إيلاف من الرباط: شكلت انتخابات 8 سبتمبر الجاري في المغرب محطة سياسية فارقة في تاريخ الانتخابات بالبلاد بالنظر لنتائجها التي أسفرت عن هزيمة قاسية لحزب العدالة والتنمية (مرجعية إسلامية) الذي قادالحكومة لولايتين متتاليتين (2012-2016)، و(2016-2021)، مقابل فوز كبير لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يبدو انه سيشكل الحكومة مع " الاصالة والمعاصرة " و" الاستقلال "، ليكون بذلك قائد التناوب الثالث بعد تناوب الاشتراكيين والاسلاميين على الحكومة .
وهذه أول مرة يتقهقر فيها حزب العدالة والتنمية منذ اقرار دستور 2012 بحصوله على 13 مقعدا في مجلس النواب(الغرفة الأولى في البرلمان)،البالغ مجموع مقاعده 395 مقعدا.
إنه تراجع غير مسبوق منذ انتخابات 2002، التي حصل فيها الحزب على 42 مقعدا، ثم انتخابات 2007 التي حصل فيها على 46 مقعدا لتأتي انتخابات 2011، في سياق أحداث "الربيع العربي" لتمنح الحزب المرتبة الأولى لأول مرة ب108 مقاعد ، وبعدها في انتخابات 2016، التي حصل فيها الحزب على 125 مقعدا.
وفاز حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي كان شريكا لحزب العدالة والتنمية في تسيير الحكومة منذ انتخابات 2012، ب102 مقعدا في اقتراع 8 سبتمبر ،وتبعه حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان متموقعا في المعارضة ب89 مقعدا، ثم حزب الاستقلال، الذي حل ثالثا ب81 مقعدا.
وتعد النتيجة الانتخابية التي حصل عليها "تجمع الأحرار" تحت قيادة رجل الاعمال عزيز أخنوش، غير مسبوقة في تاريخ الحزب.
وتأسس التجمع الوطني للأحرار العام 1978 من طرف أحمد عصمان، الذي سبق له أن تولى منصب رئيس الوزراء ، وهو صهر الملك الراحل الحسن الثاني.
وصنف "التجمع الوطني للاحرار " على أنه حزب وسط ليبرالي،بيد انه عرف بكونه حزب البورجوازية والأعيان.
يذكر أنه في انتخابات 2016،لم يحصل "تجمع الأحرار" سوى على 37 مقعدا نيابيا ، ما أدى إلى استقالة رئيسه السابق صلاح الدين مزوار، وعقد مؤتمر استثنائي في بداية 2017، انتخب إثره عزيز أخنوش رئيسا للحزب، وتمكن من المشاركة بقوة في حكومة سعد الدين العثماني، وحصل على وزارات أساسية مثل الزراعة والصيد البحري، والاقتصاد والمالية والتجارة والصناعة.
أما حزب الأصالة والمعاصرة، فإنه حافظ على مكانته، بحصوله على الرتبة الثانية في الاقتراع ، ولم يفقد سوى عدد قليل من المقاعد مقارنة مع اقتراع 2016، حين حصل على 102 مقعد خلف حزب العدالة والتنمية، وحصل في اقتراع 8 سبتمبر على 89 مقعدا.
وتأسس “الأصالة والمعاصرة” سنة 2008، وضم خليطا من اليسار والليبراليين والأعيان، ورفع شعار مواجهة “العدالة والتنمية”، وتمكن من الفوز بمقاعد كثيرة في الانتخابات البلدية لعام 2009، بيد أنه تراجع منذ انتخابات 2015 المحلية التي اكتسح فيها حزب العدالة والتنمية المدن الكبرى. وكان " الاصالة والمعاصرة" يراهن على الفوز بالمرتبة الأولى في اقتراع 2016 التشريعي، لكنه فشل في ذلك، ما أدى إلى استقالة أمينه العام السابق إلياس العمري العام 2017، وتم انتخاب حكيم بنشماش خلف له ، قبل ان ينتخب المحامي عبد اللطيف وهبي خلفا لبنشماش .
وقام وهبي بمراجعة شاملة لمسار الحزب. وجعل الحزب مقبولا لدى اطراف المشهد السياسي الى جانب الشارع السياسي ، وفتح حوارا مع حزب "العدالة والتنمية " ادت الى وقف التراشقات التي سادت علاقة الحزبين ايام العمري .
وتعد النتيجة التي حصدها " الاصالة والمعاصرة " في الانتخابات الاخيرة ، بمثابة انتصار للنهج الذي قاده وهبي .
أما حزب الاستقلال، وهو اقدم حزب في المغرب ، فقد عزز مكانته في مجلس النواب، بحصوله على 81 مقعدا مقارنة مع 46 مقعدا في اقتراع 2016. وتولى نزار بركة قيادة الحزب منذ 2018، خلفا لحميد شباط.
وبركة هو صهر رئيس الوزراء الأسبق عباس الفاسي، وحفيد زعيم" الاستقلال " الراحل علال الفاسي .
