باريس: محمد رضا بهلوي آخر شاه في إيران، الذي لقب ب"ملك الملوك"، فر من بلده قبل أربعين عاما تحت ضغط احتجاجات هائلة في الشوارع، بعد 37 عاما على اعتلائه العرش.

&غادر شاه إيران وزوجته فرح ديبا بلده في 16 يناير 1979، منهيًا بذلك ليس حكمه فقط بل نظام حكم ملكي امتد 2500 عام في إيران التي بات يحكمها نظام اسلامي حتى الآن.

وتوفي الشاه بعد 18 شهرا فقط عن ستين عاما بعد إصابته بالسرطان، مكسورا وبلا وطن بينما رفضت حليفته السابقة الولايات المتحدة منحه اللجوء.

جزيرة استقرار
عرف محمد رضا بهلوي باستبداديته وتكبره وتبذيره، وكذلك بسعيه إلى التحديث. وقد بدأ الشاه زير النساء عهده ابنا مدللا للولايات المتحدة التي أعدته ليلعب دور الحارس في الشرق الأوسط في وجه الاتحاد السوفياتي.&

قبل عام واحد فقط على اندلاع الثورة الإسلامية في 1979، قال الرئيس الأميركي جيمي كارتر إن "القيادة العظيمة للشاه" جعلت من إيران "جزيرة استقرار في واحد من أكثر مناطق العالم اضطرابا".

استمتع بهلوي بكل الامتيازات التي تؤمنها له حياته الملكية معتقدا أن نجاته من محاولتي اغتيال هو دليل على رسالته الإلهية.

لكن مع مرور الوقت، ساهم أسلوبه ألقرب الى الغرب وإصلاحاته وسلوكه الاستبدادي وطريقة حياته المترفة في خلق فجوة بينه وبين الإيرانيين، وأثار حفيظة رجال الدين المحافظين الذين قادوا لاحقا الثورة التي دفعته إلى الفرار.

تخلي والده عن العرش&
كان محمد رضا يبلغ من العمر 21 عامًا فقط عندما اعتلى العرش في 16 سبتمبر 1941 خلفا لوالده رضا خان الذي أجبر على التنازل عن العرش عقب اجتياح بريطانيا والاتحاد السوفياتي أراضي البلاد لأنهما لم يكونا راضيين عن موقفه المحايد في معركتهما ضد الألمان في الحرب العالمية الثانية.&

في البداية، ظهر محمد رضا بهلوي الذي ولد في 26 اكتوبر 1919 وتلقى تعليمه في سويسرا، أشبه بنسخة باهتة عن والده العسكري القوي.&

لم يبدأ الشاه الجديد في ترسيخ سلطة حقيقية إلا بعد 12 عاما بعد انقلاب دعمته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) ضد رئيس الحكومة محمد مصدق الذي قام بتأميم قطاع صناعة النفط.&

إصلاحات لتحديث البلاد&
في إطار عزمه الدفع بإيران نحو الحداثة، أطلق برامج تعليمية وإصلاحية واسعة، بينما استقبل قادة من العالم ببزته المشابهة لزي نابليون بونابرت.&

وقد ساهم في رفع أسعار النفط العالمية مطلع سبعينات القرن الماضي، وأنفق المليارات التي درها ذلك على مشاريع للطاقة النووية ومعدات عسكرية جديدة. وباعتباره طيارا، تم تخصيص جزء كبير من هذه الأموال لسلاح الجو.&

في تلك الفترة كان الشاه متزوجا من ثريا اسفندياري بختياري بعدما طلّق زوجته الأولى الأميرة فوزية شقيقة ملك مصر فاروق، بعدما رزقا بابنة لكنها لم تنجب ذكورا. في 1958، طلّق الأميرة ثريا كذلك لعدم إنجابها وريثا له. أما فرح ديبا التي تزوجها في 1959، فأنجبت ابنين وابنتين.&

يرجع كثيرون بداية سقوط الشاه إلى العام 1963 عندما طبق "الثورة البيضاء"، وهي برامج إصلاح واسعة النطاق تركزت على الزراعة وأقصت النخبة التقليدية المالكة للأراضي وحلفائها من رجال الدين الذين عارضوا بشدة كذلك قرار منح النساء حق التصويت.&

في العام التالي، نفى الزعيم الديني الشيعي روح الله الخميني الذي هاجم ما اعتبره خضوع الشاه للغرب. ولمع نجم الخميني في المنفى ليتحول لاحقا إلى قائد للثورة الإسلامية التي أطاحت ببهلوي.&

واصطفت كبرى القوى الاقتصادية في طهران للاستفادة من الطفرة النفطية، متجاهلة النزعة الاستبدادية للشاه الذي حظر أحزاب المعارضة واعتمد إلى أبعد حد على جهاز استخباراته المخيف "السافاك".

وبسبب غضبه من انتقادات الولايات المتحدة لسجله في حقوق الإنسان، تقارب الشاهة مع الاتحاد السوفياتي والصين، فيما أطلق شراكة اقتصادية مع أوروبا وخصوصا فرنسا.&

ملك الملوك
داخليا، ازدادت الانتقادات لبذخ الشاه الملياردير والثروات التي تنعمت بها الأوساط الملكية. وفي مراسم تتويج جرت في 1967، منح الشاه لقب "ملك الملوك" (شاهنشاه) التقليدي، بعد حصوله قبل عامين على لقب "نور الآريين".

قوبلت حفلة غير مسبوقة في بذخها أقامها احتفالا بالذكرى الـ2500 لتأسيس الإمبراطورية الفارسية عام 1971 بانتقادات من رجال الدين المعارضين له وحتى من أعضاء تياره اليساري. وبدأت سلطة الشاه بالتآكل في يناير 1978 بعدما أجبرت صحيفة على نشر مقال ينتقد الخميني.&

أثار المقال تظاهرات من قبل طلبة الحوزات الدينية، قمعت بعنف قبل أن تؤدي التجمعات لتكريم الضحايا إلى دوامة من الاحتجاجات التي كبرت خلال العام.

وازدادت الشكوك وحالة العزلة لدى الشاه الذي لم يتمكن من فهم السبب الذي دفع شعبه إلى عدم تقدير جهوده في تحديث البلاد. وجاءت محاولته الأخيرة لوضع حد للانتفاضة بالاعتذار عن اخطائه وإلغاء العديد من الاجراءات القمعية، متأخرة للغاية ولم تؤد سوى الى تأجيج الاحتجاجات.&

بعد أشهر من الاضطرابات، دعت الولايات المتحدة الشاه الى مغادرة البلاد ليقضي بقية حياته في منفاه في مصر.&
&