أكد سياسيون ورجال دين أن السلطات الايرانية منعت مواطنيها من أداء فريضة الحج، بعد أن تيقنت من عدم امكانها اثارة الفوضى في هذا الموسم، مشيرين الى أن تظاهرة "البراءة من المشركين" التي تريد السلطة تنظيمها خلال الموسم بدعة حتى في المذهب الشيعي.


أسامة مهدي: جاء ذلك، خلال ندوة على شبكة الانترنت، تابعتها "إيلاف"، تحت عنوان "ولاية الفقية تحظر الحج على الايرانيين"، بمشاركة كل من الشيخ الدكتور تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين سابقاً، وإمام جامع مدينة الخليل حاليًا، والدكتور بسّام العموش وزير التنمية الاردني السابق سفير الأردن في ايران سابقًا وأستاذ الشريعة في الجامعة الإردنية، وآية الله جلال جنجه ئي رئيس لجنة حرية الأديان في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، والدكتور سنابرق زاهدي رئيس لجنة القضاء في المجلس الذي نظم الندوة.

وتناولت مداخلات المشاركين عدم اهتمام النظام الايراني بأداء فريضة الحج إلا إذا استطاع متابعة سياسته الخاصة في استغلالها، وتأكيد ولاية الفقيه على امكانية حظر جميع العبادات والمناسك والطقوس الدينية من أجل الحفاظ على اسس النظام، اضافة الى امكانية وقوف الدول الاسلامية بوجه هذه الممارسات الايرانية الشاذة من قبل النظام.

النظام الايراني مصرٌّ على الاستمرار بتصدير الارهاب

استهل الدكتور زاهدي حديثه بالقول: بعد جولتين من المفاوضات، لم يقبل نظام طهران في نهاية المطاف الالتزام بالقوانين والأسس المعمول بها في أداء مناسك الحج، والتي وقعت عليها كل الدول التي يأتي منها الحجاج لأداء هذه الفريضة، وأعلن على لسان وزير الإرشاد في النظام علي جنتي، المحسوب على التيار المعتدل، بأن الإيرانيين لن يذهبوا هذا العام للحج.

واوضح أن هذا الموقف كان على الرغم من الليونة التي أبدتها المملكة العربية السعودية في التعامل مع هذا الموضوع، مشيرًا الى ان النظام الحاكم في إيران كان منذ الأعوام الأولى من سلطته ينظر إلى السعودية بأنها يجب أن تخضع لهمينة نظامه وليس سرّاً أن خميني في أهم خطاب له في حياته، أي الخطاب الذي أعلن خلاله عن قبول وقف اطلاق النار في الحرب الإيرانية العراقية في عام 1988، قال إننا ولو تصالحنا مع صدام حسين ولو تصالحنا مع إسرائيل لكننا لن نتراجع عن عداء حكومة "نجد والحجاز"، حيث لم يخفِ النظام موقفه هذا سواء في عهد خميني أو في عهد خامنئي، كما أنه في عام 1980 حاول بعض المنتمين لنظام طهران السيطرة على المسجد الحرام، وفي عام 1986 بعث هذا النظام بعديد من الحقائب المليئة بالمتفجرات في موسم الحج للقيام بالقتل والإرهاب في رحاب بيت الله الحرام. 

واشار الى انه وفي أكبر حدث من هذا النوع، فقد حاول النظام إثارة الشغب في عام 1987، ما أدى الى مقتل مئات من الحجاج من الإيرانيين وغير الإيرانيين، ففرض النظام الحظر على سفر الإيرانيين لأداء الحج لمدة ثلاث سنوات.

واوضح أن بعض قادة ما يسمى بحركة الاعتدال، والذين أصبحوا بعد ذلك من القريبين جدًا من الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، كانوا يقودون تلك المظاهرة في مكة المكرمة، وهو امر اعترف به مهدي كروبي الذي كان آنذاك امير الحجاج الإيرانيين.

واضاف زاهدي أنه نتيجة لهذه السياسات، فإن النظام الايراني وقع في عزلة اقليمية ودولية خانقة.

وتساءل: ما هو الدافع لمثل هذه المواقف الخطرة؟

يجيب: إن نظام ولاية الفقيه مبني على تصدير الإرهاب والحروب والتدخل في مختلف دول الشرق الاوسط، فلا يمكن له التراجع عن مثل هذه الخطة، أيًا كانت الظروف، لأنه يعرف جيدًا أن تراجعه عن تصدير الحروب معناه موت النظام في الداخل الإيراني، فهو ينظر إلى موسم الحج ولحضور عناصره في أيامه بأنه فرصة للتواصل مع من تبقى منهم من المسلمين، الذين لديهم جاهزية الاستقطاب من قبل النظام، وإذا لم تكن هناك هذه الإمكانية فمن الافضل التحرك نحو حظر الحج.

