عمّت مشاعر الذهول والصدمة تونس يوم الجمعة بعد أن كشفت باريس هوية منفذ اعتداء نيس الذي خلّف عشرات القتلى. ونبشت الصحافة المحلية في تفاصيل حياة محمد لحويج بوهلال لتخلص إلى أنه "مدمن مخدرات"، في حين تشير تقارير الصحافة الفرنسية إلى أنه "شخصية انطوائية وانعزالية".


إسماعيل دبارة من تونس: "العربُ والمسلمون عموما سيتضررون بهذا الحادث الاجرامي، والتونسيون خصوصا سيُعاقبون". بهذه العبارات علّق محمد وهو أستاذ تعليم ثانوي، على اعتداء نيس، وذلك فور خروجه من جامع الفتح في وسط العاصمة التونسية بعد أن أدى صلاة الجمعة. متوقعا أن يكون للهجوم عواقب وخيمة على المهاجرين المسلمين في فرنسا.

الجمعة، قالت مصادر أمنية تونسية لرويترز، إن المهاجم الذي قاد شاحنة ودهس بها حشدا من الناس في مدينة نيس الفرنسية ينتمي إلى بلدة مساكن التونسية التي زارها للمرة الأخيرة قبل أربع سنوات.

وأسفر الهجوم عن مقتل 84 شخصا على الأقل والحصيلة مرجحة للارتفاع بعد أن قال الرئيس هولاند أن 50 شخصا يصارعون الموت بعد اصابتهم بجروح خطيرة.

الرجل الذي ذكرت مصادر بالشرطة الفرنسية أنه يدعى محمد لحويج بوهلال (31 عاما) لم يكن معروفا لدى السلطات التونسية بأنه يتبنى فكرا "متطرفا".

وقالت إن بوهلال متزوج وله ثلاثة أبناء. ولم تذكر المصادر إلى متى كان يقيم في تونس.

وتقع مساكن على بعد نحو عشرة كيلومترات خارج مدينة سوسة الساحلية التي شهدت بدورها حادثا ارهابيا في العام 2015.

ويقول محمد لمراسل "إيلاف": "صار حضور التونسيين في العمليات الجهادية أمرا مألوفا... فرنسا لن تصمت على هذا الوضع".

وفي مقهى قريب من جادة "الجمهورية" وسط العاصمة تونس، يقول إلياس (23 عاما) وهو طالب عاد للتو من فرنسا بعد أنهى بنجاح عامه الدراسي، إنه يتعاطف مع القتلى، وتمنى أن يكون التونسيون بعيدين كل البعد عن أعمال مماثلة.

يقول لـ"إيلاف": "لم يثبت بعد أن الهجوم وقع بخلفية دينية متطرفة، قد يكون عملا اجراميا لشخص مختل، لكنه بكل حال سيؤثر فينا كتونسيين نقيم وندرس في فرنسا".

منعزل وصامت

في نيس، جرت عملية تفتيش يوم الجمعة للمنزل المفترض لسائق الشاحنة، ووصفه جيرانه بانه رجل "منعزل" و"صامت".

السائق واسمه محمد لحويج بوهلال (31 عاما) مولود في تونس.

وقال سيباستيان لـ"فرانس برس"، وهو من سكان البناية المكونة من اربعة طوابق حيث منزل السائق ان الاخير لم تكن تظهر عليه مظاهر تطرف وكان معظم الاوقات يرتدي سروالا قصيرا.

وقالت جارته الكسيا انه تحدث اليها مرة واحدة حين اخطأ في عداد الكهرباء. 

وفي الطابق العلوي قال افراد اسرة ان السائق لم يكن يرد ابدا على التحية.

وفي الطابق الارضي قالت انان انها كانت تحتاط لهذا "الشاب الوسيم الذي كان يطيل النظر لابنتيها".

وبدأت عملية التفتيش عند الساعة 09,30 (07,30 ت غ) بحضور عدد كبير من الشرطيين من قوات النخبة مدججين بالسلاح. وحتى قبل الظهر كان خبراء من الشرطة لا يزالون في الشقة التي يفترض ان السائق كان يقطنها.

ومع منتصف النهار اغلقت الشرطة الشارع وبدا انها تفتش بمساعدة كلب مدرب شاحنة خفيفة وقد فتح باباها الخلفيان على بعد مئة متر من البناية. وسمع صوت انفجار خفيف اثناء هذه العمليات.

مدمن مخدرات؟

في تونس، لم تخلص الصحافة إلى النتيجة ذاتها ، فالتقارير تقول إن الفرنسيين كانوا ضحية "مستهلك مخدرات يستعد لتطليق زوجته ويسيء معاملتها".

ومن المعلومات التي أوردتها الصحافة المحلية، أن منفذ عملية الدهس المميتة، لم يتحصّل على الجنسية الفرنسية بعد وهو يملك وثيقة إقامة فقط هناك.

