يمثل 17 من الصحفيين ومديري التحرير في صحيفة جمهوريت التركية المعارضة للمحاكمة اليوم الإثنين، بتهمة تقديم المساعدة لمنظمة إرهابية.

وإذا أدين المتهمون هذا الأسبوع، فإن الصحفيين يمكن أن يواجهوا أحكاما قد تصل إلى السجن 43 عاما. وهناك بالفعل عشرة منهم محتجزون لنحو تسعة أشهر قبل المحاكمة.

وأطلق حشد كبير من مؤيدي الصحفيين بالونات خارج قاعة المحكمة، وطالبوا بإطلاق سراحهم.

وشهدت القاعة حالة من الفوضى فور دخول أنصار الصحفيين مع بدء المحاكمة.

وأحد الصحفيين الذين يمثلون للمحاكمة اليوم هو تورهان غوناي (71 عاما)، رئيس تحرير ملحق الكتب التابع للصحيفة.

وتقول ابنته، وتُدعى ايليف، والتي يُسمح لها بزيارته مرة في الأسبوع لمدة ساعة فقط: "لا يمكنني أن ألمس (والدي)، ولا يمكنني أن أعانقه."

وتضيف: "نتحدث عبر الهاتف خلف حاجز زجاجي، وحينما ينتهي الوقت يقطعون الاتصال."

إيليف غوناي (وسط الصورة) ابنة أحد الصحفيين المسجونين في تركيا
BBC
إيليف غوناي (وسط الصورة) تقول إنها لا تفهم سبب سجن والدها الصحفي في جريدة جمهوريت

وتابعت: "إنه من المُحبط جدا قطع الاتصال (الهاتفي بوالدها) كل أسبوع."

وأوضحت أن والدها عانى من العديد من المشكلات الصحية، من بينها تصلب الشرايين، وخضع بعدها لعملية جراحية.

وقالت: "لكن حتى هذا لم يكن كافيا لإطلاق سراحه بكفالة."

وأشارت إلى أنها لا تعرف حتى الآن سبب سجن والدها.

وقالت: "كل ما أستطيع قوله هو أن هذه قضية سياسية. إنهم محتجزون لكونهم صحفيين، لأنهم يؤدون مهمتهم."

اقرأ أيضا: الشرطة التركية تعتقل رئيس تحرير صحيفة جمهوريت المعارضة

وأحيت تركيا قبل أيام الذكرى السنوية الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشلة، وشارك الآلاف في احتفالات كبيرة، معتبرين هذا اليوم انتصارا للديمقراطية في البلاد.

لكن المعارضين يرون أن هذا اليوم وفرض حالة الطوارئ بعدها بقليل يمثلان بالفعل بداية لحملة قمع ضخمة، وذلك بعد اعتقال أكثر من 50 ألف شخص في العام الماضي.

وتقول منظمات الدفاع عن حرية الصحافة إن وسائل الإعلام تضررت بشكل خاص خلال هذه الفترة، إذ جرى إغلاق نحو 150 وسيلة إعلامية في تركيا.

وتوصف تركيا حاليا بأنها البلد الذي يوجد فيه أكبر عدد من الصحفيين المسجونين، إذ تقول المنظمات المعنية بحرية الصحافة أن عدد الصحفيين المعتقلين يزيد على 150 صحفيا، ويواجه أغلبهم تهما تتعلق بالإرهاب.

لكن الحكومة التركية تنفي صحة هذا الرقم.

أنصار الصحفيين في جريدة جمهوريت المسجونين في تركيا
BBC
الصحفيون في جمهوريت يواجهون تهما، من بينها إعداد "أخبار تحرض على العنف وتُثير الانقسام"

وأكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في مقابلة مع بي بي سي في وقت سابق من هذا الشهر أنه لا يوجد سوى صحفيين اثنين محتجزين في البلاد.

وقال: "باقي (المسجونين) هم إرهابيون، أو حملوا السلاح، أو سرقوا ماكينات الصرف الآلي."

وأول المتهمين في هذا المحاكمة التي تبدأ اليوم الاثنين يُدعى كان دوندار، رئيس التحرير السابق لصحيفة جمهوريت.

وكانت محكمة قد قضت بسجن دوندار ثلاثة أشهر العام الماضي، بتهمة التجسس في قضية أخرى، لكن أطلق سراحه بكفالة، وهو يعيش الآن في المنفى في ألمانيا.

اقرأ أيضا: النيابة العامة في تركيا تطلب سجن صحفيين لمدد تصل إلى 43 عاما

وقال دوندار لبي بي سي عبر برنامج سكايب للمحادثة الفورية: "أتساءل عن هوية الصحفيين الاثنين اللذين يتحدث عنهما السيد أردوغان."

وأكد دوندار أيضا أن عدد الصحفيين المسجونين أكثر من 150 شخصا.

وأضاف بأن "السيد أردوغان يكره الانتقاد."

وتابع: "إنه يعتبر كل انتقاد إهانة له أو فعل إرهابي. إننا نعلم أن جميع هؤلاء الأشخاص صحفيون، وأنهم لم يفعلوا شيئا سوى ممارسة الصحافة".

كان دوندار رئيس التحرير السابق لصحيفة جمهوريت.
Getty Images
سُجن كان دوندار في تركيا، ونجا من محاولة اغتيال أثناء محاكمته، ويعيش الآن في المنفى في ألمانيا

"واحدة من آخر قلاع الحرية"

تشمل لائحة الاتهام ضد صحيفة جمهوريت اتهامات من بينها "تغيير السياسة التحريرية للصحيفة"، وإعداد "أخبار تحرض على العنف وتثير الانقسام"، و"إجراء مقابلات مع قادة منظمات إرهابية".

وقال محامي الدفاع عادل ديميرشي: "هذا أمر غريب (الاتهامات)، إنه أمر سخيف."

وأضاف: "هذه قضية سياسية بشكل واضح. إنهم يستهدفون جمهوريت لأنها صحيفة معارضة."

وأعربت زينب أورال، رئيسة منظمة "بي إي إن تركيا" للدفاع عن حرية الصحفيين، عن اعتقادها بأن وضع الصحافة في البلد في أسوأ حالاته منذ عقود.

وقالت: "إنك لا تعلم أيضا ما الذي سيحدث غدا."

وأضافت: "أي شخص يمكن أن يزج بأي شخص في السجن هذه الأيام، لكن حتى إذا سُجن صحفي واحد بلا سبب، فلن يكون هناك أحد حر في هذا البلد".

وسيراقب الصحفيون ونشطاء حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم عن كثب إجراءات محاكمة الصحفيين في جريدة جمهوريت، ومن المتوقع أن تستمع جلسات المحاكمة طوال أيام الأسبوع الحالي.

ويرى دوندار أن ما ستؤول إليه هذه القضية يمكن أن يكون مؤشرا على الطريق الذي ستسلكه تركيا في المستقبل القريب.

وقال إن "جمهوريت واحدة من آخر قلاع الإعلام الحر في تركيا."

وأضاف: "إذا خسرنا هذه القلعة الأخيرة، فلن يكون هناك المزيد حرية الصحافة في بلدنا".