طهران تسعى لاستغلال الحج للفوضى

ومن جهته، قال الشيخ تيسير التميمي في مداخلته إن النظام الايراني لا علاقة له بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، وإنما يريد أن يوظّف الإسلام لتحقيق مصالحه المشكوفة والمعروفة.

وقال إن هذه الجرائم والحروب التي يحاول النظام أن يرتكبها في العراق وفي سوريا وفي اليمن وفي لبنان، وفي كثير من المناطق، تؤكد أن هذا النظام نظام شاذّ، نظام له أجندة لا علاقة لها بالإسلام، والذي يؤكد أن هذا الأمر أنه حينما أراد أن يفرض على المملكة العربية السعودية الأجندة التي يريدها في موسم الحج أي الفوضى وإشاعة عدم الاستقرار في عبادة هي ركن من أركان الإسلام.

واوضح ان السعودية تعقد اتفاقيات مع كل الدول حول ترتيبات أداء الحج، وهي تسّهل على المسلمين كافة أداء الفريضة وحينما رفضت هيئة الحج الإيرانية هذه الترتيبات على الرغم من أن السعودية أبدت ليونة في بعض المسائل في موضوع التأشيرات، وفي موضوع التمثيل الدبلوماسي، وفي كثير من الأمور، إلا أن النظام أراد أن يمنع الشعب الإيراني من أداء فريضة الحج في هذا العام لأنه يعاني من العزلة، يعاني من إجماع الأمة بكاملها على أن هذا النظام خارج عن إجماعها فيريد أن يحاول أن يخدع الأمة بأن السعودية هي التي منعت أبناء الشعب الإيراني من أداء فريضة الحج والحقيقة عكس ذلك.

واكد التميمي أن نظام طهران يريد أن يستغل فريضة الحج للترويج لإرهابه وللحروب التي يقوم بها في البلاد العربية التي قتل فيها مئات الآلاف من المسلمين في سوريا وفي العراق وفي اليمن، وأن يوظّف مناسك الحج للترويج لهذا الباطل بمسيرات وبمظاهرات وبشعارات لا علاقة لها بالإسلام.

وقال إن نظام الملالي يريد ان تسود مناسك الحج الفوضى وعدم الاستقرار.

وحمل التميمي نظام طهران وزر وإثم عدم تأدية عشرات الآلاف من أبناء الشعب الإيراني هذا العام لفريضة الحج.

نظام طهران اخترع بدعًا لأهدافه السياسية

وفي حديثه عن ممارسات النظام الإيراني وولاية الفقيه في مناسك الحج، تحدث آيـة الله جلال كنجه ئي قائلاً إن النظام الايراني يستغلّ الحج لأهداف دعائية ولإلتقاط فرائس من شبان المسلمين ليستغلّهم كخلايا للتجسس والإرهاب. 

واشار الى أن النظام ومنذ عشرات السنين أحدث بدعة في الحج ودفع الآخرين بأن يقبلوا منه بأن هذه البدعة شعيرة من شعائر الحج، حسب الفقه الشيعي، حيث اضاف الى مناسك الحج مظاهرة مشينة يسمّيها مراسم "البراءة من المشركين"، ومن له علم بالفقه الشيعي يعرف بأن فقه الشيعة بالنسبة لمراسم الحج لايختلف عمّا يعمله المسلمون كافة من الإحرام والطواف والرمي والسعي والتقصير والذبح، وما إلى ذلك.

وقال إن الشيعة كغيرهم مقتنعون بأن العبادات توقيفية لا يجوز لأحد أن يضيف على شعائر علّمنا إياها الرسول شخصياً في مراسم حجة الوداع ولكن الملالي هم الذين أحدثوا هذه البدعة.

واوضح انه خلال السنين الأخيرة وبعد تكثيف النظام في استغلال الحج لأغراض لن تقبل منه وخصوصًا البلبلة التي احدثها في السنة الماضية، ولما يطلب منه أن يترك هذا الضجيج لا يمكنه أن يقبل ويتحمل قبوله لا لغرض ديني بل لدليل سياسي.

واوضح أن التراجع عن بدعة وضعها خميني نفسه واستمر النظام على تكرارها في طول هذه المدة، فإن التراجع عنها يحتاج إلى زعيم قوي نافذ الكلمة حتى يستطيع قبول مثل ذلك التراجع، ولكن خامنئي الولي الفقيه الحالي في إيران أضعف بكثير من أن يبادر بمثل هذا التراجع. فنظام الملالي لن يتراجع لأنه لا يقدر على ذلك رغم أنه يفقد مصالحه الكثيرة وشتى استغلالاته من موسم الحج.

