أثار بيان عضو مجلس النواب العراقي مهدي الحافظ الذي دعا فيه الى تشكيل حكومة طوارئ انقلابية لغطاً كبيراً في الشارع العراقي بين مؤيد له ورافض.

عبد الجبار العتابي من بغداد: تباينت ردود الافعال في الشارع العراقي والنخب العراقية حول البيان الذي أصدره النائب الدكتور مهدي الحافظ، رئيس مجلس النواب في دورته الحالية. فقد عده البعض خطيرا كونه سيثير الفوضى في البلاد ويؤدي الى انقلابات أو يعيد البلد الى المربع الاول، بينما رآه البعض حلاً معقولاً لما يحدث في البلد من أجل القضاء على المحاصصة والفساد خاصة أن المرجعية الدينية تقف خلف رئيس الوزراء العبادي والشعب العراقي فوضه مسؤولية إجراء الاصلاحات وأعلن مساندته له.

بيان الحافظ

وكان النائب مهدي الحافظ أصدر بياناً مؤخراً جاء فيه:

تجتاز البلاد ازمة حكم خطيرة ويستمر الاحتلال الغاشم لأكثر من نصف مساحة العراق، كما تشتد محنة النازحين البائسين الذين بلغ عددهم اكثر من ثلاثة ملايين انسان.

إن ذلك كله، يترافق مع احتدام الضائقة المالية ، وازدياد الصعوبات المعيشية وتعمق الاختلال الاقتصادي وانتشار الفساد وتدهور الخدمات على نطاق واسع ، فضلا عن توسع التدخلات الاجنبية.

هذا كله يفرض التوقف جديا لإيجاد حل معقول للازمة الراهنة ، اذ يفرض الواجب الوطني ان يتولى السيد رئيس الوزراء اعلان حالة الطوارئ في البلاد وتشكيل حكومة طوارئ من المختصين والمهنيين على اساس الولاء للوطن وبعيدا عن اي التزام طائفي او اثني والابتعاد كليا عن المحاصصة بجميع انواعها .. وتتولى هذه الحكومة التدابير الاتية:&

1- تجميد الدستور، الذي تعرض الى انتقادات كثيرة ، والإعداد لوثيقة دستورية جديدة ، بالاعتماد على فريق من الخبراء القانونيين والسياسيين خلال سنة واحدة.

2- تعطيل مجلس النواب ، والتحضير لانتخابات نيابية خلال ثلاث سنوات ، فالمجلس الحالي لا يستطيع ان يقدم شيئا مهما بسبب خضوعه لتوافق المكونات ، والهيمنة الطائفية والاثنية.

3- مواصلة الاصلاحات المعلنة وتوسيعها في جميع المجالات والحرص على مكافحة الفساد وهدر المال العام وتوفير الخدمات للسكان.

4- مواصلة العمل على تحرير البلاد من داعش والنشاطات الارهابية وإشاعة الامن والاستقرار في الوطن ، والسعي لحل معضلة النازحين وتأمين عودتهم الامنة الى ديارهم.

5- حماية المناخ الديمقراطي وتوفير الضمانات لاحترام حقوق الانسان والحريات الفردية وتعزيز التسامح الوطني والتلاحم بين فئات وطوائف الشعب.

فوضى ومزيد من الدمار

الكاتب والشاعر العراقي عبدالزهرة زكي، رأى أن حلّ البرلمان واستئثار فرد بحكومة انتقالية يعني الفوضى ومزيدا من الدمار ، وقال لإيلاف: في هذا البيان يضع الحافظ حلا يراه هو الأنسب للخروج من المحنة. شخصيا أعتقد أن البيان ينطوي على حزمة اجراءات كثيرها مهم وضروري لكن الآلية التي اقترحها الحافظ لتنفيذ كل هذا هي آلية غير واقعية وقد تزيد الأمر تعقيدا وتدفع بالبلد إلى متاهة سوداء وذلك لسبب وهو لا يجوز لرئيس الوزراء حل البرلمان. لكن هذا امر غير مهم إذا انتبهنا إلى أن البيان يدعو العبادي إلى القيام بانقلاب، ولكل من يناصر انقلاب العبادي كما يقترحه بيان مهدي الحافظ اقول إن العبادي لن يستطيع المكوث بالسلطة لأكثر من أسبوع. وستنفتح البلاد على سلسلة انقلابات إن لم يكن سيتعرض لحرب أهلية طاحنة.

