تفاقمت الخلافات بين الأزهر ووزارة الأوقاف المصرية بسبب الخطبة المكتوبة، التي رفضتها هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بينما يصر وزير الأوقاف مختار جمعة على تطبيقها. وعلمت "إيلاف" أن الأزهر يبحث تصعيد الأمر إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي.

إيلاف من القاهرة: تصاعدت أزمة الخطبة المكتوبة بين شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، ووزير الأوقاف مختار جمعة، بعد رفض هيئة كبار العلماء لها، وإصرار الوزير على تطبيقها.

وتفاقمت الأزمة بشكل واضح أمس الجمعة، بعد أن حدث ازدواجية في خطبة الجمعة، فبينما تحدث خطباء الأوقاف عن "النظافة في الإسلام" تنفيذاً لقرار الخطبة المكتوبة، تحدث خطباء الأزهر عن الوحدة الوطنية ونبذ الفتن الطائفية.

وعلمت "إيلاف" أن حالة من الغضب الشديد تسيطر على شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وهيئة كبار العلماء، بسبب تجاهل وزير الأوقاف قرار الهيئة برفض الخطبة المكتوبة، وإصراره على إلزام أئمة المساجد بها.

ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها "إيلاف" من داخل مشيخة الأزهر، فإن أعضاء هيئة كبار العلماء طالبوا شيخ الأزهر برفع الأمر إلى الرئاسة، وأن يطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالتدخل وإلزام وزير الأوقاف بتنفيذ قرار الهيئة، إحقاقاً للدستور، لاسيما أن الدستور ينص على أن " الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم . وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".

ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة، لاسيما في ظل تهديد وزير الأوقاف بفصل وعاظ الأزهر، غير الملتزمين بالخطبة المكتوبة.

الفرقة والصراعات

وظهر الخلاف بين الأزهر ووزارة الأوقاف واضحاً للعيان في خطبة الجمعة أمس، ففي الجامع الأزهر، ألقى الدكتور محمد عبد العاطي، الأستاذ في جامعة الأزهر، خطبة بعنوان "الوحدة الوطنية وحقوق المسيحيين في الإسلام"، وقال إن "الشريعة الإسلامية تدعونا دائما إلى الإحسان إلى المسيحيين"، مشيراً إلى أن "مصر وطن واحد ونسيج واحد لا يفترق فيه المسلمون والمسيحيون، وإنما هم أبناء وطن واحد يجمعهم، ولن تستطيع أي قوة أن تنال من وحدة الشعب المصري مهما حاولت من مكائد ومؤامرات".

وأضاف أن "الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالإحسان إلى أهل الكتاب، وعدم إيذائهم مطلقاً، وقال في حديثه الشريف: "من آذى ذميا فقد آذاني"، والذمي هو من أهل الكتاب الذي يسكن ديار المسلمين".

وحذر خطيب الجامع الأزهر من الالتفات أو الاستماع إلى من يحاولون نشر الفرقة الوطنية والصراعات بين أبناء الوطن الواحد من المسلمين والمسيحيين. وأشاد بالدور الذي يقوم به "بيت العائلة المصرية" التابع للأزهر الشريف وبمشاركة الكنيسة المصرية في وأد محاولات نشر الفتن الطائفية".

ودعا الأزهر الشريف الوعاظ التابعين له إلى الالتزام بموضوع الخطبة، "الوحدة الوطنية وحقوق المسيحيين في الإسلام".

وفي الوقت نفسه، ألزمت وزارة الأوقاف خطباء جميع المساجد التابعة لها، ويقدرعددها&بـ120 ألف مسجد، بقراءة خطبة الجمعة من ورقة مكتوبة، وموضوعها "النظافة سلوك حضاري"، في تحد واضح لقرار هيئة كبار العلماء، برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الذي رفض خطبة الجمعة المكتوبة، واعتبرها "تجميدا للخطاب الديني".

وألقى خطيب الجمعة في مسجد السيدة نفيسة في القاهرة، الخطبة من ورقة مكتوبة في حضور وزير الأوقاف، وبث التلفزيون المصري الرسمي الخطبة.

