في سابقة برلمانية فريدة، تقدم المستشار سري صيام، عضو مجلس النواب الذي عيّنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، باستقالته من مجلس النواب، لا سيما أنه لم يستقل عضو معين في أي من البرلمانات السابقة، وتعد هذه هي الاستقالة الثانية التي شهدها برلمان 2016، عقب استقالة النائب كمال أحمد ثم عدوله عنها.
صبري عبد الحفيظ من القاهرة: بعد مرور ثلاثين يومًا على عقد أولى جلسات البرلمان، أعلن المستشار سري صيام، عضو مجلس النواب المعين من جانب رئيس الجمهورية، استقالته من المجلس اعتراضًا على تهميش دوره تحت القبة والدخول في صدام مع رئيس المجلس، وتعد هذه هي الاستقالة الثانية التي يشهدها برلمان 2016 عقب استقالة النائب كمال أحمد ثم عدوله عنها.
هذا ومن المقرر أن تعقد هيئة مكتب مجلس النواب اجتماعًا خلال ساعات لنظر طلب الاستقالة وعرضها على أول جلسة عامة يوم السبت المقبل، ومن حق المجلس قبولها أو رفضها، يأتي هذا في الوقت الذي فشلت فيه جميع الجهود التي قام بها عدد من القيادات السياسية بالدولة وأعضاء مجلس النواب لإقناع "صيام" بالعدول عن الاستقالة.&ووفقًا لتأكيدات نواب البرلمان فإن الاتجاه العام داخل المجلس رفض 90٪ من النواب لهذه الاستقالة.
وبرر المستشار سري صيام، رئيس محكمة النقض الأسبق ورئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق وعضو مجلس النواب، استقالته من البرلمان لـ"عدم وجود مناخ يمكنه من أداء دوره البرلماني الذي تحتمه أمانة المسؤولية الناتجة عن قرار رئيس الجمهورية بتعيينه نائبًا في المجلس".
&
صفحة وطويت
&كما أشار "صيام" إلى أن قناعته بالاستقالة ازدادت حين اختار مكتب المجلس 7 من الأعضاء باعتبارهم خبراء في لجنة وضع "اللائحة الداخلية" للمجلس، وأغفل المكتب اختياره ضمن اللجنة، وقال عضو مجلس الشعب المستقيل: "إن رئيس مجلس النواب الدكتور علي عبد العال تعمد أكثر من مرة قطع كلمته أثناء الجلسات العامة، وتجاهل اختياره عضوًا بلجنة إعداد اللائحة الداخلية للمجلس"،&مضيفًا أنه كان من "المفترض أن يتقدم بها للرئيس عبدالفتاح السيسي باعتباره عضوًا معينًا من رئيس الجمهورية، لكنه قدمها للأمانة العامة".
وأكد النائب المستقيل أن فترة عضويته بالبرلمان صفحة قد طويت ولن يتحدث فيها أبدًا، ولن يتراجع عن الاستقالة نهائيًا حتى في حالة رفض نواب البرلمان قبولها، وكشف أنه دوّن في الاستقالة اعتذاره عن حضور مناقشة الاستقالة في أية مرحلة، واعتذاره عن حضور جلسات المجلس العامة واللجان ونشاطات المجلس اعتبارًا من &تاريخ تقديم الاستقالة، وقال صيام: "إنه يشكر ويقدر الرئيس عبدالفتاح السيسي على قرار تعيينه في المجلس، ولكنه يرفض الاستمرار في هذا المناخ، ويتمنى التوفيق لكل الأعضاء في العمل الجاد".
والمستشار سري صيام هو أحد أبرز رجال القضاء الذي تولى أعلى منصبًا قضائيًا في مصر، وهو رئاسة محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى، وتدرج صيام على مدار خدمته في القضاء طيلة 40 عامًا ماضية في مختلف الدرجات القضائية منذ أن تخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1961 بتقديرعام جيد جدًا، وبدأ حياته القضائية بالتعيين في النيابة العامة، وتدرج في الوظائف القضائية المختلفة وشغل عدة مناصب، أهمها نائب رئيس محكمة النقض، ومساعد لوزير العدل لشؤون التشريع لمدة 11 عامًا، ورئيس لمجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال.
كما شغل منصب رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ورئيس اللجنة القومية لتحديث التشريعات الاقتصادية، وعضو مجلس إدارة الجمعية الدولية لقانون العقوبات ومقرها باريس منذ عام 2009، ونائب رئيس الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، ووكيل التفتيش القضائي للنيابة العامة، وعضو المجالس القومية المتخصصة، وعضو لجنة تدوين التقاليد البرلمانية.
&
ورشحت الأوساط السياسية "صيام" لتولي منصب رئيس مجلس النواب، إلا أنه لم يحظَ بالدعم اللازم من إئتلاف في دعم مصر المؤيد للسيسي في البرلمان. ووقعت مشادة كلامية بينه وبين رئيس البرلمان علي عبد العال في أول إنعقاد للمجلس، وبدا واضحاً أن خلافات حادة سوف تقع بينهما.