وأضاف أن أي شخص آخر غير العبادي ليس بإمكانه ضمان استقرار البلد ولا يحظى بالقبول بانقلابه من قبل الجميع ، ويمكن الافادة من حزمة اجراءات بيان الدكتور الحافظ وإضافة اجراءات أخرى لها لتقوم بها حكومة تكنوقراط برئاسة العبادي (من خارج حزبه وجميع أحزاب البرلمان) وتكون مدعومة من النشاط الشعبي المؤازر ومن المرجعية والبرلمان وتحظى بدعم دولي واقليمي ضاغط على القوى للتعاون وعلى أن تنجز الحكومة اعمالها في مكافحة الفساد وتحقيق مصالحة حقيقية وتأمين مستلزمات تحرير المحافظات من الارهاب خلال عام يعقبه استفتاء على دستور جديد او تعديل هذا الدستور جذريا ثم انتخابات ويقوم البرلمان خلال العام بتشريع القوانين اللازمة لمشروع الاصلاح الجذري.

وختم أن كل تفكير بحل البرلمان واستئثار فرد بحكومة انتقالية يعني الفوضى ومزيدا من الدمار.. وجود البرلمان مهم على أن لا يكون لقواه أي دور بالحكومة وأن يتخفف من عقلية التحاصص.

نزاع الارادات

الاعلامي والكاتب السياسي علي رستم أكد أن الوضع صعب وموقف العبادي عصيب ، وقال لإيلاف إن ما يطرح الآن في الشارع أكثر مما قاله النائب لكن تجميد العمل في الدستور سيجعل الفراغ الدستوري حكومة الطوارئ تتنازعها الإرادات وخاصة أن العبادي الحلقة الضعيفة داخل التحالف الوطني ولا يمكن للرئيس معصوم أن يستجيب ويحل البرلمان لأن الدستور ينص على طلب رئيس الوزراء بحل البرلمان بموافقة الرئيس لكن الموقف الكردي مختلف مع قرارات الإصلاح التي دعا اليها العبادي.

وأضاف رستم أن استمرار التظاهرات والاعتصامات يضغط على الجميع ويدعم العبادي بهذا الاتجاه ، والعراق اليوم أشبه بمرحلة الحصار التي عاشها في تسعينات القرن الماضي كساد وفقر ورفض شعبي لسياسة الحكومة لذلك الحلول صعبة ولكن بيد العبادي تفويض من الشعب وقبله المرجعية ان يضرب بيد من حديد ولا يخاف احدا ولكن العبادي في اقراره حزمة الاصلاحات البسيطة يبدو أنه يشعر بالخوف من المجهول واعتقد ان على العبادي ان يكون جريئا ويتصدى للفساد ولا يخشى احدا فهو الفائز في حالتي النجاح والاخفاق وستكون الكرة في ملعب الاخرين الذين لم يساعدوه على تنفيذ الاصلاحات.

انقلاب ولكن&

من جانبه قال الكاتب منصور الناصر "أعتقد أن هذا البيان سيكون بذرة معقولة لحل عملي جدا وسيكون له شأن كبير ، لكنني أرى أن حل البرلمان أمر صعب جدا فضلا عن أن قيام العبادي بذلك معناه انقلاب غير عسكري صريح يستمد قوته من الضغط الشعبي هذه المرة ودعم المرجعية".

وأضاف "هو انقلاب بالطبع لا يمكن تخمين نتائجه، في ظل وجود قوى مسلحة كثيرة لن تستسلم بسهولة، ولا توجد قوى كافية لمواجهتها مجتمعة".

وختم أن الأفضل الدعوة لانتخابات جديدة والاتفاق على تشكيل حكومة تكنوقراط .

إصلاح جذري&

حيدر السلطان، وهو موظف حكومي، فقد رأى أن البلد يحتاج الى اصلاح جذري. وقال ل"إيلاف" إن الوضع العراقي لا يحتمل التريث او التأجيل او تجزئة الاصلاحات، لذلك كان توجيه المرجعية الدينية واضحا ان الاصلاح لابد ان يطال الجميع، واعتقد ان بيان الدكتور الحافظ .. منطقي وعقلاني وذكي ولابد من النظر اليه بجدية من قبل السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي او مناقشته بهدوء لمعرفة النتائج السلبية ان وجدت.

وأضاف "بصراحة، أرى البلد يحتاج الى إصلاح جذري بل ثورة إصلاحات كبرى، لاننا امام فوضى وفساد كبيرين، الشعب غاضب الان ولا يمكن ان يقتنع بتبديل أشخاص هنا وهناك او حل وزارة او دمجها &او اصدار قوانين صغيرة، الخراب المطلق الذي أسسه الفاسدون يحتاج الى إصلاح مطلق واعتقد ان في بيان الحافظ الكثير من الايجابيات وعلى العبادي النظر فيها ودراستها.

خاب الظن بالعبادي

سعد فاضل، طالب جامعي، قال إن البيان تضمن نقاطا مهمة لكنها لن ترى النور.

