طهران: إبراهيم رئيسي الذي يتم الأربعاء عامه الأول رئيسا لإيران، هو رجل دين محافظ متشدّد يواجه تحديات تجربة وعد بأن تحقق الكثير، في منصب انتخب ليتولاه من دون خبرة سابقة في السلطة التنفيذية.

في العام الأول من ولاية تمتد أربع سنوات، شكّل الوضع الاقتصادي التحدي الأبرز. وفي ظل الصعوبات العائدة بشكل أساسي الى العقوبات الأميركية، دفع رئيسي الذي لطالما وضع الطبقات الفقيرة ومكافحة الفساد أولوية له، نحو إجراءات شملت تعديل نظام الدعم الحكومي ورفع أسعار مواد أساسية.

وهو شدد أواخر تموز/يوليو، على أهمية "توضيح" هذه الإجراءات للشعب الإيراني بشكل دائم من أجل "الابقاء على الأمل حيا" في نفوسهم.

ويعد حجة الإسلام رئيسي (61 عاما) الذي تولى رئاسة السلطة القضائية بين 2019 و2021، من المدافعين عن "النظام العام" ولو بوسائل صارمة.

تعهد في أول خطاب بعد تنصيبه عدم "ربط ظروف حياة الأمة بإرادة الأجانب"، في إشارة الى العقوبات المفروضة على بلاده بسبب ملفها النووي والتي تركت آثارها السلبية على الاقتصاد.

رفع خلال حملته شعار مواجهة "الفقر والفساد"، وهو المبدأ نفسه الذي خاض على أساسه الانتخابات الرئاسية عام 2017، وخسرها في حينه أمام المعتدل حسن روحاني الذي فاز بولاية ثانية.

كرر التجربة في حزيران/يونيو 2021، وفاز بحوالى 62 بالمئة من الأصوات في عملية اقتراع غاب عنها أي منافس جدي. كانت نسبة المشاركة 48,8%، وهي الأدنى في استحقاق رئاسي منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979.

بعد يومين من تنصيبه من قبل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي في الثالث من آب/أغسطس، أدى اليمين الدستورية أمام مجلس الشورى.

سيرة

ولد رئيسي في مدينة مشهد (شمال شرق) في تشرين الثاني/نوفمبر 1960، وبدأ بتولي مناصب عامة في سن مبكرة، إذ عيّن مدعيا عاما في مدينة كرج قرب طهران وهو لما يزل في العشرين من العمر، وذلك بعد فترة وجيزة من انتصار الثورة الإسلامية عام 1979.

أمضى رجل الدين الشيعي ذو العمامة السوداء، قرابة ثلاثة عقود في هيكلية السلطة القضائية، متنقلا بين مناصب عدة منها مدعي عام طهران بين 1989 و1994، ومعاون رئيس السلطة القضائية اعتبارا من 2004 حتى 2014 حين تم تعيينه مدعيا عاما للبلاد.

في 2016، أوكل إليه خامنئي مهمة سادن العتبة الرضوية المقدسة في مدينة مشهد، وعيّنه بعد ثلاثة أعوام على رأس السلطة القضائية، أحد الأركان الأساسية للنظام السياسي.

يعمل رئيسي الذي يرى منتقدوه أنه يفتقر الى الكاريزما، بوحي دروس خامنئي الدينية والفقهية.

وفق سيرته الذاتية الرسمية، درّس رئيسي الذي يعرف بثوب ديني ونظارتين رفيعتين ولحية مشذبة غزاها الشيب، مواد فقهية ودينية في الحوزات العلمية اعتبارا من 2018، خصوصا في مدينة مشهد المقدسة، مسقط رأسه.

خلف مرشد

وتطرح وسائل إعلام إيرانية عدة اسمه كخلف محتمل للمرشد الأعلى الذي أتمّ الثالثة والثمانين من العمر.

ورئيسي عضو أيضا في مجلس الخبراء الذي تعود إليه صلاحية تسمية المرشد.

ورئيسي متزوج من جميله علم الهدى، أستاذة علوم التربية في جامعة شهيد بهشتي بطهران، ولهما ابنتان تحملان شهادات في الدراسات العليا. جعله هذا الارتباط العائلي نسيبا لحجة الإسلام أحمد علم الهدى، إمام الجمعة وممثل المرشد الأعلى في مشهد، ثاني أكبر مدن إيران، وإحدى المدن المقدسة لدى الشيعة لاحتضانها مرقد الإمام الرضا.

ينظر الى رئيسي بين المحافظين على أنه الوحيد القادر على أن يجمع حول شخصه تأييد المحافظين والمحافظين المتشددين "الأصوليين" على اختلافاتهم. لكنه يدرك أن الحصول على إجماع أو تأييد واسع بين مختلف شرائح المجتمع الإيراني بكل تنوعه، أصعب، خصوصا في ظل الانقسام حول مسائل عدة أهمها الحريات الشخصية.

وفي ظل خيبة أمل من عدم إيفاء عهد روحاني (2013-2021) بوعوده على هذا الصعيد، تعهّد رئيسي الدفاع عن "حرية التعبير" و"الحقوق الأساسية لكل المواطنين الإيرانيين" و"الشفافية".

لكن وعودا كهذه لم تجد صدى لدى المعتدلين والإصلاحيين الذين يعتبرون أن رئيسي تنقصه الخبرة السياسية.

الحرية الشخصية

وفي الأسابيع الماضية، شهدت إيران تجدد النقاش العام في مسائل مرتبطة بالحرية الشخصية، بما فيها الحجاب الإلزامي ودور "الشرطة الأخلاقية" التي عاودت الظهور بشكل أوسع بعد تراجع دورها في عهد روحاني.

ويربط معارضون في الخارج ومنظمات حقوقية غير حكومية باستمرار بين رئيسي وحملة الإعدامات التي طالت سجناء ماركسيين ويساريين العام 1988، حين كان يشغل منصب معاون المدعي العام للمحكمة الثورية في طهران. وكان هذا الملف من الأسباب التي أوردتها وزارة الخزانة الأميركية لدى إعلانها فرض عقوبات عليه في 2019.

وردا على أسئلة وجهت إليه عامي 2018 و2020 عن تلك الحقبة، نفى رئيسي ضلوعه في هذه الإعدامات، لكنه أبدى تقديره لـ"الأمر" الذي أصدره الإمام الراحل روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، لتنفيذ الإجراءات في حق هؤلاء الموقوفين.

الحركة الخضراء

كان رئيسي من المؤيدين للشدة التي تعاملت بها السلطات الإيرانية مع احتجاجات "الحركة الخضراء" التي تلت إعادة الانتخاب المثيرة للجدل للرئيس محمود أحمدي نجاد العام 2009.

وقال في تلك الفترة "من يتحدث إلينا عن +التعاطف الإسلامي والسماح+، نجيبه: سنواصل مواجهة مثيري الشغب حتى النهاية وسنقتلع جذور الفتنة".