاية ثالثة، يقول عمدة لندن انه "لن يكون هناك فراغ حتى اواخر عام 2018 إن لم يكن أبعد من ذلك. وحينذاك سيظهر جيل جديد من المحافظين بأسنان جديدة كأسنان التنين. وهكذا ستكون الشعلة قد انتقلت. لكن تشرتشل كان في الخامسة والستين عندما أصبح رئيس وزراء".

بوريس جونسون في الحادية والخمسين، وأخيرًا اشترى ثلاثة مدافع ماء لتفريق المتظاهرين من المانيا مقابل 250 الف جنيه استرليني، ولكن وزيرة الداخلية تيريزا ماي منعته من استخدامها في بريطانيا.
ينفى جونسون ان تكون هذه اسوأ صفقة عقدها، لا بل يصفها بانها "صفقة رائعة"، ويؤكد ان هذه المدافع "صالحة للاستعمال تماماً، وإذا حدثت اعمال شغب سوف نستخدمها".