وسبق لبركة أن تولى منصب وزير الاقتصاد و المالية في حكومة عبد الاله ابن كيران، قبل أن يغادرها في سياق مغادرة حزب الاستقلال للحكومة العام 2013، كما تولى منصب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي (مؤسسة دستورية استشارية تهتم بالملفات الاقتصادية والاجتماعية).
أما حزب الاتحاد الاشتراكي، فحسن بدوره من مكانته بحصوله على 35 مقعدا نيابيا مقارنة مع 20 مقعدا في اقتراع 2016. ونفس الأمر ينطبق على حزب التقدم والاشتراكية الذي ضاعف مقاعده في مجلس النواب من 12 إلى 21 مقعدا.وحسن حزب الحركة الشعبية أيضا موقعه نسبيا بحصوله على 29 مقعدا، مقارنة مع 27 مقعدا في 2016.
ويلاحظ أن حزب العدالة والتنمية وحده الذي سجل سقوطا مدويا، ولم يقتصر ذلك فقط على نتائجه في مجلس النواب، إنما أيضا في البلديات والجهات، فقدهيمن حزب التجمع الوطني للأحرار على الصدارة في انتخابات الجماعات المحلية (البلديات)، بحصوله على 9995 مقعدا، فيما حصل الأصالة والمعاصرة، على 6210 مقاعد والاستقلال 5600 مقعد، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية 2415 مقعدا، والحركة الشعبية 2253 مقعدا، والاتحاد الدستوري 1626 مقعدا، والتقدم والاشتراكية 1532 مقعدا، والعدالة والتنمية حل ثامنا ب777 مقعدا، والأحزاب الأخرى 1525مقعدا .
وشارك 31 حزبا في الانتخابات المحلية للتنافس على أزيد من 31 الف مقعد في الجماعات المحلية (البلديات).
أما نتائج انتخابات مجالس الجهات، فتصدرها أيضا حزب التجمع الوطني للأحرار ب196 مقعدا، والاستقلال 144 مقعدا، والأصالة والمعاصرة143 مقعدا، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ب48 مقعدا، والحركة الشعبية ب 47 مقعدا، والاتحاد الدستوري ب 30مقعدا، والتقدم والاشتراكية ب29 مقعدا ، والعدالة والتنمية 18 مقعدا والأحزاب الأخرى 23 مقعدا.
وتوجد بالمملكة 12 جهة تسيرها مجالس منتخبة تضم 678 عضوا.
ومن أبرز الشخصيات السياسية التي فازت بمقعد في مجلس النواب، هناك عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة الذي فاز بمقعد في دائرة تارودانت الشمالية (شرق أغادير)، ونزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال الذي فاز بمقعد في دائرة العرائش (شمال الرباط)، أما عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، فترشح في الانتخابات المحلية في مدينة أغادير (وسط)، وحصلت لائحته على أغلبية أصوات مجلس المدينة وينتظر أن ينتخب رئيسا لمجلس بلدية أغادير. أما سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ورئيس الحكومة فلم يتمكن من الفوز بمقعد في مجلس النواب، بعدما ترشح في دائرة المحيط بالرباط، ونفس الأمر بالنسبة لنبيل بن عبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الذي لم يسعفه الحظ في الحصول على مقعد في نفس الدائرة.
وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات على المستوى الوطني 50.35 في المائة من مجموع الهيئة الناخبة مقابل 42 في المائة سنة 2016. وشارك في اقتراع 8 سبتمبر (أيلول) 8 ملايين و 789 ألفا و676 ناخبا بزيادة 2 مليون و152 ألفا و252 ناخبا مقارنة مع الانتخابات التشريعية لسنة 2016.
ووصلت نسبة المشاركة إلى نسب أكبر في جهات الصحراء المغربية حيث وصلت هذه النسبة 66.94 في المائة بجهة العيون- الساقية الحمراء، و63.76 في المائة بجهة كلميم- واد نون و58.30 في المائة بجهة الداخلة -وادي الذهب، وفي المقابل، تم تسجيل أقل نسبة مشاركة بجهة الدار البيضاء-سطات، حيث بلغت 41.04 في المائة.
ويحاول المراقبون تفسير التراجع الكبير لحزب العدالة والتنمية بعدة عوامل، منها عوامل ذاتية، بسبب الصراعات التي ظهرت داخل تيارات الحزب منذ إعفاء عبد الإله ابن كيران، الأمين العام للحزب، في مارس 2017، من رئاسة الحكومة ، وتعيين سعد الدين العثماني مكانه. كما برزت خلافات حادة داخل الحزب حول الترشيحات، للانتخابات أدت إلى استقالات. وهناك أسباب موضوعية، تتعلق بعدم وفاء الحزب بعدد من تعهداته، وغضب الناخبين من أدائه، وطموحهم للتغيير.
وأدى تراجع الحزب الكبير إلى استقالة جماعية للأمانة العامة للحزب، والدعوة إلى عقد مجلس وطني استثنائي السبت 18 سبتمبر، في انتظار عقد مؤتمر وطني استثنائي نهاية اكتوبر المقبل لانتخاب قيادة جديدة.

ReplyForward