بيروت: بدأ رئيس الحكومة المكلف حسان دياب السبت استشارات مع الكتل النيابية لتشكيل حكومة جديدة في لبنان الذي يشهد إنهيارًا اقتصاديًا بالتزامن مع قطع طرق عدة وغداة صدامات بين محتجين على تكليفه والقوى الأمنية.

لا يعني تكليف رئيس للحكومة أن ولادتها ستكون سهلة في بلد يحتاج أحيانًا أشهرًا عدة للتوافق على تقاسم الحصص بين مكوناته، ولا تجمع القوى السياسية فيه حاليًا على شكل الحكومة المقبلة أو على مشاركتها فيها، فيما يطالب المتظاهرون في الشارع بتشكيل حكومة اختصاصيين من خارج الطبقة السياسية بالكامل.&

نال وزير التربية السابق والأستاذ الجامعي دياب (60 عاماً)، الذي كلفه الرئيس ميشال عون الخميس تشكيل الحكومة إثر استشارات نيابية ملزمة الخميس، تأييد حزب الله وحلفائه، بينما حجب أبرز ممثلي الطائفة السنية التي ينتمي اليها، أصواتهم عنه، في مقدمتهم كتلة "تيار المستقبل" بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي استقال قبل ثمانية أسابيع على وقع غضب الشارع.

وفي مقر البرلمان في وسط بيروت، بدأ دياب استشاراته عند الساعة الـ11:00 (09:00 ت غ) بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أيّد توليه رئاسة الحكومة.

قال بري إثر اللقاء إنه بحث مع دياب عدد وتوزع الحقائب في الحكومة المقبلة مع "الإصرار على تمثيل كل الشرائح البرلمانية، بدءاً من الحراك و(تيار) المستقبل وانتهاء بالقوات (اللبنانية) ومرورا بالاشتراكي" أي الحزب التقدمي الاشتراكي. وهو يشير بذلك إلى المتظاهرين ضد الطبقة السياسية والأحزاب الثلاثة التي لم تؤيّد تكليف دياب، وأعلنت عدم رغبتها المشاركة في حكومته.

كان دياب أكد أن هدفه تشكيل حكومة اختصاصيين سريعاً تتفرغ لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف في البلاد. لكن حزب الله أبدى في وقت سابق رغبته في تشكيل حكومة لا تقصي أي فريق سياسي رئيس.

إثر لقائها دياب، أعلنت كتلة "تيار المستقبل" عدم مشاركتها في الحكومة المقبلة. وقال النائب سمير الجسر متحدثاً باسمها أن الكتلة تمنت على دياب أن يشكل حكومة "اختصاصيين مستقلين عن كل الأحزاب والقوى السياسية".

دعت الكتلة دياب إلى تشكيل الحكومة سريعاً وليس خلال شهر أو أكثر كما كان سبق وأن أعلن، لأن "البلد لم يعد يستطيع لانتظار، وكونها ستكون حكومة مدعومة من لون واحد مثل ما كان التكليف (مدعوماً) من لون واحد، وبالتالي لن تحتاج هذه المدة".

أعلنت كتلة اللقاء الديموقراطي، التابعة لحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، عدم مشاركتها في المشاورات أو في الحكومة المقبلة.

كذلك قال أعلن رئيس حزب القوات اللبنانية، إحدى أبرز القوى المسيحية، إثر لقائه السبت وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل أنه "لا نريد شيئا من الحكومة ولا نريد ان نكون في داخلها، ونتمنى ان تكون ناجحة".

ومع توجه قوى سياسية رئيسة إلى عدم المشاركة في الحكومة، قد تنتهي الأمر بتشكيل حكومة من لون واحد تضم حزب الله وحلفاءه من حركة أمل برئاسة بري و"التيار الوطني الحر" الذي أسسه عون ويرأسه اليوم صهره وزير الخارجية جبران باسيل، فضلاً عن حلفائهم.

إلا أن دياب كان أكد أنها "لن تكون حكومة مواجهة". كما دعا رئيس كتلة حزب الله البرلمانية محمد رعد إثر لقاء دياب السبت إلى "أوسع تمثيل" في الحكومة التي قال إن "لا أحد يفكر أن تكون حكومة مواجهة أو ذات لون واحد".

قطع طرق
إثر لقائه دياب في البرلمان، اكتفى الحريري، بالتوجه إلى مناصريه برسالة دعاهم فيها إلى التعبير عبر "التظاهر السلمي" وعدم الدخول في صدامات مع الجيش اللبناني كما حصل ليل الجمعة.

وقطع مناصرو الحريري الجمعة طرقات رئيسة في بيروت ومناطق عدة، معتبرين أن دياب لا يمثّل الطائفة السنيّة التي ينتمي إليها، خصوصاً أنه نال تأييد ستة نواب سنّة فقط من إجمالي 27 نائباً يمثلون هذه الطائفة في البرلمان.

في محلة كورنيش المزرعة التي تعدّ من معاقل تيار المستقبل في العاصمة، رمى محتجون عناصر الجيش بالحجارة والمفرقعات النارية، وتدخلت قوات مكافحة الشغب وأطلقت القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم. واستمرت حالة التوتر حتى وقت متأخر ليلاً.

ومنذ صباح السبت، عاد مناصرون للحريري إلى قطع طرق رئيسة وفرعية عدة في منطقتي طرابلس وعكار (شمال) والبقاع (شرق).

برز اسم حسان دياب فجأة الأربعاء بعد إعلان الحريري أنه لن يكون مرشحاً لتولي رئاسة الحكومة نتيجة الخلاف على شكل الحكومة وعدم حصوله على دعم الكتلتين المسيحيتين الأبرز في بلد يقوم نظامه على التوافق بين الطوائف كافة.

لن تكون مهمة دياب سهلة أيضاً على وقع تدهور اقتصادي متسارع. فهو يواجه من جهة حركة احتجاجات شعبية غير مسبوقة مستمرة منذ 17 أكتوبر وتطالب بحكومة اختصاصيين غير مرتبطة بالطبقة السياسية كافة، ومن جهة ثانية المجتمع الدولي الذي يربط تقديمه دعماً مالياً لبنان بتشكيل حكومة إصلاحية.

ولم يبد المتظاهرون الناقمون على الطبقة السياسية موقفاً جامعاً من تكليف دياب الذي أكد أنه وبعد الاستشارات مع الكتل النيابية سيوسع مشاوراته لتشملهم. وكان المتظاهرون رفضوا سابقاً دعوات عدة من القوى السياسية الى اختيار ممثلين عنهم للحوار مع السلطة.

تتزامن الاستشارات الحكومية، مع زيارة بدأها الجمعة ديفيد هيل من بيروت حيث التقى مسؤولين عدة، آخرهم جعجع وباسيل السبت. وحضّ هيل الجمعة القادة على "إجراء إصلاحات هادفة ومستدامة، يمكنها أن تقود إلى لبنان مستقر ومزدهر وآمن".

تأمل القوى السياسية أن يفتح تشكيل الحكومة الباب أمام تقديم المجتمع الدولي مساعدات ملحّة يحتاجها لبنان لتفادي انهيار اقتصادي أكبر، في بلد يعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر، ورجّح البنك الدولي أن يرتفع الى نحو خمسين في المئة، ويشهد أزمة سيولة حادة وارتفاعاً في أسعار المواد الرئيسة.
&