&
جدال دستوري
من جانبه، قال السفير محمد العرابى، وزير الخارجية الأسبق، والقيادى بائتلاف دعم مصر، إن نواب المجلس وعلى رأسهم قيادات الائتلاف سيرفضون طلب المستشار سري صيام بتقديم استقالته من المجلس نظرًا لأنه يعد قيمة كبيرة للبرلمان.
وأضاف العرابي، لـ"إيلاف"، أن الائتلاف يرفض التصريحات التي تشير لوجود تهميش من قبل البرلمان للمستشار سري صيام لأن هذا لم يحدث على الإطلاق، ودائمًا ما كان يشارك في المناقشات المهمة.&وأوضح القيادي بائتلاف دعم مصر، أنه في حال إصرار سري صيام على الاستقالة فإن المجلس لن يجد حلاً سوى قبولها وتمني التوفيق له خلال الفترة المقبلة.
وقال حسين أبو الوفا، عضو الكتلة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، إن المجلس سيشكل وفدًا للقاء المستشار سري صيام خلال الأيام القليلة المقبلة، لاستطلاع أسباب استقالته الحقيقية ومعرفة ما إذا كان مصرًا على تلك الخطوة من عدمه.
وأضاف عضو الكتلة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، لـ"إيلاف"، أنه في حال إصرار سري صيام على الاستقالة، فإن الكتلة البرلمانية للحزب ستصوت بـ"نعم على الاستقالة" تنفيذًا لرغبته، موضحًا أن صيام قد يريد التفرغ خلال الفترة المقبلة لعمله الخاص، مشيرًا إلى أن لقاء وفد البرلمان معه سيناقش ما إذا كان يسعى لمنصب معين داخل البرلمان من عدمه.
وبالتزامن مع ذلك، اندلع جدل دستوري وقانوني حول أحقية الرئيس عبد الفتاح السيسي في تعيين نائب آخر بديلًا لـ"صيام" في حال قبول البرلمان الاستقالة. وقال&الدكتور صبري السنوسي، الفقيه الدستوري، موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب شرط أساسي لقبول استقالة النائب، كما نصت اللائحة الداخلية للمجلس في المادة 385 على أن "الاستقالة من عضوية المجلس تقدم إلى رئيس المجلس مكتوبة، وتعرض الاستقالة مع تقرير مكتب المجلس&في أول جلسة&عامة، ولا تعتبر الاستقالة نهائية إلا من وقت أن يقرر المجلس قبولها".
وأشار إلى أنه في حالة تمسك النائب بالاستقالة رغم صدور قرار من المجلس برفضها، فإن المجلس في هذه الحالة مطالب بإعلان رسمي عن قبول الاستقالة وذلك في جلسة عامة مرة أخرى،&وأضاف ﻟ"إيلاف": "إن الدستور نص &في المادة &"111 " منه على أنه " يقبل مجلس النواب استقالة أعضائه، ويجب أن تقدم مكتوبة، ويشترط لقبولها ألا يكون المجلس قد بدأ في اتخاذ إجراءات إسقاط العضوية ضد العضو".
وعن مدى جواز تعيين رئيس الجمهورية نائبًا معيناً بديلاً، أوضح الفقيه الدستوري، أن رئيس الجمهورية لا يجوز له تعيين نائب معين بديل للمستشار سري صيام المستقيل، لافتاً إلى أن نص الدستور في المادة "102"منه على أنه "يجوز لرئيس الجمهورية تعيين عدد من الأعضاء في مجلس النواب لا يزيد على 5%، ويحدد القانون كيفية ترشيحهم"، وقد استنفذ الرئيس السيسي سلطاته بالتعيين، وبالتالي لا يحق له تعيين نواب آخرين مرة أخرى، مكان أي عضو معين، وإلا يعتبر ذلك مخالفة للدستور.
في السياق ذاته، كشف الدكتور محمد عبد المنعم السيوفي، أستاذ القانون الدستوري جامعة الأزهر، أن حالة المستشار سري صيام سابقة برلمانية &لم تحدث في تاريخ العمل البرلماني في مصر منذ أكثر من نصف قرن، وهو ما يفسر الجدل بين القانونيين حول الاستقالة، لافتاً إلى أنه لا يوجد سند في الدستور أو القانون يفسر هذه الحالة.
وقال ﻟ "إيلاف": "إنه في حال إصرار المستشار سري صيام عضو المجلس المعين على الاستقالة، فإن رئيس الجمهورية سيقوم بتعيين شخص آخر بدلًا منه، مشيرًا إلى أن المادة "108" من الدستور &تنطبق على النواب المنتخبين فقط وليس المعينين. وذكر أن المادة تنص على أنه "إذا خلا مكان عضو مجلس النواب قبل انتهاء مدته بستة أشهر على الأقل وجب شغل مكانه طبقًا للقانون خلال ستين يومًا من تاريخ تقرير المجلس لخلو المكان"، وبالتالي يجوز لرئيس الجمهورية إذا خلا مكان أحد النواب المعينين أن يعيّن بديلًا له خلال مدة معينة.
&
التعليقات