تبدو تونس البلد العربي الوحيد الذي يفتح تحقيقا في الزوبعة التي أحدثتها تسريبات "أوراق بنما"، وبعد أن وُجهت الاتهامات لشخصيتين سياسيتين مرموقتين، تتطلع تونس رسميا إلى معرفة الحقيقة في هذا الموضوع.


إسماعيل دبارة من تونس: أعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس أنها تحقق في ما ورد من شبهات فساد على خلفية التقارير المتعلقة بأوراق بنما.

وقالت الهيئة في بيان صحافي اطلعت "إيلاف" على نصه: بادرت (الهيئة) منذ 5 نيسان/ ابريل الجاري بتشكيل فريق خاص من المحققين للتقصى حول ما يعرف بوثائق بنما&ودراسة ما يتم تداوله وما قد يثبت في شأنه من انتهاكات لمبادئ النزاهة والشفافية واحترام القانون".

وأفادت الهيئة بأنها "تسعى للحصول على الوثائق التي تخص البلاد التونسية أو التونسيين"، داعية المشرفين على موقع الكتروني تونسي يشارك في التحقيقات، والمجمع العالمي للصحافيين الاستقصائيين، للتعاون معها في هذا الخصوص.

ويوم الجمعة الماضي، شكل البرلمان التونسي لجنة تحقيق خاصة ضمت عددا من أعضائه، للتحقيق في ملف "أوراق بنما"، وذلك بعد مصادقة مجلس نواب الشعب بالأغلبية على قرار إحداثها.

وصوت 124 نائبا من أصل 125 حضروا التصويت، فيما عارض نائب واحد إحداث هذه اللجنة.

وجاء تشكيل اللجنة التي ضمت 22 عضوا، تلبية لمبادرة تقدم بها عدد من النواب بعد أنباء تناقلتها وسائل الإعلام في إطار ملف "أوراق بنما" تطرقت بشكل أو بآخر لشخصيات تونسية من بينهم سياسيان بارزان.

وأكد مجلس نواب الشعب على صفحته الرسمية على فايسبوك: "إنشاء هذه اللجنة يأتي عملا بأحكام الفصل 97 من النظام الداخلي للمجلس، وقد تم تشكيل لجنة التحقيق وفق قاعدة التمثيل النسبي بين الكتل، فالنظام الداخلي يعطي لكل 10 أعضاء من الكتلة مقعدا في اللجنة، بينما توزع المقاعد المتبقية على أساس أكبر البقايا".

إلى ذلك، عبرت "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" عن "ارتياحها لمبادرة كل من مجلس نواب الشعب ووزارات العدل والمالية وأملاك الدولة والشؤون العقارية بالإذن بفتح تحقيقات قضائية وادارية رقابية في هذا الشأن".

مزيد من الشفافية&

ودعت الهيئة الحكومة ومجلس نواب الشعب الى استكمال آليات دعم شفافية الحياة العامة وترسيخ مبادئ النزاهة والمساءلة والحياد عبر ضبط الوسائل الوقائية والزجرية لمكافحة الاخلال بتلك المبادئ".

وطالبت بـ"التسريع في العرض قصد المصادقة على مشروع القانون الأساسي المتعلق بمكافحة الاثراء غير المشروع وتضارب المصالح في القطاع العام والتصريح بالمكاسب، موصية بتوسيع قائمة الاشخاص الخاضعين للتصريح لتستوعب مسؤولي الأحزاب السياسية الى جانب من يتحملون مناصب في الدولة والادارة وفرض هذا الاجراء عند تولي الاشخاص المسؤولين المشمولين بالقانون للمنصب وعند انتهاء مهامهم".

كما دعت الى "ضبط آليات التقصي بخصوص شبهات الاثراء غير المشروع الواقع اكتشافها بمناسبة مراقبة تلك التصاريح بالمكاسب وسبل المحاسبة والمساءلة عنها وتبيان أحكامها العقابية وتشديدها عند الاخلال بواجب التصريح أو اكتشاف جريمة".

وحثت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد جميع الاحزاب السياسية على "ضرورة احترام القانون في ما يتعلق بتمويلها عبر التصريح بمداخيلها ومصادر تمويلها وأوجه صرفها ونشر ذلك للعموم دعما لثقة المواطنين فيها ودرءا للشبهات".

والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تمّ إحداثها في 24 نوفمبر من العام 2011 وذلك خلفا "للجنة تقصي الحقائق عن الفساد والرشوة" التي أنشئت مباشرة بعد الثورة التونسية في 2011. ويتولي الحقوقي شوقي طبيب منذ بداية العام الجاري رئاسة هذه الهيئة، خلفا لسمير العنابي.

أسماء مورطة

يتولى موقع "انكيفادا" التونسي نشر الجانب المتعلق بتونس في "أوراق بنما" وتعرّض الموقع للقرصنة منذ نشره لأول تحقيقاته في اطار هذا الملفّ، كما تعرض صحافيوه لتهديدات و"حملات تشويه" كما تقول إدارة التحرير.

