لندن: رافق اعلان التزام إيران بالاتفاق النووي مع القوى الكبرى، موجة من التساؤلات في أكثر من عاصمة عربية حول مدى استثمار إيران لرفع العقوبات لتحسين علاقاتها مع دول الجوار ووقف تدخلاتها في الشؤون الداخلية لهذه الدول؟.

وقد اختلفت آراء كثير من المعلقين والمحللين الدبلوماسيين حول تقييم تبعات رفع العقوبات عن إيران في أعقاب التزامها بشروط الاتفاق النووي، فبعضهم تحدث عن احتمال تأثيرات إيجابية لهذه الخطوة على المنطقة بشكل عام ، بينما حذر البعض الآخر من مزيد من "التعقيدات"، وذلك لفهمهم للعقلية التي تدير الأمور في طهران وصراع الأجنحة هناك حول الكثير من القرارات المحلية والإقليمية والدولية.

تساؤل الجبير
ولعل أبرز تساؤل تم طرحه غداة إعلان إيران عن تنفيذ التزاماتها، ورد على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مقال كتبه في صحيفة (نيويورك& تايمز) الأميركية، وفيه يقول: "يقف العالم مراقبًا لإيران بحثًا عن أي مؤشرات تدل على وجود تغيير، لتتحول من كونها دولة مارقة وثورية إلى عضو محترم في المجتمع الدولي. إلا أن إيران عوضًا عن مواجهة العزلة التي تسببت في حدوثها لدولتها، لجأت إلى تعتيم سياساتها الطائفية والتوسعية الخطيرة، إضافة إلى دعمها للإرهاب، من خلال كيل الاتهامات للمملكة العربية السعودية بلا دليل يدعم هذه الاتهام".

ويتابع الوزير الجبير: "إلا أن السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت إيران تريد العمل وفقًا لقوانين الأنظمة الدولية، أو تريد أن تبقى دولة ثورية تسعى للتوسع والاستخفاف بالقانون الدولي. ففي نهاية المطاف، نريد إيران أن تعمل على معالجة المشكلات بما يمكّن الشعوب من العيش بسلام. إلا أن تحقيق ذلك يتطلب حدوث تغييرات كبيرة في سياسة إيران ونهجها، وهو أمر ما زلنا في انتظار حدوثه".

استفتاء "إيلاف"
وتزامناً مع كلام الجبير، وشكوك صريحة ومعلنة من دول الجوار وحتى من عواصم الدول الكبرى في نيات إيران تجاه جيرانها، لا بل تجاه أمن واستقرار العالم، فإن قرّاء "إيلاف" اكدوا من جانبهم أن إيران لن تستثمر رفع العقوبات بالمبادرة لتحسين علاقاتها مع جيرانها.

وحسب نتائج سؤال استفتاء الأسبوع الماضي، فإن ما نسبته 75 % ممن شاركوا في الاستفتاء (1278) قالوا إن إيران لن تستثمر رفع العقوبات لصالح تحسين علاقاتها مع دول الجوار، بينما أجاب ما نسبته 25 % (428) من المشاركين بـ (نعم) حول احتمال استثمار إيران لرفع العقوبات ببادرة ايجابية نحو جيرانها.

حرص إيراني
وفي الوقت الذي ينتظر فيه العالم، قيام إيران بخطوات حسن نية تجاه جيرانها والتأكيد على عزمها الانفتاح على العالم، تحدث وزیر الخارجیة الایراني محمد جواد ظريف لمرات عديدة منذ الاعلان عن تنفيذ الالتزام بالاتفاق النووي عن أهمیة ومکانة العلاقات مع الدول الاسلامیة والجارة في السیاسة الخارجیة للجمهوریة الاسلامیة الایرانیة. وأكد ظريف أن ایران تسعی لتطویر العلاقات مع الجوار وتوفیر الامن الاقلیمي ونأمل في ضوء الارضیات المتوفرة تنمیة العلاقات في مختلف المجالات.

كما أن محللين إيرانيين ذهبوا إلى ما ذهب إليه ظريف، فقد رأى ماجد حاتمي في جريدة (الوفاق) الإيرانية الناطقة باللغة العربية أن رفع العقوبات عن إيران سينعكس "إيجاباً على أجواء المنطقة التي أزمتها التهديدات الأميركية المتكررة ضد إيران. ولكن الكاتب يضع السؤال في الساحة الخليجية فهو يقول: "نتمنى أيضًا أن يستغل الأشقاء الخليجيون فرصة تنفيذ الاتفاق النووي، وكذلك اليد الإيرانية الممدودة للجميع".

ويضيف: "أن الجمهورية الإسلامية في إيران، هي من أحرص الدول على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، وخاصة منطقة الخليج (الفارسي)، فإيران بصدد بناء نهضة علمية واقتصادية شاملة، تكون نموذجًا يحتذى لباقي الشعوب الإسلامية، ومثل هذه النهضة بحاجة إلى أجواء مستقرة هادئة، لا تعكر صفوها الحروب والصراعات والفتن، لكن رغم كل هذا الحرص الإيراني على أمن واستقرار المنطقة لابد أن يقابله ذات الحرص من جيرانه لتعمّ الفائدة جميع الدول دون استثناء".

شكوك
ورغم محاولات طهران الظهور بالمظهر الإيجابي في مسألة العلاقات مع جيرانها، فإن الشكوك تظل قائمة في عواصم الجيران ليس الخليجيين وحدهم بل العرب جميعاً، فعلى سبيل المثال تكتب الصحافية القطرية ريم الحرمي في صحيفة (الراية): أن "وجود إيران في المنطقة وتدخلها ساهما في تعقيد الأزمات وإطالة أمدها، خصوصاً وأن إيران تعمل في سوريا والعراق على وجه التحديد بأيدلوجيات سياسية مغلفة بالطائفية من خلال الحروب التي تقودها إيران بالوكالة، والتي تهدف لخضوع المنطقة تحت سيطرتها وتنفيذ أجندتها التوسعية مستغلة الفراغ السياسي الذي تحاول إيران ملأه."

وتقول الكاتبة: "والقادم سوف يكون أمراً أسوأ حينما تستعيد إيران قوتها الاقتصادية بشكل أكبر لتمول تلك الجماعات الطائفية، ما يعني توسعاً ونفوذاً أكبر لتلك الجماعات، وعدم استقرار على الصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي في العراق".

&

&