أبدى باراك اوباما الاربعاء والبابا فرنسيس توافقا حول مختلف الموضوعات العالمية خلال الزيارة التاريخية الى البيت الابيض للحبر الاعظم الذي يجسد سلطة معنوية لكنه حليف سياسي كبير للرئيس الاميركي الرابع والاربعين.


وخلال حفل استقبال في حدائق البيت الابيض حضره اكثر من عشرة الاف شخص، عبر اوباما والبابا عن تقارب في وجهات النظر حول مختلف القضايا من المناخ والدبلوماسية وصولا الى ضرورة مساعدة ملايين المهمشين في مختلف انحاء العالم. واشاد اوباما بدور البابا الحاسم في التقارب بين الولايات المتحدة وكوبا، لكن ايضا بدعوته الى تعبئة الدول من اجل مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري.

ويعول اوباما الذي لا يخفي اعجابه بالبابا فرنسيس وأشاد بوضوح رؤيته وتواضعه، على دعمه في مسألتين اساسيتين قبل اقل من 500 يوم من انتهاء ولايته، هما التقارب مع كوبا ومكافحة التغير المناخي. وفي خطاب ألقاه في حديقة البيت الابيض أشاد اوباما برسالة "الامل" التي يحملها البابا، معتبرا انها مصدر "الهام للكثير من الناس في مختلف انحاء العالم".

ابن مهاجر
وقال البابا خلال حفل استقباله في البيت الابيض "كابن عائلة مهاجرة، انا مسرور بأن اكون ضيفا في هذا البلد الذي بني في القسم الاكبر منه بأيدي عائلات مماثلة". وشدد البابا على ضرورة مكافحة ظاهرة التغير المناخي.

وقال رئيس الكنيسة الكاثوليكية "نظرا الى هذه المسألة الملحّة، يبدو واضحا لي أن التغيرات المناخية مشكلة لا يمكن تركها لأجيال المستقبل" مضيفا "إننا نعيش مرحلة حرجة من التاريخ". وطالب البابا بتغيير قائلا "لا يزال أمامنا الوقت الكافي لإحداث التغيرات المطلوبة من أجل تحقيق تنمية مستدامة ومتكاملة" نشمل ملايين المهمشين في العالم.

واوضح "أن هذا التغيير يتطلب منا إقرارا جديا ومسؤولا، ليس فقط بنوع العالم الذي نتركه لأطفالنا، بل أيضا بملايين الأشخاص الذين يعيشون في ظل نظام قام بتهميشهم".
وفي ختام هذا الحفل الذي دعي اليه اكثر من عشرة الاف شخص، توجه البابا واوباما الى المكتب البيضاوي لعقد لقائهما الثنائي الثاني بعد الاول الذي عقد في ربيع 2014 في الفاتيكان.

التقارب الكوبي
من جهته اشاد الرئيس الاميركي برسالة الامل التي يحملها البابا. وقال اوباما "ان حجم وروحية لقاء اليوم هما مجرد انعكاس بسيط لتفاني حوالى 70 مليون كاثوليكي اميركي.. وللطريقة التي ألهمت فيها رسالتك للحب والامل الكثير من ابناء امتنا ومن الاشخاص في مختلف انحاء العالم".

من جانب اخر، اثنى اوباما على الدور "الثمين" الذي اضطلع به البابا فرنسيس في تحقيق التقارب بين الولايات المتحدة وكوبا بعد نصف قرن من التوتر الناتج من الحرب الباردة. وقال اوباما "نحن ممتنون لدعمكم الثمين لبدايتنا الجديدة مع الشعب الكوبي والتي تحمل وعدا بعلاقات افضل بين بلدينا". وكان الرئيس الاميركي اعلن في تموز/يوليو عن اعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا بعد حوالى نصف قرن من عزلة النظام الشيوعي. واشاد الرئيس الاميركي الاربعاء بقوة بالدعوة التي اطلقها البابا من اجل العمل والوحدة لمكافحة ظاهرة التغير المناخي.

بعد ذلك تجول البابا في سيارته الخاصة في شوارع واشنطن وسط حشود غفيرة. ووقف البابا في سيارة الباباموبيلي مبتسما يحيي الجماهير وقام في احدى جادات واشنطن بتقبيل جبين فتاة وصبي حملهما اليه عناصر امن.

