شكل غياب المغني الأميركي الشعبي والشهير برنس صدمة لمحبيه لكنه ترك إرثًا موسيقيًا غنيًا ومتنوعًا يصعب عبره نسيانه وسيبقى بفنه حاضرًا لأجيال مقبلة، لكونه تطرق إلى معظم الموضوعات في أعماله وطرق أكثر من باب موسيقي ليبقى معادلة فنية صعبة الاستنساخ.

بيروت: توفي نجم البوب العالمي الأميركي برنس روجر نيلسون، مساء أمس الخميس في منزله في ولاية مينيسوتا الواقعة في ضواحي مينيابوليس في شمال الولايات المتحدة.

وعن عمر يناهز الـ 57 رحل البرنس بعد تعرّضه لإنفلوانزا حادة منذ 6 أيام، وكان قد قدم حفلًا في مدينة أتلانتا في الأسبوع الفائت، رغم تدهور حالته الصحية، حيث تناقلت الأخبار أن حالته ساءت بعد الحفل وركوبه الطائرة، ثم هبط اضطراريًا في مدينة مولين في ايلينوي، حيث خضع للعلاج في مستشفى محلي، ليغادره بعدها عائدًا إلى منزله، إلا أن البرنس ألغى حفلين في الأسبوع الماضي في أتلانتا لاعتلاله بالإنفلونزا.‫‬

آخر إصداراته‬
حصد الأمير قمة نجوميته في منتصف الثمانينات، حيث أنتج العديد من الأعمال الناجحة، بما فيها الأفلام، والإعلانات التجارية، إضافة الى الألبومات الموسيقية. ولقد أطل مجددًا في السنوات الأخيرة بأعمال أكثر إبداعية.

ففي عام 2014، اصدر البرنس ألبومًا موسيقياً يحمل عنوان "Art Official Age"، وفي عام 2015 اصدر اثنين من الألبومات، "Hit n Run Phase One" and “Hit n Run Phase Two” ، وحصدت ألبوماته الكثير من النجاح، حيث جاءت متنوعة ما بين موسيقى الجاز والأر اند بي.

عمل مع الكثير من الفنانين أمثال جانيل موناي، ايسبيرينزا سبالدينغ، وإيان لا هافاس، اضافة الى جولات دائمة مع فرقته 3rd Eye Girl، وقدم في حفل توزيع جوائز غرامي في العام الماضي ألبوم “Like books and black lives” والذي يندد بحكم الأقلية الرقمية والبيروقراطية، والتي كان البرنس يتحدث عنها بإستمرار طوال حياته المهنية.‬

زاد عدد معجبين البرنس الذين اعتادوا سماع اغنياته الأسطورية القديمة، حيث ظهر في عام 2014 في قاعة ارسينيو ليقول: "عندما يكون الشخص في العشرين من عمره، يبحث دائمًا عن الحافة". 

أضاف: "يجب أن نرى إلى أي مدى يمكن دفع الأشياء، ثم نقوم بإجراء التغييرات اللازمة، فهناك الكثير من الأشياء قمت بها منذ ثلاثين عامًا، ولا أفعلها الآن، لكن هناك بعض الأشياء التي من الممكن أن أفعلها الآن".‬

قصة أغنية Pink Cashmere‬
“Pink Cashmere” هي إحدى أغنياته المشهورة التي سجلت عام 1988 في استديو بيزلي بارك الخاص به، ولقد اتسمت هذه الأغنية بالكثير من الرومانسية، خاصة في الدقائق الست الأولى منها، ويقال إنها كانت موجهة إلى الممثلة آنا غارسيا. 

وعلى الرغم من أن الأغنية لم تحصد النجاح اللازم حتى عام 1993، بعد اطلاقها ضمن ألبوم “The Hits/The B-Sides” الا أنها واحدة من أكثر الأغنيات روعة ذات إيقاع البلوز، ويتمتع البرنس بصوت فريد ذات طبقات متعددة، وكل طبقة حالة عاطفية منفصلة، ولقد ظهر هذا التفاوت واضحًا في طبقات صوته في أغنية “Pink Cashmere”.

قيل إن هذه الأغنية تجسد معطفاً وردياً فصله البرينس لآنا آنذاك، وهو مطرز باسمها على الأكمام، ولقد زيّن بـ “89” على ظهره، ولم يسبق أن شاهد أحدٌ صورةً لذلك المعطف، لكن الجميع توقع أن يكون تحفة فنية.‬

ذكريات عن البرنس‬
في تمام الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر ذاك اليوم، نحو ثمانين شخصًا يقفون خارج الجادة الأولى لنادي مينيابوليس منتظرين أغنية “purple rain”، خارج النادي يوجد جدار رسمت عليه نجوم تحوي أسماء الأعمال المختلفة. 

