القضارف: تملك الجوع الطفل الإثيوبي تيديست جيزريل البالغ عشرة أعوام الذي فر مع آلاف من مواطنيه مشيا على مدى يومين إلى السودان، هربًا من القتال العنيف الذي يشهده أقليم تيغراي.

وقد قطع جيزريل حافي القدمين مسافة 30 كيلومتراً تحت أشعة الشمس الحارقة، وانفصل عن أسرته مع سيطرة الخوف والفوضى في إقليم تيغراي الإثيوبي.

ومع قطع الاتصالات في منطقة تيغراي في شمال إثيوبيا وتدفق اللاجئين عبر الحدود النائية، إلى السودان المجاور، قدم اللاجئون المرعوبون والمنهكون روايات هي الأولى لشهود عيان عن القتال المتواصل في منطقتهم منذ أسبوع.

وتقول أسمرة تيفساي وهي أم تبلغ من العمر 31 عاما "حصل قصف مدفعي ووقعت غارات جوية ثم رأينا الجنود يقتربون وهربت مع طفليّ وأمي وأبي".

وتبدو علامات الصدمة على الكثير من اللاجئين جراء القصف الكثيف الذين يتهمون الجيش الاثيوبي بشنّه.

وقالت روني جيزرجيل، وهي مهندسة تبلغ من العمر 25 عاماً "رأيت نساء يلدن على الطريق، لكنهن واصلن السير خشية أن يقتلهن الجنود الإثيوبيون".

"اختبأت في بئر"

لم يجد جابيرا سولاسي، طالب الرياضيات البالغ 22 عامًا، غير بئر مياه يلجأ إليها اتقاء من القصف العنيف.

ويقول سولاسي "اختبأت في بئر أثناء القصف ثم هربت خلال فترة هدوء".

ويضيف مُحبطا "الآن أنا في السودان وأظن أن الحرب ستستمر.. لست متأكدًا من أنني سأتمكن من العودة إلى الجامعة".

وأمر رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، حائز جائزة نوبل للسلام في 2019، بشن عمليات عسكرية في إقليم تيغراي الأسبوع الماضي، ما أثار صدمة المجتمع الدولي الذي يخشى اندلاع حرب أهلية دامية طويلة الأمد.

ويقول أبيي أحمد إن عمليته العسكرية هي رد على هجمات على قاعدتين عسكريتين للقوات الفدرالية شنتها جبهة تحرير شعب تيغراي التي كانت في السابق تسيطر على المؤسسات السياسية والأمنية في إثيوبيا وتتهم أبيي أحمد بتهميشها.

وحذرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه الجمعة من احتمال حصول جرائم حرب في منطقة تيغراي.

وطالبت بتحقيق شامل في تقارير عن عملية قتل جماعي في ماي كادرا، حيث قالت منظمة العفو الدولية إنها "تحققت رقميا من صور وفيديوهات مروعة لجثث متناثرة في البلدة أو يجري نقلها على حمالات".

وأعلنت باشليه في بيان "إذا تأكد أن أحد أطراف النزاع الحالي نفذ ذلك عمدا، فإن عمليات قتل المدنيين هذه ستكون بالطبع جرائم حرب".

ودانت المستشارة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمنع الإبادة براميلا باتن، والمستشارة الخاصة المعنية بالمسؤولية عن الحماية كارين سميث في بيان "تقارير عن هجمات محددة الأهداف ضد مدنيين بناء على اثنيتهم أو ديانتهم".

يقترب جيزريل الذي ارتدى قميصا برتقاليا وسروالا رماديا من الجنود السودانيين وعاملين في مجال المساعدة الإنسانية ويمدّ يده يتوسل الحصول على بعض الطعام.

وليس جيزريل الوحيد الذي يستجدي فتات الخبز. فثمة المئات من الأطفال في الشوارع، بعضهم مع ذويهم والبعض الآخر انفصل عنهم وسط حالة الذعر وهم يتقدمون في قافلة طويلة تضم آلافا من الإثيوبيين الآخرين المتجهين إلى السودان.

قال السر خالد الرئيس الإقليمي لمفوضية اللاجئين السودانية، إن ما لا يقل عن 21 ألف إثيوبي عبروا إلى شرق السودان طلباً للمساعدة حتى مساء الجمعة.

وأوضح لوكالة فرانس برس "إنهم يواصلون القدوم"، مشيرا إلى أن الكثيرين وصلوا من بلدة حُميرة الإثيوبية التي شهدت بعض أعنف المعارك.

"حرب لإبادتنا"

وأفاد صحافيون جالوا في المنطقة الحدودية بين اثيوبيا والسودان، أن معظم المساعدات المقدمة للإثيوبيين اللاجئين تأتي من أبناء القرى السودانيين فيما لا تقدم الدولة أو الجمعيات الخيرية الكثير.

ويقول الطالب تيسفاي سالومون البالغ 23 عامًا "شلم أشرب سوى الماء أثناء المشي لمدة يومين، ولم يكن هناك أي شيء آكله".

ويضيف "ما أن عبرنا الحدود، نقلنا بعض السودانيين في سيارة إلى هذه القرية وأعطانا السكان المحليون الطعام، لكن الكمية قليلة لدرجة أننا نحتفظ بها للأطفال".

ويحاول أهل هذه القرى الحدودية في السودان تقديم ما يسعهم من مساعدة للإثيوبيين، إلا أنهم يخشون أن يؤدي وصول الآلاف منهم إلى استنفاد مواردهم المحدودة أصلا.

ويقول المزارع السوداني جمال آدم "بدلا من البقاء في المخيمات، استقر الكثيرون (من الإثيوبيين) في حقولنا".

ويضيف لوكالة فرانس برس "لقد قطعوا أشجارنا لحماية أنفسهم من أشعة الشمس ، بينما ينام آخرون تحت النجوم في حقولنا. وقد حان موسم حصاد الذرة، وقد أخسر كل شيء".

في المقابل، يؤكد الإثيوبيون أن الخيار الوحيد المتاح أمامهم كان اللجوء إلى السودان.

وتقول جيزرجيل "إنها حرب ضد شعب تيغراي، إنها ليست حربا سياسية.. إنها حرب لابادتنا".