طهران: أكد الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي بعد أدائه اليمين الدستورية أمام مجلس الشورى الخميس، دعمه الخطوات الدبلوماسية الهادفة الى رفع العقوبات الأميركية عن بلاده، لكنه شدد على أن طهران لن تتخلى عن "حقوقها" تحت الضغط.

وفي خطاب شامل تطرق خلاله الى مجمل الجوانب التي يتوقع أن تشهدها ولايته الرئاسية الأولى التي تستمر أربعة أعوام، كرر رجل الدين المحافظ المتشدد تأكيده سلمية برنامج بلاده النووي، معلنا مدّ يده الى دول الجوار كأولوية في مقاربته بشأن السياسة الخارجية.

وفاز رئيسي (60 عاما) بانتخابات حزيران/يونيو التي شهدت نسبة امتناع قياسية، ليخلف المعتدل حسن روحاني الذي طبعت عهده سياسة انفتاح نسبي على الغرب، كان أبرز ثمارها ابرام الاتفاق النووي لعام 2015 مع القوى الكبرى، ما أتاح رفع عقوبات اقتصادية كانت مفروضة على طهران، قبل أن تعيد واشنطن فرض العديد منها بعد انسحابها الأحادي من الاتفاق عام 2018.

أزمة حادة

وأدخلت تلك الخطوة الجمهورية الإسلامية في أزمة اقتصادية ومعيشية حادة، فاقمتها تداعيات كوفيد-19.

وبعد يومين من تنصيبه من قبل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، أدى رئيسي الخميس قسم اليمين الذي تعهد فيه، وفق النص الدستوري، "خدمة الشعب ورفعة البلاد، ونشر الدين والأخلاق، ومساندة الحق وبسط العدالة".

وجاء في خطابه أن "الحظر (العقوبات) ضد الأمة الإيرانية يجب أن يُرفع. سندعم أي خطط دبلوماسية قد تساعد في تحقيق هذا الهدف"، لكنه شدد في الوقت عينه على أن "سياسة الضغط والعقوبات لن تدفع الأمة الإيرانية الى التراجع عن متابعة حقوقها القانونية".

وفي رد فعلها على الخطاب، حضّت واشنطن طهران على العودة سريعا إلى طاولة المفاوضات إذ قال الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس "نحض إيران على العودة إلى المفاوضات قريبا"، مؤكدا أن عرض رفع العقوبات مقابل التزام طهران مجددا بنصوص الاتفاق النووي لن يستمر "إلى ما لا نهاية".

ويتولى رئيسي منصبه بينما تخوض إيران مع القوى الكبرى، وبمشاركة أميركية غير مباشرة، مباحثات لإحياء الاتفاق من خلال تسوية ترفع عقوبات واشنطن لقاء عودة إيران لالتزام تعهدات نووية تراجعت عنها بعد الانسحاب الأميركي.


(الرئيس الإيراني المنتخب حديثًا إبراهيم رئيسي (وسط) يلقي بادرة خلال حفل أداء اليمين في البرلمان الإيراني في العاصمة طهران. 5 آب/أغسطس 2021)

حرب السفن

كذلك، يأتي العهد الجديد في ظل توتر متجدد على خلفية توجيه الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل اتهامات لإيران باستهداف ناقلة نفط يشغّلها رجل أعمال إسرائيلي في بحر العرب الأسبوع الماضي، وهو ما نفته طهران.

وأجريت ست جولات من المباحثات النووية في فيينا بين نيسان/أبريل وحزيران/يونيو. ولم يحدد موعد لجولة جديدة من المباحثات التي سيرتبط استئنافها بتولي رئيسي مهامه.

80 شخصية أجنبية

وأقيمت مراسم أداء اليمين في القاعة الرئيسية لمقر مجلس النواب وسط طهران، بحضور نحو 80 شخصية أجنبية، وفق ما أفاد التلفزيون الرسمي.

وبرز من الحاضرين الرئيسان العراقي برهم صالح والأفغاني أشرف غني.