وأضاف أن البيان يتماشى مع الوضع العراقي الحالي لكن هناك العديد من المعوقات له &لذلك ارى انه لن ينفذ ولن يرى النور ،لاني اعتقد ان رئيس الوزراء حيدر العبادي يحاول فقط تمرير الازمة وتوزيعها زمنيا معتمدا على اجراءات الميليشيات لضرب المتظاهرين في الخفاء و باصلاحات فوقية لن تؤدي واجبها الحقيقي.

وختم أن الرجل لا يستطيع التخلي عن حزب الدعوة لذلك سيظل اسير توجيهات الحزب لكنني اعتقد ان المرجعية الدينية ستوبخه قريبا لان ظنها فيها خاب.

حل كارثي

كريم شاكر، موظف حكومي، أكد أن ما جاء في بيان الحافظ كارثي، وقال لإيلاف إن الحلول التي تضمنها البيان مدمرة للبلد ولا اعتقد ان الدكتور الحافظ درسها جيدا لانها صعبة وقد تؤدي بالبلد الى كوارث لا تحمد عقباها.

واضاف أن من الصعب في الوضع العراقي الحالي اعلان حالة الطوارئ وتجميد العمل بالدستور...وتشكيل حكومة تكنوقراط الا اذا كانت الامور باشراف الامم المتحدة وهذا كما نعرف قد يحتاج الى قوات دولية لحفظ السلام، انا لا ارى الحلول ناجعة بل انها ستجر البلد الى المجهول لاسيما ان هناك الكثير من السياسيين سيتضررون وسيعملون المستحيل من اجل ضرب اي محاولات حقيقية للاصلاح.

عودة الى المربع الأول

الاستاذ الجامعي اسماعيل السعدي رأى أن بعض فقرات البيان تعيد العراق الى المربع الاول.

وأضاف أن هذه الآراء أو المقترحات جاءت نتيجة مطالب المتظاهرين التي عمت جميع محافظات الوسط والجنوب ومنها بغداد ، رأى الدكتور ان الاصلاح يواجه بقوى لا تريد الاصلاحات الا بما يتفق ومصالح الطبقة الحاكمة وهذا هو اساس المشكلة ، اما ايقاف العمل بالدستور وتعطيل البرلمان سيقود البلاد الى حرب طاحنة لأن جميع القوى السياسية القابضة تمتلك من الميليشيات والسلاح ما تمتلكه الدولة اضافة الى ان العراقيين لم يدركوا حقيقة دور الثقافة في الحوار والتفاوض وانما لا يعرفون سوى لغة قرقعة السلاح وليس لغة الحوار ولا الاعتراف بالخطأ ، الجميع مصر بأنه هو الصحيح.

وبين أن البلاد تخوض حربا مع داعش وهذه الاخيرة تتحين الخلافات والوهن في القوات المسلحة وهي ثغرة تستطيع داعش النفاذ او الاختراق لخطوط الدفاعات العراقية.

ورأى أن طلب الحافظ في مشروعه التحضير لانتخابات نيابية خلال ثلاث سنوات يعتبر فترة طويلة جدا وستعيش البلاد في فراغ امن بل سيعرض العراق الى الاقتتال وايقاف الاصلاحات ولو لم تكن بالقدر المطلوب لكنها افضل من دخول البلد في حروب الخاسر فيها المواطن والنازح وستتعرض البلاد الى موجة من السلب والنهب "حواسم" يعني نحن هدمنا ما بناه واصلحه العراقيون من مؤسسات وبنى تحتية حتى لو لم ترتق الى طموح المتظاهرين . اعتقد ان العبادي عليه ضغوطات من مختلف الكتل السياسية الحاكمة ، فالذي يقطفه العبادي من بين انيابهم خير من الفراغ الامني وضياع العراق ومطالب التظاهرات ، ثم الى متى نعيش حالة الغليان والفوضى ولدينا محافظات اهلها نازحون منها وبالقدر الذي تتمكن عليه الحكومة من توفير الاحتياجات والمتطلبات.

وختم أن خلاصة القول هي أن المرجعية الدينية كانت لها ورقة بل أوراق من الضغط على الكتل السياسية التي دعمت المتظاهرين وكان موقفها معروفا في كثير من التوجيهات والارشاد والنصح ولكن يبدو&أن الكتل قد اصبحت على ضفة نقيض منها بسبب تأكيداتها على الاصلاحات ، ابعد الله العراقيين من مخاضات العنف ودوامة الموت ، البرلمان والدستور هما من وجوه الديمقراطية معناه ضياعهما وليتنا نعود الى بداية المربع الاول بل سنتعدى مربعات جميعها مزروعة بالألغام فكيف يمكن العودة الى المربع الاول؟

يذكر أن تظاهرات يومية واسبوعية كبيرة تتواصل في مدن وسط وجنوب العراق منذ مطلع الشهر الجاري تطالب بمكافحة الفساد وتحسين الخدمات.