وشدد بالقول إن الدولة الإسلامية الوحيدة المصدّرة للإرهاب تحت مسمى تصدير الثورة بدأت تظهر عجزها عمّا تفعل ولذا أهم شيء يجب على الكل هو التعرف على هذا الضعف والاستفادة من هذه الفرصة لكبح هذا الظالم المتغطرس، الذي إذا تمكّن سيرضى بقتل الحجاج كما شاهدناه في عهد خميني، حيث قتل مئات من الحجاج الإيرانيين في مكة نفسها، ولذا الطريق الصحيح هو المقاومة حيال تصرفات النظام في أي فرصة يتمكن المسلمون أن يقاوموا مطامعه المسيئة والمشينة. 

سفراء ايران يتأمرون على البلدان التي يعملون فيها

بدوره، تحدث الدكتور بسّام العموش حول مواقف النظام الإيراني في قضية الحج قائلاً إن "الشعب الإيراني شعب مسلم وطيب.. أنا عشت بينهم ووجدت أن هذا الشعب لم يستفد من ما سمّي بثورة خميني ولا يزال الفقراء على فقرهم ولا تزال بيوت الطين على حالها والغريب لدولة مثل إيران التي تملك المقدّرات وتملك الثروات وتملك النفط وتملك البحار ومع ذلك يوجد فيها فقراء وهذا ليس بعدالة اجتماعية".

واشار الى أن هذا النظام في اللغة السياسية هو الذي تحالف مع أميركا في الدخول إلى أفغانستان، وهو يلعن أميركا في المظاهرات فهو يريد، ابتداع شعيرة في الحج وصيحات الموت لأميركا، ولكنه هو الذي دخل مع أميركا إلى العراق، وهذا النظام هو الذي وقّع في الفترة الأخيرة إتفاقية مع أميركا ومع الغرب.

واوضح أن هذا النظام التقى مع القذافي الزعيم الليبي السابق، ودعا إلى تدويل مكة والمدينة.. ما معنى تدويل مكة والمدينة؟ هو يعني أن نأتي بجنود من إيران والاردن وليبيا والمغرب ليديروا الحج! فإذا كان هؤلاء الجنود مسلحين واختلفوا ستسيل الدماء على أيدي الجنود من بلاد المسلمين. 

واكد أن المتضرر الأول في منع الحجيج الإيراني هم الشعب الإيراني المطالب بعدم السكوت عن هذه العملية، ويصرخ بوجه حكام ايران: أنتم سلبتم منا السلطة في إيران وتسلبون منا حج بيت الله الحرام؟

وشدد على ضرورة قطع العلاقات العربية مع هذا النظام، وقال: أنا مقتنع بحكم عملي سفيرًا اردنيًا في ايران من عدم وجود أي سفير عربي تآمر على إيران بينما كل سفير إيراني في كل بقاع الأرض يتآمر على البلد الذي يعمل فيه.

وقال: "نحن في الأردن وجدنا أن السفير الإيراني ما قبل السابق قد أنشأ تنظيماً مسلحاً في الأردن". 

وكانت السلطات الايرانية أعلنت في 12 من الشهر الماضي مقاطعتها لشعيرة الحج لهذا العام بذريعة رفض السعودية تلبية شروطها بشأن مواطنيها الحجاج.

وقال وزير الثقافة الإيراني علي جنتي إن "الظروف غير مهيّأة" ليؤدي الإيرانيون الحج إلى مكة المكرمة في نهاية الصيف".

لكن السلطات السعودية ردت بأن وفد شؤون الحج الإيراني رفض التوقيع على محضر اتفاق لإنهاء ترتيبات أداء مناسك هذا العام، نظراً لطلبهم السماح لحجاجهم بإقامة شعائر وطقوس خاصة بهم، وتجمعات قد تعيق حركة بقية الحجيج.

وهذه ليست المرة الاولى التي لا تقام فيها مناسك الحج للإيرانيين، فهناك واقعة عام 1987، والتي تم إلغاء الحج على إثرها عدة أعوام، عندما قام الحجاج الإيرانيون بإطلاق مراسم "البراءة من المشركين" أثناء موسم الحج في 31 يوليو من ذلك العام.

و"البراءة من المشركين" هي مراسم أو تظاهرات يقوم فيها الإيرانيون برفع شعارات سياسية بجانب أخرى مؤيدة للنظام الايراني، بالإضافة إلى رفع صور الخميني.