ثالث زيارة بابوبة
واحتشد الالاف من الكاثوليك وراء الحواجز التي اقيمت على جانبي الطريق ملوحين بحماسة كبرى بعلمي الفاتيكان والولايات المتحدة. وهذه ثالث زيارة لحبر أعظم الى البيت الابيض. فقد استقبل جيمي كارتر يوحنا بولس الثاني في 1979 وجورج دبليو. بوش بنديكتوس السادس عشر في 2008.

والامر النادر ان اوباما البروتستانتي، استقبل شخصيا الثلاثاء على مدرج قاعدة اندروز، هذا البابا الارجنتيني الذي يطأ للمرة الاولى في حياته الاراضي الاميركية. ويؤكد البيت الابيض ان هذه الزيارة لا تنطوي على اي ابعاد سياسية. وقال جوش ارنست المتحدث باسم اوباما، ان "الهدف من هذه الزيارة هو الافساح في المجال امام الرجلين لتبادل الرأي حول قيمهما المشتركة".

واضاف "ستتاح الفرصة للتحدث في الشؤون السياسية، في الايام الـ 364 الاخرى من السنة". وتحصل هذه الزيارة في وقت صعب على الصعيد السياسي. فعندما سيتحدث الخميس امام الكونغرس في خطوة هي الاولى من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة، سيلقي اول بابا ارجنتيني في التاريخ خطابا مؤثرا يدافع فيه عن التقارب بين واشنطن وهافانا ويدعو الى التزام حازم بمكافحة التغير المناخي. وهما موضوعان لا يتساهل بشأنهما عدد من الخصوم الجمهوريين لاوباما.

وقد تسببت المواقف المنفتحة للحبر الاعظم بعداوات حادة جدا لدى المحافظين وفي الاوساط الاقتصادية الليبرالية. فمجرد وصوله من كوبا حيث تجنب توجيه الانتقاد الى الرئيس راوول كاسترو، اجج غضب الذين يعتبرون ان هذا البابا ماركسي مموه او منحرف عن الايمان الكاثوليكي عبر اتخاذه مواقف متساهلة جدا على صعيد العقيدة.

وفي الطائرة التي اقلته الى واشنطن، وعد البابا بألا "يتطرق" في الكونغرس الى المسألة الحساسة المتعلقة برفع الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة على جزيرة كوبا الشيوعية. وقال ان "رغبة الكرسي الرسولي هو التوصل الى اتفاق يرضي الطرفين". ويطالب البيت الابيض برفع الحصار، لكن معظم النواب الجمهوريين يعارضونه.

لقاء بسطاء
وفي الايام التي ستلي زيارته الى البيت الابيض، سيلتقي البابا مهاجرين ومشردين ومسجونين. وسيترأس ايضا في نيويورك احتفالا يشارك فيه رجال دين من مختلف الاديان في موقع مركز التجارة العالمي، للتنديد بالارهاب وتأكيد الاحترام بين الاديان.

وسيشيد خلال احتفال آخر في فيلادلفيا مع الاميركيين من بلدان اميركا اللاتينية، بالقيم المؤسسة لاميركا مثل الحرية الدينية. وسيرأس في فيلادلفيا السبت والأحد اختتام اللقاء العالمي للعائلات الكاثوليكية الذي من المتوقع ان يحضره مليون ونصف مليون شخص، وسط تدابير امنية مشددة ايضا. وخلال لقائه البابا في الفاتيكان، قال باراك اوباما انه تأثر بـ "عطفه" على "الفقراء والمنبوذين والمنسيين".

وفي خطاب حول مكافحة الفقر ألقاه في كانون الاول/ديسمبر 2013، استشهد الرئيس الاميركي بـ "فكرة" اطلقها الحبر الاعظم قبل اسابيع. وهذا امر نادرا ما يحصل. وقال البابا آنذاك "ليس معقولا ان لا يكون موت شخص مسن اضطر للعيش في الشارع وسط البرد خبرا، فيما يكون تراجع البورصة نقطتين خبرا مهما".