بوغوتا: يتوجّه الكولومبيون الأحد إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في انتخابات رئاسية شديدة الاستقطاب، مع احتمال فوز المعارض غوستافو بيترو الذي قد يصبح أول رئيس يساري في تاريخ البلاد الحديث.

ودعي 38 مليون ناخب لاختيار رئيسهم الجديد من بين ستة مرشحين، لخلافة الرئيس المحافظ المنتهية ولايته إيفان دوكي الذي لا يحظى بشعبية ولا يمكنه الترشح لإعادة انتخابه.

وتجري هذه الانتخابات في مناخ من التوتر السياسي الشديد، بعد أربع سنوات طغت عليها الجائحة وركود اقتصادي وتظاهرات ضخمة وزيادة العنف من قبل الجماعات المسلحة في الأرياف.

وكشفت التظاهرات التي أطلقتها لجنة الإضراب الوطني في ربيع 2021 والتي قمعتها الشرطة بعنف، مدى الإحباط الشعبي في مواجهة الفقر وعدم المساواة. وخلال الولاية الأخيرة، لم يجر أي إصلاح جوهري رئيسي للاستجابة لهذا المطلب بتحقيق العدالة الاجتماعية.

وأشارت مجموعة "إنترناشونال كرايزس غروب" للابحاث إلى أن العديد من الكولومبيين ما زالوا يشعرون بأن "النخب مصممة على إدامة نظام اجتماعي واقتصادي يميز أقلية صغيرة".

في المناطق الريفية، ازدادت سيطرة رجال العصابات والجماعات المسلحة المرتبطة بالاتجار بالمخدرات على المجتمعات المحلية، مع سلسلة من عمليات القتل والنزوح والاحتجاز والتجنيد القسري، ما يقوض الإنجازات القليلة لاتفاق السلام الموقع عام 2016 مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك).

في هذا السياق، شهدت الحملة الانتخابية "معركة محتدمة" بين اليمين في السلطة واليسار المعارض ما يعكس، بحسب المجموعة المذكورة، "الانقسام السياسي العميق في المجتمع".

استطلعات الرأي

متصدرا استطلاعات الرأي (41 %)، استطاع السناتور اليساري غوستافو بيترو، وهو مقاتل سابق تحول إلى الاشتراكية الديموقراطية ورئيس بلدية بوغوتا السابق وسياسي مخضرم، الاستفادة من التعطش إلى "التغيير" الذي جعل منه شعار حملته.

وأكد المرشح البالغ 62 عاما "سيغيّر الأحد المقبل تاريخ كولومبيا" مع ترشيحه لمنصب نائب الرئيس الكولومبية الإفريقية فرانسيا ماركيز، وهي رهان ناجح نظرا إلى أن هذه العاملة المنزلية المتواضعة التي باتت ناشطة نسوية ومناهضة للعنصرية أثبتت نفسها كإحدى ظواهر هذه الانتخابات الرئاسية.

وهذا الثنائي الذي ينتمي إلى تحالف "الميثاق التاريخي" (خرج منتصرا من الانتخابات التشريعية في آذار/مارس) والذي أعرب عن إرادته "إعادة الكرامة إلى الشعب"، يعد بالعدالة الاجتماعية والعودة إلى السلام والانتقال إلى الطاقة النظيفة ومحاربة "النهب الاقتصادي" و"الاستبداد".

في المقابل، فإن المرشح المحافظ فيديريكو غوتيريث الرئيس السابق لبلدية ميديين (شمال غرب) الذي حصل على 27 % من الأصوات، يقدّم نفسه على أنه مدافع عن الكولومبيين "العاديين" واعدا اياهم ب"النظام والأمن".

وحرص غوتيريث الذي يلقبه أنصاره "فيكو"، على النأي بنفسه من الرئيس المنتهية ولايته ومن المركز الديموقراطي الحاكم بزعامة الرئيس السابق ألفارو أوريبي (2002-2010) الغارق في نزاعات قانونية.

وقال مايكل شيفتر من مجموعة "إنتر-أميريكن دايالوغ" الاميركية إلى أنه يحاول الاستفادة من "الخوف العميق الذي يثيره بيترو لدى بعض الكولومبيين الذين يخشون فكرة أن تصبح لديهم فنزويلا جديدة".

وأصبح "فيكو" الآن متقاربا في استطلاعات الرأي مع المرشح المستقل رودولفو هيرنانديث، وهو رجل أعمال يبلغ 77 عاما خطابه شعبوي انضمت إليه المرشحة الفرنسية الكولومبية إنغريد بيتانكور. وفي المركز الرابع يأتي المرشح الوسطي سيرخيو فاخاردو.

تخللت الحملة الانتخابية تهديدات باغتيال بيترو والمرشحة لمنصب نائب الرئيس اللذين لم يعودا يتحدثان علنا إلا خلف حاجز من الدروع المضادة للرصاص، لكن تهديدات مماثلة طالت أيضا "فيكو"، ما أحيا شبح عقود من العنف السياسي.

وبعد التباينات قبل فرز الأصوات في الانتخابات البرلمانية، أثيرت شكوك حول مصداقية العملية الانتخابية. وقال معسكر بيترو إنه قلق بشأن ما يعتبره "نقصا في الضمانات".

وتعهدت الحكومة نشر حوالى 200 ألف عنصر من الجيش والشرطة في كل أنحاء البلاد، في حين لاحظت بعثة مراقبة الانتخابات، وهي ائتلاف من منظمات محلية غير حكومية، تصاعدا كبيرا في نشاط الجماعات المسلحة في فترة ما قبل الانتخابات.

ومهما كانت نتيجة الاستحقاق الذي قد يشهد دورة ثانية في 19 حزيران/يونيو، ستثار مسألة قدرة الرئيس الجديد على الحكم.

وأوضح القاضي خورخي ريستريبو، الأستاذ في جامعة خافيريانا "يتنازع الناخب شعوران: الحاجة إلى التغيير (...) وانعدام الثقة".