أوجه الشبه كثيرة بين مقتدى الصدر العراقي ودونالد ترامب الأميركي، فلهما آراء متشابهة، ولهما أنصار يتشابهون في ركوب الموجة. فهل يمكن القول إن ترامب هو الصدر الأميركي؟.


بيروت: لا يتوقف المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب عن قلب السياسة التقليدية رأسًا على عقب. فقلة هم أرباب الاستطلاعات والمحللون السياسيون الذين توقعوا أن رجلًا كهذا، لطالما وُجِد متلبسًا في الكذب الصريح وذم النساء وإطلاق الدعابات السفيهة والسخيفة عن حيض المرأة والتصريحات العنصرية ضد المكسيكيين والتشكيك بشرعية جنسية منافسه، سيكون واجهة حزب سياسي أميركي كبير.&
&
الوسطى
في مقالة نشرها موقع "ناشيونال ريفيو" الالكتروني، يقول مايكل روبين إن ما يقوله ترامب قد يصدم المتعلمين الأميركيين، لكن أنصاره يستمتعون بـ"الوسطى" التي يرفعها بوجه اللياقة السياسية، وبوجه النخبة السياسية (في الحزبين معًا) التي فشلت في إنجاز أي شيء، وبوجه وسائل الإعلام التي يشعر عديد من الأميركيين أنها عقدت صفقة شيطانية مع النافذين في السلطة. في الواقع، على الرغم من كل هذا الاعتراض الذي يبديه الصحافيون من «فواحش» ترامب، فالحقيقة تكمن في أن كبار القوم الأميركيين لا يشتركون مع المسؤولين العامين نفس القيم أو نفس السعي إلى الحفاظ على الاستقامة السياسية، خلافًا لما تتوقعه وسائل الإعلام.

ويضيف روبين: «في بعض النواحي، قد يكون مفيدًا النظر إلى ظاهرة ترامب من خلال رجل الدين المتشدد العراقي مقتدى الصدر، علمًا أن هذا لا يعني أن ترامب هو المعادل الأخلاقي للصدر، فهو ليس قاتلًا ولا إرهابيًا، لكن كما هو حال ترامب في الولايات المتحدة، فالصدر لطالما كان اسمًا مألوفًا في العراق، حتى لو سعى إلى الاستفادة من ذلك على حساب ميراث من الحنكة& والإخلاص الديني، بناه والده وحماه هو&وإخوته، فلا أحد اتهم مقتدى الصدر (كما ترامب) بأنه مثقف بشكل مفرط، وفي حين ميز إخوته ووالده أنفسهم من خلال مكانتهم كعلماء مسلمين، يحب مقتدى الظهور ويهوى الثروة المادية».
&
أقصاهم النظام
بحسب روبين، جذب الصدر من شعروا بأن النظام الجديد أقصاهم. تجنبه معظم النخب، لكنه شجع أتباعه على حفر اسمه ومحياه في كل مكان، فحتى اليوم، تحمل لوحات ضخمة صورة الصدر في المدن العراقية الجنوبية، بغض النظر عن نجاحه في الانتخابات. ترامب، بطبيعة الحال، مشهور بترويج نفسه بنجاح في صفوف غير الراضين عن النظام القائم.

للحركتين السياسيتين الكثير من أوجه الشبه الأخرى. فالصدر قادر على تأليف كل أنواع المؤامرات غير المنطقية لتكن سلاحه في حشد الرأي العام، وترامب لا يختلف عنه في ذلك معتمدًا غطرسة متأصلة فيه.

لم يسعَ ترامب لمواجهة السياسة متسلحًا بأي اتساق أيديولوجي، كما فعل معارضوه مثل تيد كروز وماركو روبيو ووراند بول. والصدر، من جانبه، لم يكن وفيًا للتفسير اللاهوتي أو السياسي اللذين تبناهما المفكرون الشيعة في بغداد والنجف وكربلاء ولندن وطهران، لأنه كان دائمًا رجعيًا جدًا وكان تياره الصدري متقلبًا دائمًا. إنها حال ترامب أيضًا.&
&
ركوب الموجة
رضي بعض السياسيين الطموحين بركوب موجة الصدر، تمامًا كما يستعد بعض طموحي واشنطن للانضمام إلى حملة ترامب، تدفعهم منفعتهم الشخصية التي يجنون منها الكثير إن أصبح هو المرشح الجمهوري للرئاسة. لكن ليس كل شيء سلبيًا عندما يتعلق الأمر بظاهرتي الصدر وترامب. فحركة الصدر صارت منطلقًا لدس وجهات النظر والشخصيات الجديدة في السياسة العراقية، مثل علي دوائي، حاكم محافظة ميسان ذات الشعبية العالية، وهو أحد مسؤولي التيار الصدري. ومن المحتمل أن يضخ ترامب دماءً جديدة في نظام أعتقد كثير من الأميركيين أنه لم يعد يخدم مصالحهم.

شهد الصدر صعودًا وهبوطًا في مسيرته على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، لكن الصعود كان أكثر من الهبوط. وهو تمكن من البقاء «قوة سياسية مدمرة» في بغداد، على الرغم من أن لا فرصة حقيقية أمامه ليتحول قوة وازنة. أيًا كان ما سيحدث مع ترامب، الحقيقة أنه استمر حتى الآن تعني أن الظاهرة التي يمثلها ستدوم سنوات. ولو لم يخرج الصدر عن مسار العراق السياسي والعسكري والاقتصادي، لكان هذا البلد في حال أفضل اليوم.