بروكسل: استضاف البرلمان الأوروبي في بروكسل في اليومين الأخيرين مؤتمرا أوروبيا تحت عنوان "التدخل التركي في المتوسط: الأسباب، الأهداف والمخاطر".

وتحدث في هذا المؤتمر عدد من النواب والسياسيين والخبراء يمثلون مختلف التوجهات السياسية من عدة دول أوروبية ومتوسطية وهم يشار ياكيش وزير الخارجية التركية الأسبق كوستاس مافريديس، النائب في البرلمان الأوروبي عن قبرص ورئيس اللجنة السياسية للمتوسط في البرلمان، ونيازي كيزيليورك، النائب في البرلمان الأوروبي من قبرص، إضافة إلى ماغنوس نوريل الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وجان فالير بالداكينو رئيس دائرة البحث والتحليل الجيوسياسي في باريس.

وشارك في هذا المؤتمر أكثر من 80 شخصية وجمعية من 22 دولة بينهم 15 دبلوماسياً يمثلون عشرة بلدان اوروبية ومتوسطية. وركزت الكلمات على شقين اساسيين هما: التدخل التركي في شرق المتوسط وبالتحديد مسألة التنقيب عن الغاز قبالة السواحل القبرصية، والتدخل التركي العسكري المباشر في ليبيا.

ندد عدد من المشاركين بتوقيع حكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج مع الحكومة التركية اتفاقية رسم حدود مائية واخرى عسكرية، معتبرين أن هاتين الاتفاقيتين تهددان الاستقرار في المتوسط. كما عبروا عن خشيتهم من التدخل التركي في المتوسط مما له تداعيات اقليمية وعالمية، ومن تحويل ليبيا الى سوريا جديدة في فترة وجيزة.

في مستهل ذلك، قدم وزير الخارجية التركية الأسبق يشار ياكيش عرضا تاريخيا مفصلاً للحدود الجغرافية البحرية في المتوسط، واعتبر ان طول الحدود البحرية التي يبلغ 1700 كلم مع اليونان وباقي دول المتوسط هو أحد الأسباب التي دفعت بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتوقيع الاتفاق مع الحكومة الليبية.

واعتبر ياكيش أن لتركيا مطالب بتقسيم الحدود البحرية وحرية الوصول الى ثرواته وهذا هو الهدف الذي يسعى من خلاله اردوغان الحصول على حق قانوني بخصوص الحدود البحرية، وبالتالي تم التوقيع على اتفاق احادي مع ليبيا لترسيم الحدود البحرية دون التشاور مع باقي دول المتوسط.

وقال وزير الخارجية التركي الاسبق إن اردوغان وقع أيضا على اتفاقية تعاون عسكري مع حكومة طرابلس لكن مشكلة هذه الحكومة،على حد تعبيره، انها مسيطر عليها من قبل حركة الاخوان المسلمين وميليشيات مرتبطة بمنظمات إرهابية، مؤكدا أن عمق المشكلة تكمن في ان السياسة المتبعة من قبل حكومة اردوغان "تجعلنا نطرح تساؤلات عن الاخطار التي تحدق بتركيا من خلال انغماسها في ليبيا".

وحذر ياكيش من أن ليبيا قد تتحول الى سوريا جديدة بسبب ثرواتها البترولية، خاصة وأن تركيا في هذا المشهد ليست لديها اية سياسة واضحة المعالم للخروج من هذه الازمة.كما حذر من أن السياسة الخارجية التركية غير الواضحة من قبل اردوغان قد تضع تركيا في مخاطر جمة بسبب هذا التمدد نحو ليبيا. وخلص ياكيش إلى أن السلطة تفسد، وذلك في إشارة إلى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي خسر ثقة الاوروبيين منذ سنوات، على حد قوله.

من جهته، تحدث الدكتور كوستاس مافريديس، النائب في البرلمان الأوروبي عن قبرص ورئيس اللجنة السياسية للمتوسط في البرلمان، عن "الموت الاستراتيجي" وهو عنوان كتاب لمفكر تركي وهو احد المنظرين الذين يجلهم اردوغان ويحاول تطبيق نظريته في ما خص السياسة الخارجية عبر إعادة احياء السياسة العثمانية التوسعية.

واعتبر مافيرديس أن هذا النموذج هو بسيط جدا بالنسبة لاردوغان حيث أن البرلمان التركي يدعمه ويصوت له بقوانين هدفها حماية الشعوب التي لها أصول عثمانية في المنطقة كما حصل مع المسلمين في قبرص، مضيفاً أن هذه هي السياسة التي يطبقها اردوغان بحذافيرها في العالم الإسلامي منذ عدة سنوات وهي تضعه في مواجهة مباشرة مع باقي دول المنطقة وبالتالي فإن هذه السياسة التوسعية هي جوهر المشكلة عبر هذه السياسات الهجومية التي لا تراعي القوانين الدولية.

