برلين: بدت أنغيلا ميركل البالغة من العمر 63 عاما قضت منها 12 في السلطة، لفترة طويلة مستشارة ألمانيا الدائمة، لكنها تظهر اليوم في موقع متزعزع إذ تشارف على ولايتها الرابعة في الحكم، وقد أضعفتها أزمة المهاجرين وخمسة أشهر من المراوحة السياسية.

وقالت الرئيسة المعينة للحزب الاشتراكي الديموقراطي أندريا ناليس أخيرا متهكمة أن "غسق الآلهة" يهبط على ميركل، ولو أن ناشطي الحزب وافقوا الأحد في عملية اقتراع داخلي على التحالف الحكومي الجديد مع المستشارة المحافظة.

من جهته، أعلن رئيس الحزب الليبرالي المعارض كريستيان ليندنر "لنكن واضحين، بعد 12 عاما، وصل نهج ميركل إلى نهاية صلاحيته". لا تجري الأمور منذ الخريف مثلما هو متوقع بالنسبة الى المستشارة، بدءا بعائلتها السياسية المحافظة التي سجلت خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة أدنى نتيجة لها تاريخيا، مع انتقال قسم من ناخبيها للتصويت لصالح أحزاب معادية لسياسة الهجرة السخية التي اعتمدتها ميركل، ولا سيما اليمين المتطرف والحزب الليبرالي.

باتت حقبة ما بعد ميركل مطروحة للنقاش. وإزاء ضغوط المعارضين من داخل حزبها الاتحاد المسيحي الديموقراطي، اضطرت إلى الشروع في إعداد خلافتها، فعينت مقربة منها هي أنيغريت كرامب كارنباور في موقع المسؤولة الثانية في الحزب المكلفة "تجديد" الاتحاد.

يبقى السؤال مطروحا عما إذا كانت عملية الانتقال ستحصل عند انتهاء ولاية ميركل المقبلة في نهاية 2021 أو قبل ذلك، ولا تستبعد بعض وسائل الإعلام الألمانية رحيل ميركل بعد عامين فقط من ولايتها.

حصلت نقطة التحول في خريف 2015، عندما قررت ميركل فتح أبواب بلادها أمام مئات آلاف طالبي اللجوء. ورغم مخاوف الرأي العام، وعدت بدمج الوافدين الجدد وحمايتهم مؤكدة "سنتمكن من تحقيق ذلك".

لم تكن ميركل الحائزة دكتوراه في الكيمياء ولا تزال تحمل اسم زوجها الأول، أقدمت على أي مجازفة سياسية من قبل، ولطالما حرصت على صورتها كامرأة حذرة بل حتى باردة، بسيطة بعيدا عن أي تعقيدات، تهوى الأوبرا والتنزه في الطبيعة.

نازية أو أم تيريزا؟ 
وفي سعيها الى تبرير قرارها التاريخي باستقبال المهاجرين الذي اتخذته بدون التشاور مع شركائها الأوروبيين، تستشهد ميركل بانتظام بـ"القيم المسيحية".

تستمد هذا الخطاب من والدها الذي كان قسا شديد الالتزام، انتقل طوعا مع عائلته للعيش في ألمانيا الشرقية الشيوعية والملحدة ليبشر فيها بالإيمان المسيحي. نشأت ميركل هناك حيث تأقلمت مع النظام من دون أن تفقد إيمانها.

وفي نهاية 2015، أثارت المستشارة مشاعر العالم بنشر صور مؤثرة التقطت لها مع مهاجرين ممتنين لها لاستقبالهم، فتحولت ميركل من "نازية" مثلما وصفها البعض بسبب تشددها المالي تجاه اليونان، إلى "أم تيريزا" حيال اللاجئين. وبعد عام، وفي أعقاب زلزال فوز دونالد ترامب بالرئاسة في الولايات المتحدة، أجمع السياسيون ووسائل الإعلام على تتويجها "زعيمة العالم الحر".

غير أن الأمور تبدلت بعد ذلك، فأزمة الهجرة باتت تثير الكثير من القلق، وتنامى الخوف من الإسلام ومن الاعتداءات، وانصرف قسم من الناخبين المحافظين إلى حركة "البديل لألمانيا" اليمينية المتطرفة. وفي سبتمبر 2017، حقق "البديل لألمانيا" اختراقا تاريخيا أدخله إلى البرلمان، مسقطا بذلك أحد محرمات ما بعد الحرب.

تعززت صورة البرودة الملازمة لميركل لدى الرأي العام في ديسمبر حين تبين أنها لم تقدم تعازيها الى عائلات ضحايا الاعتداء صدما بشاحنة الذي وقع في نهاية 2016 في برلين، وكان منفذه طالب لجوء من تنظيم الدولة الإسلامية. وأدت سياسة الهجرة هذه إلى إضعاف موقع ميركل في أوروبا أيضا. ورد بعض شركائها الأوروبيين على رفضها "تقاسم أعباء الديون"، برفض "تقاسم" توزيع المهاجرين.

يبرز الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون حاليا في موقع القوة المحركة للاتحاد الأوروبي، في مواجهة تراجع شعبية المستشارة.

الطفلة"
غير أن ميركل تحتفظ دائما بأوراق تمكنها من النهوض بعد كل انتكاسة. الا انها ما تزال سياسية فريدة ومخيفة، قلل كبار شخصيات ألمانيا المعاصرة جميعهم تقريبا من تقديرهم لها، بدءا بالمستشار هلموت كول الذي ساعد "الطفلة" كما كان يلقبها على ارتقاء سلم القيادة في الحزب.

وفي العام 2000، اغتنمت فضيحة مالية داخل حزبها لتستلم زمام قيادته، متجاوزة جميع الرجال الأرفع منها مرتبة في صفوفه.

وفي 18 سبتمبر 2005، انتزعت انتصارا انتخابيا بفارق ضئيل في مواجهة المستشار الاشتراكي الديموقراطي غيرهارد شرودر الذي لم يسعه تصديق الأمر فأعلن ذلك المساء على التلفزيون أن "الخاسرة الحقيقية هي السيدة ميركل".

ومن سخرية التاريخ أنها استفادت إلى حد بعيد من الإصلاحات الاقتصادية التي حققها سلفها. ويرى خصومها أن قرارها الحقيقي الوحيد للمستقبل القاضي بالخروج من النووي الذي أعلنته عام 2011 بعد كارثة فوكوشيما في اليابان، اتخذته لتهدئة مخاوف رأي عام كان تحت وقع الصدمة.