إسماعيل دبارة من تونس: أغضب نصّ مرسوم تونسي (أمر حكومي) نشر في الجريدة الرسمية ويجبر "الأمهات اللواتي لا يتجاوز سنّ أبنائهن 15 سنة" على البقاء في الحجر المنزلي، ناشطات وجمعيات تدافع عن حقوق المرأة، ما دفع بالحكومة إلى التراجع واعادة صياغته.

وفي المرسوم الذي صدر في الجريدة الرسمية ليلة السبت والأحد، ألزمت السلطات فئات بالبقاء في الحجر، من بينها "الأشخاص المتقاعدون الذين يتجاوز سنهم 65 سنة" ومن يعانون من أمراض مزمنة والحوامل و"الأمهات اللاتي لا يتجاوز سنّ أبنائهن 15 سنة"، بدون توضيح وضعية هؤلاء الأطفال أنفسهم.

وتباشر تونس رفع الحجر الصحي الصارم القائم منذ 22 مارس اعتبارا من يوم الاثنين 4 مايو، مع استئناف نشاط عدة قطاعات غير ضرورية بنصف عدد موظفيها.

وأثار الأمر الحكومي غضبا خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اذ دانه نشطاء وناشطات باعتباره "أبويا"، ويتعارض مع مبدأ المساواة بين الجنسين الذي ينص عليه دستور البلاد.

وأصدرت جمعيات تونسية بيانا مشتركا جاء فيه: "تلقينا بفائق الصدمة الامر الحكومي عدد 208 الصادر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية يوم 2ماي 2020 والذي جاء لضبط إجراءات الحجر الصحي الموجه فإذا به جاء ليكرس التمييز على أساس الجنس في مخالفة واضحة للدستور التونسي وخاصة فصله 21 المتعلق بالمساواة بين المواطنات والمواطنين".

وقالت الجمعيات إن "استثناء الأمهات من الحجر التدريجي هو تحميل قانوني واضح للدور الانجابي ووظائف رعاية الأطفال والأسرة للنساء وحدهن في استنساخ لواقع الاستغلال المضاعف للنساء وللثقافة السائدة التي تثقلهن بأعباء الأسرة وتنكر عليهن بقية الأدوار الإنتاجية وكأننا لم نتجاوز ثقافة "عاد ابي للدار من عمل النهار".

ومضى بيان الجمعيات قائلا: "لقد نبهنا منذ بداية الحجر الصحي الى عودة كافة مظاهر التمييز الذكوري ومنها تعميق التقسيم غير العادل للأدوار داخل الأسرة والذي يثقل كاهل النساء بالوظائف الإنجابية من تنظيف وطبخ وتعقيم وعناية بالأطفال وكبار السن وتدريس وغيرها وهي أدوار طالما ظلت غير مثمنة وغير معترف بمساهمتها في الدورة الاقتصادية وإنتاج الثروة وهاهي تلك الأدوار تصير بهذا الامر الحكومي قدرا أرادته الدولة للنساء في إنكار تام لما يضطلعن به من مهام في مختلف القطاعات من النسيج الى التنظيف الى التطبيب الى التعليم الى الفلاحة وغيرها".

واتهمت المرسوم الحكومي بكونه "يعمّق البنى الاجتماعية التقليدية وسيكون لتطبيقه أثر واضح من حيث عرقلة المسارات المهنية للنساء اذ انه يعد عنفا وتمييزا اقتصاديا بالقانون ضد النساء وهو ما يخالف منطوق الفصل 19 من القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة والذي جاء ليمنع ويعاقب العنف الاقتصادي حيث اقتضى انه" يعاقب بخطية بالفي دينار مرتكب العنف الاقتصادي بسبب الجنس اذا ترتب عن فعله حرمان المرأة من مواردها الاقتصادية او التحكم فيها، التمييز في الأجر عن عمل متساوي القيمة، التمييز في المسار المهني بما في ذلك الترقية والتدرج في الوظائف. وتضاعف العقوبة في صورة العود والمحاولة موجبة للعقاب".

والجمعيات الموقعة على البيان هي، "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات"، و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان"، وجمعية "بيتي"، و"مجموعة توحيدة بالشيخ"، وجمعية "المراة والمواطنة بالكاف".

ودعت الجمعيات الحكومة الى التراجع الفوري عن هذا الأمر الحكومي و"تعويضه بما يقتضي ترك الحرية للزوجين في تقرير مَن مِنهما يَرعى الأطفال ومَن مِنهما يُستثنى من الحجر التدريجي كما تهيب بكل القوى الديمقراطية والاجتماعية لرفض هذا التمييز الجنسي الخطير".

من جهتها، قالت النائبة السابقة التي كانت ترأس أيضا لجنة الحريات الفردية والمساواة في البرلمان السابق، بشرى بلحاج حميدة، لـ"فرانس برس"، إنه "بعيدا عن حقوق المرأة، يجب على الحكومة أن تعرف أنه يوجد أباء يريدون العناية بأطفالهم وآخرون يجب عليهم القيام بذلك".

تعقيبا على الاحتجاجات، نشرت رئاسة الحكومة الأحد بيانا تحدثت فيه عن "تسرّب خطأ في الصياغة النهائية للنص" وأنه "سيتم تصويبه بتنقيح الأمر وإعادة نشره" في الجريدة الرسمية.

وتمثل النساء نحو 30 بالمئة من السكان الناشطين اقتصاديا في تونس، وفق المركز الوطني للإحصاء، وهو رقم تعتبر عدة جمعيات أنّه لا يعكس الواقع بشكل كامل.

ورسّخ الدستور التونسي الصادر عام 2014 المساواة بين الجنسين.