تجتمع إيميل رسول أوغلو مع صديقاتها مرة كل شهر حول مائدة طعام تركية تقليدية تضم ورق عنب محشو، فطيرة جبن، وتبولة، مع إبريق شاي ساخن. وتحصل واحدة من المجموعة على مبلغ صغير من المال أو حتى على قطعة نقود ذهبية.
تعتز تركيا بتقاليدها، ولكن تخلق إحدى هذه العادات شعورا بأنها تعيق تقدم البلاد اقتصاديا واجتماعيا؛ فالنساء لا يعملن ودورهن يقدم على أنه محصور في أعمال المنزل.
تقول السيدة رسول أوغلو وهي تضع على الطاولة قالب حلوى انتهت للتو من خبزه: "لم يسمح لي والدي بالالتحاق بالجامعة رغم أني حصّلت مقعدا فيها. لذا، لم أستطع العمل .. تزوجت وأنجبت وأنا في عمر الـ 21.. أندم لأني لم أتعلم".
وتضيف: "بعض النساء هنا في تركيا لا يستطعن إيجاد فرص عمل، وأخريات تزوجن باكرا.. إنها عقلية بالية".
وتعمل في تركيا 34 بالمئة من النساء فقط.
"ناقصات"
يقول منتقدو الرئيس رجب طيب أردوغان إن خطابه يؤدي إلى تزايد الوضع سوءا؛ ففي مسيرة حاشدة قبل عامين وصف الرئيس التركي النساء اللاتي لسن أمهات بالـ "ناقصات". وكان قبلها قد حث الأمهات على إنجاب ثلاثة أطفال على الأقل، واعتبر تنظيم النسل "خيانة".
وفي مؤشر عدم المساواة بين الجنسين، تحتل تركيا المركز 130 من أصل 144 بلدا؛ ويستند هذا المؤشر الذي يعتمده المنتدى الاقتصادي العالمي على مدى إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية، والتعليم، والتمكين السياسي والاقتصادي.
لكن رافزا كافاكي كان، وهي عضو برلمان في الحزب الحاكم، تقول إن الحكومة قامت بتحرير النساء المحافظات عبر إلغاء قرار قديم نص على منع ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة.
وتوضح: "تمكن هذه الخطوة النساء المحجبات من العمل والتعليم.. لكن هذه السياسات تحتاج وقتا لتنفذ فعليا على أرض الواقع".
وعند سؤالها عن مدى أحقية رئيس البلاد أن يحدد للنساء عدد الأطفال الذين ينبغي عليهن إنجابه، تقول: "باعتباره رئيسا، يفكر (أردوغان) بمستقبل مجتمعنا.. تعاني تركيا من شيخوخة سكانية لذا فنحن نحتاج عددا أكبر من الشباب. لذا فوجهة نظره متعلقة بالوضع الديموغرافي".
وتعليقا على حقيقة أنه لا يوجد في الحكومة سوى امرأتان فقط تحملان حقائب وزارية في تركيا، تعلق رافزا كان: "لقد أحرزنا تقدما .. لكن الطريق لايزال طويلا مثل غيرنا من الدول".
وتوصلت دراسة إلى أن مشاركة النساء التركيات في الاقتصاد يمكن له أن يزيد الناتج الاقتصادي بنسبة 20 بالمئة مع حلول عام 2025.
ولتحقيق هذا الهدف، يقدم البنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار دعما ماديا لـ 15 ألف امرأة من رائدات الأعمال في تركيا.
من بين هذه النساء آينور غوموسوي من إحدى قرى أنقرة.
قبل عشرين عاما، تركت آينور عملها في بيع المنتجات الغذائية على طاولة في الشارع وافتتحت مخبزها الخاص الذي تبيع فيه أيضا معلبات وتقدم طعام الإفطار - وكان هذا النوع من العمل مقتصرا على الرجال.
وتقول: "كان الأمر صعبا فعلا عندما بدأت.. كان الناس يعبسون في وجوه النساء العاملات.. حتى أن والدي كانا خجلين مني نوعا ما. لكنني الآن أصبحت قدوة للأخريات".
"رسالتي للنساء هي أنه يجب أن يكن جريئات وأن يركزن على المستقبل.. لو كنت قد خسرت إيماني بما أفعل، لما كنت هنا اليوم".
لكن آينور لا تزال تعد "استثناء" بالنسبة لكثيرين في البلد.
"نساء أكثر شجاعة"
إن العادات السائدة اليوم تتجه نحو مزيد من الأبوية في المجتمع، حيث تزداد قوة القيم والدين، كما أن ثقافة قمع الإناث تسيرا يدا بيد مع ارتفاع معدلات العنف المنزلي.
وتعاني نحو 40 بالمئة من النساء في تركيا من الاعتداء الجسدي؛ وتموت نحو 300 - 400 امرأة في العام جراء ذلك.
وتشير احصاءات رسمية إلى أن الابلاغ عن العنف المنزلي قد ازداد بنسبة 1400 بالمئة مابين عامي 2003 و 2010. وتقول الحكومة إن النساء قد أصبحن أكثر شجاعة للإفصاح عن هذا الأمر.
في إحدى ليالي اسطنبول الباردة، سارت نحو 200 متظاهرة في منطقة بشكتاش العلمانية وهن يرردن هتافات تدعو للمساواة بين الجنسين.
"استقلال مادي"
تقول الناشطة فريدة ايرالب إن إبقاء النساء حبيسات المنازل هو عامل بارز في ازدياد العنف الأسري.
وتوضح: "إن حقيقة عدم امتلاك النساء الحرية الاقتصادية هي واحدة من الأسباب الرئيسية لعدم تمكنهن من التخلص من العنف في حياتهن. إنهن يجبرن على البقاء مع أزواج عنيفين لأنهن معتمدات اقتصاديا عليهم".
"لابد من تغيير هذه العقلية. هناك وجهة نظر ترى أن النساء غير مساويات للرجال بالطبيعة، وأن مكانهن هو ضمن العائلة ويتوقع منهن أن يكن زوجات وبنات فقط"، تضيف فريدة.
التعليقات