كما حضر الدبلوماسي الأوروبي إنريكي مورا الذي يتولى مهمة التسهيل في المفاوضات النووية في فيينا. وجلس في الصف الثاني خلف غني، في حين كان الى جانب الأخير ممثلون لفصائل مقربة من إيران، مثل رئيس حركة حماس الفلسطينية اسماعيل هنية ونائب الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم.

وتولى رئيسي سابقا رئاسة السلطة القضائية، إحدى الركائز الأساسية لنظام الحكم في الجمهورية الإسلامية.

ويربط معارضون في الخارج ومنظمات حقوقية ودول غربية، بينه وبين حملة إعدامات لمعارضين عام 1988، نفى ضلوعه بها بشكل مباشر.

حقوق الإنسان

وفي خطابه الخميس، أكد رئيسي "نحن المدافعون الحقيقيون عن حقوق الإنسان"، مشددا على أن طهران "ستقف الى جانب المستضعفين" أينما كانوا "في قلب أوروبا، في أميركا، في إفريقيا، في اليمن أو سوريا أو فلسطين".

في المقابل، جدد الرئيس الإيراني الجديد إبراز أولوية العلاقات مع دول الجوار في سياسته الخارجية.

وقال "أمدّ يد الصداقة والأخوة الى كل البلاد في المنطقة، لا سيما جيراننا"، مشددا على أن "قدرات إيران (الاقليمية) تدعم السلام والأمن للدول" في المنطقة، ولن يتم استخدامها سوى "ضد تهديدات دول الاستكبار".

وكان رئيسي أكد بعيد فوزه في الانتخابات أن "لا عوائق" امام عودة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ أعوام بين إيران وخصمها الإقليمي الأبرز في الخليج، السعودية.

وأكد الطرفان في الفترة الماضية إجراء مباحثات بوساطة عراقية.

وقطعت الرياض علاقاتها مع طهران في 2016 بعد هجوم متظاهرين على سفارتها في العاصمة الإيرانية، احتجاجا على اعدام رجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر.

ويقف البلدان على طرفي نقيض في العديد من الملفات الإقليمية. كما تتهم الرياض طهران بـ"التدخل" في شؤون بلدان عربية، وتبدي توجسها من نفوذها الإقليمي وبرنامجها النووي.

التيار المحافظ

ويتوقع أن يؤدي تولي رئيسي للرئاسة الى تعزيز إمساك التيار المحافظ بهيئات الحكم في الجمهورية الإسلامية، بعد الفوز العريض الذي حققه في الانتخابات التشريعية التي أجريت في شباط/فبراير 2020، وشهدت استبعاد آلاف المرشحين من المعتدلين والإصلاحيين.

ونال نحو 62 بالمئة من الأصوات في الدورة الأولى للانتخابات التي خاضها بغياب أي منافس جدي بعد استبعاد ترشيحات شخصيات بارزة.

وإضافة الى الملفات الخارجية، سيكون رئيسي أمام تحديات محلية عكستها الصحف الإيرانية الصادرة هذا الأسبوع.

ورأت صحيفة "كيهان" المحسوبة على المحافظين المتشددين، الأربعاء أنه سيواجه "تحديات عدة بسبب العدد المرتفع من المشكلات" في البلاد، ومنها "نسبة تضخم غير مسبوقة" و"الأسعار الخيالية للسكن"و"الفساد".

من جهتها، أبدت صحيفة "شرق" الإصلاحية أملها في ان "تترك الألاعيب السياسية (الداخلية) مكانها الى تنافسات ثقافية سليمة"، وأن يتم في الحكومة الجديدة الاستماع الى "أصوات متنوعة".

خادم الجمهورية

وفي شق داخلي من خطابه، أكد رئيسي أنه سيعمل من أجل كل الإيرانيين.

وقال "اليوم أنا خادم كل الجمهورية وأكثر من 80 مليون من الشعب"، مؤكدا أن حكومته ستكون حكومة "توافق وطني".

وفي حين كانت وسائل إعلام إيرانية توقعت أن يقدم رئيسي مرشحيه للمناصب الحكومية الخميس، أفاد التلفزيون الرسمي أن ذلك سيتم الأسبوع المقبل (يبدأ السبت في إيران)، علما بأن القوانين تمنحه مهلة أسبوعين لذلك.