واتهمته بكونه "يتعاطى المخدرات وقد حوكم في شهر مارس الماضي في قضية اعتداء بالعنف على أحد زملائه في العمل وقد طرد إثر هذه الحادثة".

وتقول التقارير ذاتها التي لا يمكن التأكد من صحتها، أنه "متزوج وله 3 أطفال كما أن له مشاكل عائلية مع زوجته وهو على أبواب الطلاق".

السلطات التونسية لم تورد الكثير عن الموضوع في البداية، فقد قالت سفارة تونس في باريس، إنها "بصدد التثبت من المعطيات المتعلقة بهوية سائق الشاحنة الذي نفذ الهجوم الإرهابي بمدينة نيس الفرنسية، مساء أمس الخميس".

وقالت إنها"تعاملت بجدية مع المعطيات التي أوردها الإعلام الفرنسي نقلا عن مصادر أمنية، والتي أفادت بأن سائق الشاحنة تونسي الجنسية، وتعمل على التثبت من مدى صحتها مع السلطات الفرنسية قصد الإعلان عنها بطريقة رسمية".

إلى ذلك، قال ناطق باسم القضاء في تونس إنه "تم الاذن بفتح تحقيق ضد كل من يكشف عنه البحث في تورطه في القتل أو محاولة القتل وإحداث جروح أو ضرب أو غير ذلك من أنواع العنف والاضرار بالممتلكات العامة والخاصة والجرائم الارهابية، وذلك بعد ثبوت تورط شخص من أصل تونسي في الهجوم على حشد من الناس في مدينة نيس الفرنسية".

وقال القضاء التونسي إن هذا القرار "جاء طبقا للقانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الارهاب ومنع غسل الأموال".

ويجيز القانون التونسي ملاحقة مواطنين ارتكبوا أعمالا "ارهابية" خارج حدود البلاد.

إدانة رسمية 

وصفت تونس اعتداء نيس بكونه "ارهابيا وجبانا"، ودعت الى "تضامن" دولي "للقضاء على الارهاب".

من جهة اخرى، أعلنت وزارة الخارجية التونسية ان شابا تونسيا مقيما في فرنسا بين ضحايا الاعتداء.

وأعلنت الرئاسة التونسية ان الرئيس الباجي قائد السبسي بعث الجمعة برقية "تعزية وتضامن" الى نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند، وزار مقر إقامة السفير الفرنسي في تونس "للتعبير عن تضامن تونس التامّ مع فرنسا قيادة وشعبا، وإدانتها الشديدة للعملية الإرهابية الجبانة".

وفي برقية التعزية التي تلقت "إيلاف" نسخة منها، قال السبسي "تونس التي كانت نفسها هدفا لعدة اعمال ارهابية منها اعتداء سوسة (وسط شرق) المدينة (التونسية) المتوأمة مع نيس، تدين دون تحفظ العمل الهمجي".

وعبر عن اقتناعه بان فرنسا، "البلد الذي تربطنا به علاقات صداقة وتعاون قديمة وقوية، قادرة على تجاوز هذه المحنة المؤلمة".

ودعا الى توحيد جهود المجتمع الدولي "لمواجهة آفة الارهاب الذي يهدد مواطني العالم كله".

ودعا رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد في برقية تعزية الى نظيره الفرنسي مانويل فالس الى "تعزيز التعاون والتضامن على الصعيدين الاقليمي والدولي لمجابهة الارهاب والقضاء على هذه الافة".

واعلنت وزارة الخارجية التونسية "تأييدها لكل الإجراءات التي تتخذها الحكومة الفرنسية لضمان سلامة أراضيها وأمن مواطنيها وزوارها".

وقالت "تدعو تونس المجتمع الدولي بأسره للوقوف صفا واحدا لمحاربة هذه الآفة التي لا حدود إنسانية أو أخلاقية أو دينية لإجرامها".

وفي بيان اخر، أعلنت وزارة الخارجية مقتل شاب تونسي (29 عاما) مقيم في فرنسا في اعتداء نيس.

وقالت "أكدت التحريات الأولية حتى الآن وفاة المواطن التونسي المقيم في فرنسا بلال اللباوي المولود سنة 1987 وهو أصيل ولاية القصرين (وسط غرب)".

ولم تشر السلطات التونسية الى منفذ الهجوم الذي قتلته الشرطة. وقد عثرت في وقت لاحق في الشاحنة التي كان يقودها على وثائق هوية تشير الى انه فرنسي من اصل تونسي يدعى محمد لحويج بوهلال.

وانقض المهاجم ليل الخميس بشاحنة تبريد على حشود تجمعت على الكورنيش البحري في مدينة نيس للاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي، ما اسفر عن مقتل 84 شخصا على الاقل وعشرات الجرحى في حصيلة غير نهائية.