إسماعيل دبارة من تونس: حسم القضاء الإداري في تونس موقفه من اجراء حدودي سيئ الصيت يعرف بـ"الإجراء S17" والذي يطالب حقوقيون ونشطاء بالغاء العمل به منذ سنوات كونه ينتهك حق الأفراد في التنقل داخل تونس وخارجها.

وهذا الاجراء الذي تعمل به وزارة الداخلية التونسية ضمن جهودها في كبح جماح الارهاب، والحد من سفر الشباب إلى "بؤر التوتر" منذ العام 2013، تصفه منظمات حقوقية محلية ودولية بكونه "غير دستوري".

وتقول تلك المنظمات إنه "ينتهك أبسط حقوق الأفراد في التنقل بحرية، سواء داخل تونس أو خارجها".

والسبت، نشرت الصفحة الرسميّة للمحكمة الإداريّة عيّنة من حكم قضائي يقضي بإلغاء الإجراء S 17 الذي اتخذته وزارة الداخليّة ضد أحد المواطنين، وقام هذا المواطن اثر ذلك بالتوجه الى المحكمة لانصافه.

وقال الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية عماد الغابري في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء الرسمية (وات) إنّ المحكمة "كرست من خلال هذا الحكم جملة من المبادئ المتعلقة بعدم شرعية الإجراء الحدودي (s17) وهي عيّنة من فقه قضاء متواتر معتمد منذ أكثر من سنتين"، وفق تعبيره.

وأوضح الغابري أنّ "نشر الأحكام على الصفحة الرسميّة للمحكمة فيه استجابة لجانب أكاديمي، من حيث إطلاع المختصّين والرأي العام عموما على فقه قضاء المحكمة في ما يتعلق بنصّ الحكم تضمّن جانبا أكاديميا يعرّف قضايا الإجراء الحدودي أو ما يعرف ب S17″" وارتبط بملف تعلّق بحريّات عامّة ويعكس موقف القضاء الإداري من إشكال قانوني معيّن".

ويفسّر الغابري لـ"وات": "المحاكم التي ذهبت إلى إلغاء الإجراء قد استندت إلى عنصرين إثنين، الأوّل تعلّق بغياب إطار تشريعي لهذا الإجراء، أي أنّ «الترسانة» القانونيّة الوطنيّة لم تتضمّن نصا بمرتبة التشريع يجيز للادارة استعمال هذه الصلاحيّة الاستثنائيّة (وزارة الداخليّة)، كما أنّ الإدارة أقرّت لنفسها هذا الحق دون سند قانوني، وفي ذلك مخافة صريحة للدستور وللمواثيق الدوليّة"، على حدّ تعبيره.

أمّا العنصر الثاني، حسب الغابري، الذي استندت إليه الدوائر القضائيّة للمحكمة، فهو غياب الحجج والمؤيّدات التي تثبت وتؤكّد أنّ الشخص الذي تمّ اتخاذ الإجراء ضدّه يمثّل تهديدا للأمن العام.

يضيف: "المحكمة لا تلجأ آليا إلى إلغاء هذا الصنف من القرارات، بل إنها في حالات ثبوت التهديد للأمن العام تقرّ جوازه حماية للأمن العام".

وقضت المحكمة في نصّ الحكم المنشور بقبول الدعوى التي تقدّم بها المواطن المشتكي في العام 2018، للطعن في قرار وزارة الداخليّة القاضي بإخضاعه للإجراء الأمني "س17″ وبإلغاء القرار المطعون فيه مع تحميل المصاريف القانونيّة على الدولة.

وأوضحت المحكمة الادارية في منشورها أنّ التقرير المدلى به من قبل وزير الداخلية في الردّ على عريضة الدّعوى والمتضمّن طلب الحكم برفضها جاء فيه أن "التحرّيات الأمنية أثبتت أنّ المدعي عنصر سلفي تكفيري مصنّف خطير وتابع للتنظيم الإرهابي ومصنّف خطير جدّا على الأمن العام".

لكنّ المحكمة، أشارت في المقابل إلى أنّه "تعذّر على وزارة الداخليّة تقديم الوثائق المطلوبة في الغرض التي تبرّر قرارها الصادر بالنظر إلى أنّ المعلومات الاستخباراتيّة لا تتّخذ شكلا ماديّا ملموسا في أغلب الأوقات، مضيفة أنّه في صورة وجودها فإنّها تتّسم بطابعها السرّي".

كما أكّدت المحكمة أنّ "الأسباب التي تحجّجت بها الإدارة لا تُكسي القرار المطعون فيه التعليل المستساغ قانونا ولا تعتبر عنصرا كافيا للتحقق من صحّة ما دفعت به ومن مدى مطابقته للقانون"، موضّحة أنّها "اكتفت بتعليل قرارها بأسباب تتعلّق بحفظ الامن والنظام العامين للبلاد من دون أن تقدّم للمحكمة ما يؤكّد أنها قامت بالتحريات والأبحاث اللازمة التي تثبت خطورة المعني بالامر على أمن الدولة".

وينصّ الدستور التونسي بالإضافة إلى المعاهدات الدوليّة على "حريّة كل مواطن في التنقّل وفي اختيار مقرّ إقامته والحق في مغادرته".

وحسب المحكمة الإدارية، فإنّ القوانين في تونس "لا تتضمّن أيّ نصّ تشريعي يحدّ من حريّة تنقّل الأشخاص غير الخاضعين لعقوبات أو إجراءات سالبة للحريّة إلا في حالتين اثنتين، الأولى نصّ عليها القانون الجزائيّ والثانية قانون الإجراءات الجزائيّة في فصلها 86 بسماحها باتخاذ تدابير تحدّ من حريّة التنقّل.

ولا توجد أرقام رسمية بعدد ضحايا هذا الإجراء الحدودي، فيما تتحاشى وزارة الداخلية الحديث عن هذا المشمولين به، لكن منظمات حقوقية في تونس على غرار "مرصد الحقوق والحريات" الذي يعد مقره ملجأ لآلاف الأشخاص من ضحايا هذا الإجراء، يقول إن عددهم "يتجاوز مئة ألف شخص بين ذكور وإناث".

وقال المدير التنفيذي لمرصد الحقوق والحريات بتونس، مروان جدة لموقع "الجزيرة نت" في العام الماضي، إن قرابة 50% من المشمولين بالإجراء الحدودي "أس 17" (S17) لم تطأ أقدامهم مراكز الشرطة، ولم يسافروا خارج التراب التونسي ولم يصدر ضدهم أي قرار قضائي، ولكنهم رغم ذلك، وجدوا أنفسهم مصنّفين تحت هذه "الاستشارة الأمنية" بغير علمهم.

ووصف مدير المرصد هذا الإجراء بأنه "عصا غليظة في يد وزارة الداخلية لفرض انتهاكات جسيمة ضد الأفراد داخل البلاد وخارجها خصوصا من المشمولين بالعفو التشريعي العام من ضحايا النظام السابق وخصوصا الإسلاميين"، على حدّ تعبيره.