لم يكن الدكتور علي عبد العال وجهًا معروفًا للمصريين قبل اليوم، لكنه صار فجأة رئيسًا لأول برلمان بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، التي أسقطت نظام حكم جماعة الإخوان، وسوف يعتادون من الآن ظهوره على شاشات التلفزيون على مدار أربعة أعوام مقبلة.


&

صبري عبد الحفيظ من القاهرة: بعدما سيطر "إئتلاف دعم مصر"، المدعوم من الرئيس عبد الفتاح السيسي، على البرلمان، وبعدما كشف الناشط السياسي حازم عبد العظيم أن "الإئتلاف" صنع في مقر جهاز المخابرات العامة، يمكن وصف "عبد العال" بأنه "ذراع السيسي التشريعية"، أو كما يقال في عهد الرئيس السابق حسني مبارك "ترزي القوانين".&

شهرة مفاجئة
فجأة ـ وكما هي الحال في مصر على مدار خمسة أعوام ـ لمع نجم الدكتور علي عبد العال، أستاذ القانون الدستوري في جامعة عين شمس، وتحول من هدوء الظل إلى صخب الأضواء، بعدما أصبح رئيس أول برلمان بعد أحداث 30 يونيو/ حزيران 2013 التي أسقطت نظام حكم جماعة الإخوان المسلمين، ورفعت ـ فجأة أيضًا ـ رئيس المحكمة الدستورية عدلي إلى سد الحكم، ليصبح رئيسًا موقتًا.
&
لم يعرف المصريون "عبد العال" من قبل، ولم يكن له أي تواصل واضح مع وسائل الإعلام، مثل أساتذة آخرين للقانون الدستوري، ملأوا السمع والبصر أمثال: الدكتور رأفت فودة، أو الدكتور جابر نصار، أو الدكتور إبراهيم درويش، رغم أنه يمثل قامة قانونية ودستورية كبيرة، إلا أنه كان يفضل العمل في صمت.
&
يعمل "عبد العال" أستاذًا متفرغًا للقانون الدستوري في جامعة عين شمس، وعيّنه الرئيس الموقت السابق عدلي منصور له عضوًا، فيما يعرف بـ"لجنة العشرة"، التي أعدت المسودة الأولى لدستور ما بعد ثورة 30 يونيو 2013. كما شغل عضوية اللجنة القانونية التي أعدت قانوني مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب، وعمل عضوًا في اللجنة التي وضعت قانون تقسيم الدوائر الانتخابية في عهد عبدالفتاح السيسي. وهي القوانين التي "هندست" البرلمان في شكله الحالي، وساهمت في انفراد المستقلين والأثرياء عليه، عندما خصصت لهم نسبة 80% من المقاعد، في حين خصصت 20% فقط للأحزاب، مما أدى إلى استحالة تحقيق أي حزب سياسي للغالبية أو تشكيل الحكومة، وسمح لـ"إئتلاف دعم مصر" المؤيد للسيسي بالسيطرة على أول برلمان بعد ثورة 30 يونيو/ حزيران 2013.
&
تاريخ مشرف
ترشح "عبد العال" لعضوية البرلمان ضمن قائمة "في حب مصر" بالصعيد، وهي القائمة التي فازت بجميع مقاعد القوائم في البرلمان، وصار اسمها "إئتلاف دعم مصر".
&