قال "انكيفادا" في مقاله الأول إنّ اسم محسن مرزوق وارد في وثائق مكتب المحاماة موساك فونسيكا في بنما، بعد طلب معلومات بهدف إنشاء شركة "أوفشور".

محسن مرزوق أول اسم تونسي يرد في التحقيقات الصحافية حول "أوراق بنما"

وقال "إنكيفادا" "بالرغم من محاولاتنا المتعددة، لم يرد محسن مرزوق على طلباتنا بإجراء مقابلة معه".

ومحسن مرزوق هو مؤسس "حركة مشروع تونس" التي انشقت عن حزب الرئيس الباجي قائد السبسي مؤخرا.

وكان مرزوق مديرا لحملة الباجي قائد السبسي الانتخابية في 2014، والمعلومات التي طلبها من مكتب المحاماة في بنما، كانت خلال توليه ادارة حملة الرئيس الحالي لتونس.

وفي تصريح لمحطة موزاييك الخاصة، نفى محسن مرزوق "نفيا قاطعا" القضية منددا بـ"قصة مختلقة من أساسها".

وكشف موقع "انكيفادا" يوم السبت عن "تورط" مرشح سابق للانتخابات الرئاسة في فضائح مالية، وهو ما نفاه الأخير.

وكشف موقع "انكيفادا" السبت عن اسم تونسي ثانٍ من ضمن الشخصيات المتورطة في فضيحة "أوراق بنما" وهو المترشح السابق للانتخابات الرئاسية المحامي سمير العبدلّي الذي أثبتت الوثائق المسربة أنه متعاون مع مكتب المحاماة "موساك فونسيكا" في بنما.

ويقول الموقع في تحقيقه المنشور باللغة الفرنسية إنّ العبدلّي "الذي ظهر اسمه في فضيحة "سويس ليكس"، تعامل مع ثلاث شركات "أوفشور" يتم إنشاؤها عادة للتهرب من الضرائب بين عامي 2006 و2015"، مشيراً إلى أن البنك السويسري "اتش سي بي سي" طلب إنشاء شركتي «أوف شور» من مكتب المحاماة البانمي لصالح العبدلي".

وتابع الموقع: "في شباط/فبراير 2007 كان للعبدلي 40 في المئة من شركة «فايغيت كورب»، في حين كانت بقية الحصة أي 60 في المئة لابن الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد (توفيق)، وكان الأخير متورطاً في قضايا عدة متعلقة باختلاس ملايين الدولارات من البنك الخارجي الجزائري، وفي شباط 2007، وجد المحامي التونسي نفسه وحيداً على رأس الشركة بعد عقد اجتماع مجلس إدارة هذه الشركة"، مشيراً إلى أن العبدلي "تعامل أيضاً مع عدة شركات دولية مشبوهة".

العبدلي يردّ

ورد العبدلي ببيان نشره على صفحته على فايسبوك بالقول: "التقرير الذي ورد بالموقع الالكتروني «انكيفادا» وذكر اسمي وصفتي كمحام في علاقته بتسريبات وثائق بنما، هو تقرير مجرد قانوناً وغير دقيق ونحن وإن نعذر صحافي الموقع، نؤكد سلامة جميع أعمالنا وقانونيتها وقمنا بها بصفة محام وطبقاً للقانون، ونحن على ذمة كل جهة تريد التدقيق في هذا الخبر".

وأضاف "حسب هذه الوثائق المسربة (على افتراض وجودها وصحتها من عدمه)، لا وجود لأي علاقة ولا مراسلات بيني شخصياً أو بصفتي كمحام مع مكتب المحاماة في بنما ولم أعرف اسمه قط إلا في إطار هذا الملف رغم نشاطي الدولي كمحام واقاماتي في عدد من الدول، وهذا يدل على اختلاف جوهري في النشاط مع هذا النوع من المكاتب، وبالرجوع إلى سيرتي الذاتية منذ 23 عاماً، كان ولا يزال اختصاصي هو المفاوضات في العقود الكبرى والحقيقية بين حكومات ومؤسسات عالمية خاصة في الطاقة وتمثيلهم في العديد من دول العالم"، وأكد أن الوثائق هي "دعوة للاعتراف بذنب لم يقترفه"، مشيراً إلى أنه، "رغم ذلك، لن يلجأ لمقاضاة الموقع المذكور".

وكان مؤسس حركة "مشروع تونس" محسن مرزوق أكد قبل أيام أنه قرر مقاضاة موقع "انكيفادا" بعد نشره معلومات تشير إلى "تورط" مرزوق في الفضائح المالية الواردة في اطار "أوراق بنما".

وكان تحقيق صحافي ضخم استمر عاماً كاملاً استند على نحو 11.5 مليون وثيقة سربت من مكتب المحاماة «موساك فونسيكا» في بنما، كشف عن شبكة من التعاملات المالية السرية تورط فيها عدد من قادة العالم، فيما أشار موقع "انكيفادا" المشارك في التحقيق إلى وجود "عدد كبير من الشخصيات السياسية والحقوقية والإعلامية في تونس متورطة في التعاملات المذكورة"، لكنه لم يكشف إلى حدّ الآن سوى عن اسمين هما العبدلي ومرزوق.