حقق باراك اوباما انجازات مهمة في السياسة الخارجية لكن فشله في وقف كارثة انسانية في سوريا قد يكون ما سيذكر به في نهاية المطاف كغيره من الرؤساء الاميركيين السابقين.


واشنطن: وقّع جيمي كارتر اتفاق كامب ديفيد الذي جلب السلام بين مصر واسرائيل الا أن حصيلة ولايته كانت تتراجع مع كل يوم يمر من أزمة الرهائن الايرانية.

وعجز بيل كلينتون عن وقف اهوال حملة الابادة في رواندا بينما سيبقى جورج دبليو بوش الرئيس الذي جرّ الولايات المتحدة الى حرب مكلفة في العراق.

وبذل اوباما الرئيس الرابع والاربعون للولايات المتحدة جهودا كبيرة ليدخل الى سجل سياسته الخارجية توقيع الاتفاق النووي مع ايران وتطبيع العلاقات مع كوبا والتوجه الى آسيا والقضاء على اسامة بن لادن. لكن ما سيبقى في الاذهان على الارجح هو فشله في وقف كارثة انسانية في سوريا.

فقد اوقع النزاع خلال اربع سنوات تقريبا اكثر من 240 الف قتيل وادى الى اسوأ ازمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية. وظهرت في المنطقة جماعات "جهادية" من تنظيم القاعدة الى تنظيم الدولة الاسلامية.

ومن اوجه عدة، شكلت الازمة السورية التحدي الاكبر للسياسة الخارجية لاوباما.

فقد تولى رئاسة الولايات المتحدة وهو مصمم على وضع حد لسياسة جورج بوش الذي كان يتهم بالغطرسة. وتحولت الحربان في العراق وافغانستان الى احتلال طويل يستنفد الموارد الاميركية ويثير عداء جيل اخر من المسلمين ضد الولايات المتحدة.

وقال دبلوماسي اوروبي كبير "ما لاحظناه منذ البداية هو ان البيت الابيض يستعرض المشكلة والخيارات والحلول ويسعى للتأكد من ان ما سيقترحه سيؤدي الى تحسن الامور قبل الخوض في اي مبادرة جديدة على صعيد السياسة الخارجية".

وبعيدا عن المثالية التي اتسمت بها حملته الرئاسية، اتبع اوباما اسلوب مقاربة تتسم بعقلانية كبيرة في سياسته الخارجية.

وقال المتحدث باسم البيت الابيض جوش ايرنست ان اوباما "لا يؤمن بأن شن حرب برية اخرى في الشرق الاوسط سيكون من مصلحتنا". واضاف ان ذلك "لا يخدم المصلحة العليا لأمننا القومي ولا يبرر بشكل منطقي كيف يمكن ان يحول دون حصول ازمة للاجئين".

الا ان ذلك لا يقدم سوى تفسير جزئي لتحفظ اوباما. فسوريا مسألة مطروحة دائما منذ توليه الرئاسة.

واعرب مسؤولون كبار في البيت الابيض عن استيائهم لان الشرق الاوسط يطغى باستمرار على جدول الاعمال الرئاسي.

ففي رايهم ان اسيا المكتظة بالسكان والتي تشهد نموا سريعا لم تلق الاهتمام الذي تستحقه. فهذه القارة تضم غالبية سكان الكرة الارضية كما انه من المرجح ان تقود الاقتصاد العالمي في العقود القادمة.

وافسح البيت الابيض الذي لا يعتقد مع الادارة الحالية ان الولايات المتحدة بامكانها حل كل الازمات في العالم، المجال امام الحلفاء لاخذ المبادرة في الازمات الاقليمية.

فالسعودية تقود تحالفا عربيا ضد المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن والمانيا تتولى الازمة المالية في اليونان والسياسية في اوكرانيا.

الا ان الولايات المتحدة اختارت سياسة النأي بالنفس بينما تسعى فيه مجموعة من الامبراطوريات السابقة مثل الصين وايران وروسيا وتركيا الى استعادة نفوذها.

وتمد ايران وروسيا نظام بشار الاسد في سوريا بالدعم لأسباب مختلفة لكنها متشابهة.

فسوريا تشكل فرصة استراتيجية مهمة لروسيا من اجل فرض وجودها في الشرق الاوسط، بينما تدعم ايران الشيعة في المنطقة ما يزعزع استقرار دول عربية منافسة ويبرز مدى قوة طهران.

وامام هذا الوضع، فان الاشهر الاخيرة الماضية اثبتت ان الالتزام المحدود له كلفته ايضا.

فقد اخفقت المساعي بقيادة الولايات المتحدة لتدريب مقاتلي المعارضة السورية الى حد كبير.

ويبدو ان المسؤولين الذين اعتبروا ان نشر بضع عشرات المقاتلين مبكر لأوانه كانوا على حق في موقفهم.

فمأساة اللاجئين السوريين لم تتحول الى ضغوط في داخل الولايات المتحدة مؤخرا فقط وعندما بدأت المعسكرات في الشرق الاوسط غير قادرة على استيعاب مزيد من اللاجئين وبعد نشر صور جثث الاطفال التي قذفتها الامواج على الشواطئ.

وافادت مجموعة الازمات الدولية (انترناشيونال كرايسيس غروب) في تقرير اخير ان "ادارة اوباما ارادت تفادي التزام اكبر في النزاع بسبب الشكوك حول ما يمكن ان تحققه سياسة اكثر تشددا والقلق من ردود حلفاء النظام ضد العناصر الاميركيين ومصالح الولايات المتحدة في اماكن اخرى".

واضاف التقرير "الا ان هذا النزاع لن ينتهي دون تغيير في السياسة الاميركية".

وبعيدا عن الاضواء، عبر بعض المسؤولين الاميركيين عن الامل في ان تدرك الادارة وسط هذه البلبلة ان لجوء الولايات المتحدة الى القوة ضروري للحفاظ على نوع من الاستقرار في العالم.

ويسود ايضا شعور متنام بان واقعية اوباما سيغطى عليها سريعا التزام اخلاقي وسياسي بضرورة بذل جهود اكبر.

وقال مصدر دبلوماسي "على اوباما ان يصحح هذه النقطة السوداء في سجله قبل انتهاء ولايته السياسية".