لم يكن "عبد العال" خيارًا أوليًا ووحيدًا أمام "إئتلاف دعم مصر" المدعوم من أجهزة الأمن والمخابرات العامة ـ حسب تصريحات للناشط السياسي حازم عبد العظيم، منسق لجنة الشباب بالحملة الإنتخابية للرئيس السيسي ـ بل فضل تعيين الرئيس الموقت السابق عدلي منصور بمجلس النواب، وتسليمه رئاسة البرلمان، ورغم الإجماع عليه، ورغم عقد السيسي جلسات معه، لقبول المنصب، إلا أن "منصور" أصرّ على الإستمرار في منصبه رئيسًا للمحكمة الدستورية، والإبتعاد عن صخب السياسة والبرلمان.
&
لجأ "إئتلاف دعم مصر" إلى ترشيح المستشار سري صيام، رئيس مجلس القضاء السابق، ويبدو أن ترشيحه لم يحظَ بالإجماع أو الغالبية اللازمة، فاضطر إلى ترشح "عبد العال"، وبفضل "التوجيهات" أعلنت غالبية الأحزاب والنواب المستقلين دعمه.
&
وصف سامح سيف اليزل اللواء السابق في جهاز المخابرات العامة والمنسق العام لـ"الإئتلاف" رئيس البرلمان الجديد بأنه "على خلق ومهذب محترم"، مشيرًا إلى أن (عبد العال) "شارك في وضع دستور أثيوبيا وتاريخه مشرف بشكل كبير، وكان عضوًا في لجنتي العشرة المصرية وأيضًا في لجنة الخمسين".
&
تأييد أكثري
حظي "عبد العال" بدعم باقي الأحزاب في البرلمان، ومنها حزب النور السلفي، وقال الدكتور أحمد خليل رئيس الكتلة البرلمانية لحزب النور، إن "الحزب قرر دعم الدكتور علي عبد العال لرئاسة مجلس النواب"، مشيرًا إلى أن "الحزب اتخذ قرار التأييد خلال اجتماع المجلس الرئاسي للحزب بأعضاء الكتلة البرلمانية".
&
كما حظي بتأييد حزب الوفد الليبرالي. وقال أحمد السجيني نائب رئيس الهيئة البرلمانية للوفد، إن "نواب الحزب سيصوّتون لمصلحة الدكتور علي عبدالعال، لرئاسة البرلمان، خلال الانتخابات التي ستتم عقب انتهاء القسم الدستوري للنواب".
&
لم يخف "عبد العال" أن القائمة التي تحولت إلى "إئتلاف دعم مصر" تمثل "ظهيراً للسيسي". وقال في تصريحات له: "الوضع في مصر مختلف عما سبق، ويتطلب ظهيرًا سياسيًا لتطبيق برنامج السيسي، ولن أقول إن القائمة هي ظهير السيسي، لكن ستكون الظهير السياسي في ما يحقق استقرار مصر، لكن لا يعني هذا الموافقة الأوتوماتيكية لكل ما تتخذه الحكومة".
&
وأعلن "عبد العال" قبل توليه المنصب أن البرلمان سوف يوافق على القوانين التي أصدرها الرئيس السيسي، ومن قبله الرئيس الموقت السابق عدلي منصور، وقال: "القرارات بقوانين التي أصدرها الرئيس السابق عدلي منصور أو رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، عدد كبير منها متعلق بضبط الموازنة العامة والحسابات الختامية وموازنات الهيئات الاقتصادية، وعددها 169 قرارًا بقانون، وهي لا تثير مشاكل، بينما هناك عدد من القوانين ذات الطابع السياسي، وعددها 144 قانونًا، ستتم مناقشتها وإقرارها".
&