وندد رئيس اللجنة السياسية للمتوسط في البرلمان الأوروبي بسياسات الرئيس التركي ونظامه الذي يدعم منظمات إرهابية كداعش والنصرة والاخوان المسلمين، وذلك على الملأ عبر الدعم اللوجستي والعسكري وكذلك السياسي في المحافل الدولية. وتساءل مافريديس كيف لأوروبا ان تقبل بما يفعله اردوغان من سياسات تطهير عرقي وعمليات قتل جماعي،وهذه السياسات العثمانية التوسعية التي يطبقها يوميا، مشيراً إلى أن اردوغان يستخدم خطابات ومصطلحات عدوانية ومستنكرة لم تستخدم حتى خلال الحقبة النازية.

وشدد مافريديس شدد على ان الاتفاقات التي وقعها اردوغان مع ليبيا لا تتطابق مع قوانين الأمم المتحدة او القوانين الأوروبية لأن تركيا لا تعترف بقبرص وهي بلد عضو في الأمم المتحدة وعضو في الإتحاد الأوروبي. وخلص الى القول إن سياسات اردوغان تهدد إستقرار المتوسط مؤكدا أن لا دور لتركيا في ليبيا، وبالتالي فإن تدخلها هناك سيحول ليبيا الى سوريا أخرى.

اما نيازي كيزيليورك، النائب في البرلمان الأوروبي عن قبرص فوضع التدخل التركي في ليبيا في خانة الصراع على مصادر الطاقة، واعتبر ان اردوغان يتسبب بعزلة تركيا عبر سياساته التوسعية.

وأضاف أن لقبرص الحق الكامل في استثمار مواردها من الطاقة ضمن حدودها البحرية لكن تركيا ترفض ان تعترف بهذه السيادة وبهذا الحق.

وتساءل كيزيليورك في هذا الاطار عن سبب رفض اردوغان للتفاوض مع دول المنطقة للتوصل الى اتفاق يرضي جميع الأطراف، ويسمح بتوزيع الثروات من الطاقة ضمن القوانين المعمول بها دوليا.

وأكد النائب الاوروبي القبرصي أن رفض اردوغان لاجراء مثل هذه المفاوضات يحرم حتى القبارصة من الشطرين من هذه الثروات، محذراً من خطر التمادي في هذ السياسات على منطقة المتوسط، ومشيراً إلى فشل السياسة الخارجية التركية.

في المقابل، تحدث الدكتور ماغنوس نوريل،الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى عن السياسة الخارجية التركية لنظام الرئيس اردوغان ورأى أن التدخل التركي في ليبيا يجسد مرحلة ما بعد سياسة صفر مشاكل وهي مرحلة مليئة بالمشاكل وصفها بالسياسة التوسعية التي تهدد الامن والاستقرار.

ويرى الدكتور نوريل بأن هذه الخيارات التوسعية باتت تشكل عبأ على تركيا وخلقت لها مشاكل مع دول المنطقة كإيران ومصر. وشدد الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى على ضرورة تدخل أوروبا لمنع تصدير السلاح الى ليبيا وخصوصا السلاح القادم من تركيا لأنه يتسبب بزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة ويشكل خطراً على بلدان المتوسط لقرب نظام أردوغان من الميلشيات المرتبطة بالاخوان المسلمين وبالتالي المجموعات الإرهابية.

وختم الدكتور نوريل بالتحذير من خطر الإسلام السياسي الذي مازال يتمدد في شمال افريقيا على الرغم من سقوط ما يعرف بخلافة داعش، معتبراً أن اردوغان نجح في تجميع اعداد كبيرة من الارهابيين في ليبيا والمغرب العربي اكثر مما كانت عليه سابقاً في سوريا والعراق، وأكد أن تركيا وبلا شك تستخدم المهاجرين لابتزاز وتهويل الاوروبيين.

بدوره، تحدث جان فالير بالداكينو، رئيس دائرة البحث والتحليل الجيوسياسي في باريس، تحدث ايضا عن السياسة التوسعية لتركيا في ليبيا، وركز على مدى خطرها على الحرب التي تخوضها فرنسا على الارهاب في أفريقيا وفي مالي تحديدا. واعتبر أن لتركيا اطماع في مصادر الطاقة في منطقة المتوسط ضاربة عرض الحائط بالقوانين والاعراف الدولية متمثلة في سياسة هجومية توسعية تستخدم الاسلام السياسي والقومية العثمانية لتبرير تدخلها في البلدان المجاورة.

وتأسف بالداكينو لعدم تعامل اوروبا بحزم مع حكومة اردوغان خاصة في ملف النازحين وتسلل الإرهابيين الى اوروبا من سوريا، وبالتالي تحول هذا الملف الى مصدر ابتزاز استغله اردوغان في تعامله مع أوروبا، مؤكداً أن اوروبا لديها مشكلة كبيرة مع تركيا بسبب دعمها للاسلاميين بشكل واضح وصريح وأن طموحات اردوغان هي وراء التوتر في المتوسط.