وقال الدكتور محمد مهنا، عضو المكتب الفني لشيخ الأزهر، إن هيئة كبار علماء الأزهر قررت بالإجماع رفض خطبة الجمعة المكتوبة، مشيراً إلى أنها تختزل الدعوة وتجمد الخطاب الديني، بحسب&وصفه.

وأضاف مهنا في تصريح له، أن الخلاف حول خطبة الجمعة المكتوبة بعيدًا عن الآراء الشرعية ويعتمد على المواءمة والمرونة، مؤكدًا ضرورة الاهتمام بضرورة تطوير الأئمة وتثقيفهم، ومواكبة الجديد، مشيراً إلى أن وزارة الأوقاف تسعى لإعداد دورات تلقينية للأئمة والدعاة، وتزويدهم بالمراجع الفقهية، مشيرًا إلى أنه يجب بناء دعاة مؤهلين ومثقفين في إطار عملية مستمرة.

وذكر أن الأزهر هو المسؤول عن الدعوة في مصر بنص الدستور، مضيفًا أن الدعوة ليست وظيفة، ولكنها رسالة.

تنافس&

ووفقاً لوجهة نظرالباحث في شؤون الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، عمرو عزت، فإن الخلاف بين الأزهر والأوقاف يأتي على "خلفية من التوتر" والتنافس بين الجهتين على إدارة السيطرة على المجال الديني في مصر.

وأضاف في دراسة له أن "شيخ الأزهر له السطوة والمكانة العلمية والتاريخية، بينما تقع السيطرة على المجال الديني فعليًا وإداريًا بين يدي وزارة الأوقاف"، مشيراً إلى أن الخلاف يعود إلى مشاركة شيخ الأزهر أحمد الطيب بشكل فعال ورئيس في تحالف 30 يونيو الذي أسقط الرئيس الأسبق محمد مرسي، وفتح المجال لخطط الطيب لإحكام السيطرة على المجال الديني بعد زوال حكم الإخوان المسلمين.

وتابع عزت: "كان جمعة (وزير الأوقاف) يعمل في المكتب الفني لـ(أحمد) الطيب (شيخ الأزهر)، وهو الذي رشحه لتولي حقيبة الأوقاف التي ظل فيها جمعة من يوليو 2013 حتى الآن، إلا أن المنافسة بين جمعة والطيب اشتدت بعد ذلك".

ولفت إلى أن "توحيد موضوع خطبة الجمعة - من بين خطوات أخرى عديدة- إحدى أهم وسائل الوزارة للسيطرة على المجال الديني في مصر، خاصة مع إصرار الوزارة على إلزام كل إمام بإلقاء خطبة الجمعة في مسجد واحد فقط ومنع الأئمة من الخطابة في مساجد أخرى، وهو ما سرى أيضًا على الوعاظ".

وحسب وجهة نظر الباحث في شؤون الدين والمعتقد، فإن "ربما تكون طبيعة التركيبة السياسية للأزهريين وتنوع انتماءاتهم الفكرية سببًا مباشرًا لعدم ثقة الدولة فيهم، بالمقارنة بأئمة الأوقاف الذين تسيطر عليهم الوزارة إداريًا. فعلى العكس من التقدير العلني للدولة لمكانة الأزهر كمنبر للوسطية الإسلامية وحاجتها لدعم الطيب للمسار السياسي بعد 30 يونيو، إلا أن هيئة كبار العلماء وعلى رأسها الطيب ربما لا تمثل الغالبية العظمى لجموع الأزهريين". ويوضح عزت: "هيئة كبار العلماء فئة قليلة جدا من الأزهريين الذين يتم انتقاؤهم بعناية، بينما تنتمي جموع الأزهريين للمذاهب السلفية والإخوانية المختلفة، والبعض منهم له مواقف معارضة لتوجهات الأزهر بشكل عام وبالتالي فهم غير موالين للدولة أو للنخبة الحاكمة داخل الأزهر".
&