كما توجد مجموعة من باقات الزهور، حيث تطغى زهرة الزنبق الأرجواني، والى جانب الزهور شخص ينحني على غيتاره الأسود، اضافة الى وجود الكثير من الرجال والنساء القادمين من مكاتبهم يحملون بطاقات التعريف الخاصة بهم حول أعناقهم، ولقد كانت السماء تمطر في صباح ذاك اليوم، لكن سرعان ما توقفت الأمطار وأشرقت الشمس.‬

يقول توم ستيفيس الذي يعمل في جامعة مينيسوتا: "يبلغ البرنس من العمر سبعة وخمسين، لكنه أصغر من أمي"، ويتوسط ستيفيس الشاب ذو القامة الطويلة مع هالة من الشعر الأسود رايان طومسون، وهو طالب في الجامعة التي كان داخل أحد صفوفها عندما سمع الخبر، وميرف مورهيد، الذي كان يعمل على جهاز الكومبيوتر الخاص به.‬

اضاف ستيفيس: "انه يعني الكثير للمدينة، انه خالد في أغانيه، ومدينة مينيابوليس صغيرة بما يكفي أن تكون للجميع رواية عنه". ولقد أجمع الثلاثة على قصص أعمال البر التي كان يقوم بها البرنس.‬

يقول طومسون: "كانت صديقة أمي في المدرسة الثانوية في حفل اطلاق أغنية “purple rain”، حيث انتظرت ثلاث ساعات للإفتتاح"، وتطرق طومسون الى تصوير فيلم Little-known fact الذي اعتقد الجميع أن التصوير تم في مدينته، الا أنه فعليًا لم يكن هناك. 

ويضيف ستيفيس: "كان المكان الأول الذي عزف فيه الأغنية"، طومسون ذو الشعر الأشقر واللحية الخفيفة عمل على واحد من أشرطة الفيديو التابعة للبرينس، حيث كان يقضي حوالى سبع عشرة ساعة في اليوم للعمل عليها، وذكر حينما رأى مشهداً من الخلف كإمرأة جذابة، سرعان ما التفت حتى اكتشف أنه البرنس.‬

يقول ستيفيس إن الأمير كان يأخذ خمسين دولارًا عند الباب، وأحيانًا يغني، لكن لم يكن هناك ضمان انه سيغني، وفي بعض الأحيان يعزف أغنيتين أو ثلاث أغنيات مع الفرقة، لكن لم يفرح بها، ثم يسكت لفترة وجيزة، ليعود بعدها ويغني ويعزف لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات".‬

دموع صامتة‬
إلى جانب الشبان الثلاثة، وقفت امرأة تذرف الدموع، في حين أن الآخرين يحملون هواتفهم ويلتقطون الصور في مينيابوليس عاجزين عن الكلام، يقطع ستيفيس هذا الصمت، ويقول: "اذكر البرنس اول مرة عندما كنت مع اصدقائي طيلة الليل، وعندما جاء شروق الشمس اسرعنا الى بحيرة مينيتونكا”، “كان يوجد خط من المطر الأرجواني" يقول طومسون، وبعد ذلك أجمع الثلاثة على عبارة واحدة: "طهروا أنفسكم في مياه بحيرة مينيتونكا". ثم قالوا ربما لم يكن هذا بالضبط الخط، ولكنه كان قريبًا جدًا.‬

بعد لحظات من السكون يقول طومسون: "لقد أخبرتني سيدة في المقهى أن البرينس كان يخصص أربعين جلسة يوميًا لـ ‬"التانترا"، وهي فنّ تحويل الطَّاقة الجنسيَّة والصعود بها طبيعياً من مقام إلى مقام، حتى تتحرر من مقام الجسد‫، ليرد ستيفيس، ويقول "هناك الكثير من الشائعات عنه”، ثم عاد الجميع الى حالة الصمت.‬

لا يمكن اختصار وفاة الأسطورة بمقال أو كلمات، وسوف يتحدث الكثيرون عنه، وسوف يخرج أولئك الذين أحبوا موسيقاه، روحه، شجاعته، حكمته، غرابته، براعته ورؤيته ليتحدثوا عنه وعن أعماله الخالدة، إضافة الى حياته الخاصة وعائلته.‬