&

مواصلة المسيرة
ورغم أن قانوني "مباشرة الحقوق السياسية" و"تقسيم الدوائر" تشوبهما عدم الدستورية، واضطر الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى إصدار قانون تحرير المحكمة الدستورية لتأجيل النظر فيهما، إلا أن "عبد العال" يستبعد أن يتم الطعن على مجلس النواب دستوريًا، وقال: المجلس بعيد تمامًا عن الطعن فيه بعدم الدستورية".
&
وفي كلمته بعد انتخابه رئيسًا للبرلمان، قال "عبد العال": "إن الجماهير التي خرجت في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، قد حملتنا أمانة وثقة غالية ولنعاهد الله والشعب والقائد على أن نواصل العمل الدؤوب لمواجهة القضايا الملحّة، وأن نرد هذه الثقة عطاء بغير حدود لنبني وطنًا عزيزًا يفيض قويًا بالخير على أبنائه".
&
وأضاف: إن الفصل التشريعي الذي نستقبل اليوم أولى جلسات البرلمانية يتطلب منا بذل الجهود المضنية من دون كلل أو ملل لإنجاز مجموعة من التشريعات التي أناط بها الدستور المجلس الموقر في المجالات الاقتصادية والخدمية والعدالة الاجتماعية من أجل إسقاط كل عوائق التنمية، وسأعمل على أن يكون المجلس منبرًا لحوار ديمقراطي راقٍ تتاح فيه الفرصة لكل الانتماءات السياسية للتعبير عن آرائها.
&
تهديد بفضح المستور
كشف الناشط السياسي ومنسق لجنة الشباب في حملة السيسي أثناء الانتخابات الرئاسية، أن جهاز المخابرات العامة والأجهزة الأمنية الأخرى هي من صنعت ائتلاف "دعم مصر"، وساهمت في تشكيل البرلمان، ليكون ظهيرًا سياسيًا وتشريعيًا للسيسي. ويبدو أن الكثير والكثير جرى وراء الكواليس من أجل السيطرة على البرلمان، والدليل تهديدات أطلقها النائب مصطفى بكري، عضو مجلس النواب، قال فيها إن اللواء سامح سيف اليزل، "يمارس أساليب غير مقبولة" في قيادة الإئتلاف. وأضاف: "أنا ممكن أتكلم وأقلب الدنيا، وهييجي وقت وأحكي تجربتي مع اليزل".
&
وبعيدًا عن حالة الجدل التي صاحبت ولاتزال ترافق إئتلاف "دعم مصر"، وصف النائب والإعلامي توفيق عكاشة، "عبد العال" بأنه تلميذ رئيس مجلس الشعب السابق أحمد فتحي سرور. وقال في تصريحات في برنامج على قناة "إل تي سي": "هل يعقل بعدما خرج الشعب في ثورة 30 يونيو، وبعدما خرج الشعب في أنزه انتخابات، أن يأتي البرلمان بامتداد لأحمد فتحي سرور رئيسًا للبرلمان".
&
&

&

نسخة عن سرور
وأضاف "عكاشة"، الذي نافس "عبد العال" على رئاسة المجلس: "الدكتور علي عبد العال هو الصورة الأخرى للدكتور أحمد فتحي سرور في رئاسة البرلمان، لأنه أحد تلاميذه، وأحد الذين عملوا معه في مكتب المحاماة على مدار فترة طويلة، وأحد الذين دعمهم فتحي سرور للعمل خارج البلاد". وقال: "منجيب فتحي سرور وخلاص".
&
ينظر المصريون على مدار عشرات السنين إلى رئيس البرلمان باعتباره "ترزي القوانين"، وحمل رئيس مجلس الشعب السابق فتحي سرور هذا اللقب، وكان يضاف إليه اسم الرئيس السابق حسني مبارك، ليكون "ترزي قوانين مبارك"، لاسيما أن "سرور" ساهم في "تفصيل" تعديلات دستورية وقوانين في العام 2007 لتمهيد الطريق أمام نجله جمال لخلافته في الحكم، إلا أن ثورة 25 يناير أطاحت بنظام الحكم، وأجهضت أحلام جمال في "التوريث".
&
قبل انعقاد البرلمان، أثارت نخب سياسية وإعلامية محسوبة على الرئيس عبد الفتاح السيسي قضية تعديل الدستور، بما يسمح بمد الولاية الرئاسية إلى ست سنوات بدلًا من أربع سنوات، وهو ما أثار عاصفة من الغضب لدى قوى المعارضة.
&
وفي مقابلة سابقة مع "إيلاف"، لم يخف النائب مصطفى بكري، وعضو إئتلاف "دعم مصر"، وجود نوايا لتعديل الدستور، لكن هل يتحول "عبد العال" إلى أداة في يد "الإئتلاف" صاحب الفضل في إعتلائه هذا المنصب الرفيع؟، هل يصبح "تزري قوانين السيسي"، هل يسير على خطى "سرور" في "تعديل" و"تفصيل" و"تقفيل" القوانين على قياس النظام الحاكم؟.
&