دمشق: بعد طول انتظار، يجلس أبو عبدو بحماس خلف مقود قاطرة لينطلق في أول جولة تجريبية لاختبار السكة الحديدية في جنوب دمشق بعد تأهيلها، إيذاناً بإعادة العمل في قطارات العاصمة المتوقفة منذ سنوات النزاع الأولى.

ومع تحول حركة الاحتجاجات في سوريا إلى نزاع مسلح في العام 2012 وتوسع دائرة المعارك وامتدادها إلى غالبية المناطق السورية، توقفت خطوط السكة الحديدية التي كانت تربط بين كافة المحافظات السورية عن العمل. وأعيد تشغيل بعضها تدريجياً خصوصاً في المناطق الأكثر أمناً.

يقوم أبو عبدو (42 عاماً) بزيه الأزرق الموحد لعمال السكة الحديدية، بتنظيف الزجاج أمامه بانتظار &الضوء الأخضر من المهندس المسؤول عن عمليات التأهيل للانطلاق. وفور حصوله عليه الضوء الأخضر، يباشر رحلته الأولى.

ويقول لوكالة فرانس برس بفرح "أنتظر هذا اليوم منذ ست سنوات".&

بعد توقف السكة الحديدية في دمشق، جرى نقل أبو عبدو للعمل في مديرية النقل لكنه لم يستمتع بوظيفته الجديدة. ويوضح "لم يكن لدي عمل واضح في مديرية النقل وقد اعتدت العمل مع القطارات (...) الآن فقط أشعر وكأننا عدنا إلى فترة ما قبل الحرب".

وتوقف العمل في محطة القدم الأساسية مع وصول المعارك إلى حي القدم في جنوب العاصمة وسيطرة الفصائل المعارضة ثم تنظيم الدولة الإسلامية عليه. وتمكن الجيش السوري في أيار/مايو من استعادة السيطرة على كافة أحياء دمشق ومحيطها.

وسرّعت وزارة النقل عمليات تأهيل السكك بين محطة القدم ومدينة المعارض في ضاحية دمشق الجنوبية، لاستخدامه في عملية نقل المواطنين الى معرض دمشق الدولي الذي تم افتتاحه السبت في مدينة المعارض على أطراف دمشق.

ويتم يومياً تسيير 28 رحلة قطار إلى المعرض، وفق وما أوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

"وصل الحدود بالحدود"

منذ اندلاعه في العام 2011، تسبب النزاع في سوريا بدمار هائل في البنى التحتية من شبكات مياه وكهرباء ومدارس ومستشفيات. كما ألحق أضراراً بالغة بمرافق ومنشآت عامة خصوصاً في المناطق التي شهدت معارك طاحنة. وقدرت الامم المتحدة كلفة الدمار بنحو 400 مليار دولار.

وتهدف الحكومة السورية إلى إصلاح حوالى 1800 كيلومتر من أصل كامل خط السكة الحديدية في البلاد والبالغ طوله 2450 كيلومتراً، وفق المكتب الإعلامي لوزارة النقل.

وتعمل السكة الحديد حالياً بشكل أساسي في المنطقة الساحلية، بين اللاذقية وطرطوس، التي بقيت بمنأى نسبيا عن النزاع في سوريا. كما أعيد العمل بها في مدينة حلب وصولاً إلى ضاحية جبرين القريبة منها.&

وأعدّت وزارة النقل السورية خطة اطلعت فرانس برس على نسخة منها، تتضمن إعادة تأهيل السكة بين دمشق وحمص من جهة، وحمص وحلب من جهة ثانية، فضلاً عن إعادة وصل الساحل السوري بدير الزور في أقصى شرق البلاد.

ومن مكتبه في دمشق، يوضح وزير النقل علي حمود لفرانس برس "سيكون للسكك الحديدية الدور الأساسي في مرحلة إعادة الإعمار، كونها تنقل البضائع بأحجام كبيرة، وبسرعة كبيرة وكلفة أقل".

ينظر حمود إلى خريطة أمامه، ويشير إلى الحدود التركية شمالاً والأردنية جنوباً، ويقول "الخطة هي وصل الموانئ السوريّة بدول الجوار". ويضيف "نحن نافذة الخليج والأردن والعراق على البحر المتوسّط (...) سنُعيد وصل الحدود بالحدود".

وخلال العامين الماضيين، استعاد الجيش السوري بدعم روسي مناطق واسعة في البلاد، كان آخرها الجنوب السوري وكامل الحدود مع الأردن حيث يقع معبر نصيب الذي كان يصل تركيا ولبنان عبر سوريا بالأردن ودول الخليج.

"نسابق الزمن"

تشدد دمشق على أن "إعادة الإعمار هي أولى الأولويات في سوريا" حيث تسبب النزاع بمقتل أكثر من 350 ألف شخص وبنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

في إحدى المحطات المؤدية من القدم إلى مدينة المعارض جنوب دمشق، انهمك عمال قبل أيام بوضع اللمسات الأخيرة على السكة الحديدية بإشراف من مدير الخطوط الحديدية في العاصمة رضوان تكريتي.

ويقول تكريتي (58 عاماً) وقد لفّ رأسه بقطعة قماش تقيه حرارة الشمس، "باتت مرحلة إعادة الإعمار على الأبواب، ونحن نسابق الزمن لكي نُعيد تأهيل السكة الحديدية التي سُرقت أجزاء منها، وتخربت أجزاء أخرى بفعل الحرب".

ويضيف "كلنا شوق لسماع صوت حركة القطارات يصدح من جديد هنا وهناك".

يعمل التكريتي في هذا القطاع منذ ثلاثين عاماً، هو الذي نزح من حي القدم الدمشقي في بداية العام 2013 بعدما وصلت المعارك إليه.&

ويقول "لديّ حلمٌ بأن أعود إلى منزلي وتعود محطة القدم إلى سابق عهدها، لتصل بين كل المحافظات السورية (...) ولنساهم في إيصال كافة المواد اللازمة لإعادة الإعمار إلى كل المناطق التي طالها الدمار".

ويضيف "نعمل على إعادة وصل المدن السورية ببعضها البعض".