جاء قرار الكرملين باستدعاء 300 ألف جندي احتياطي للحرب في أوكرانيا بمثابة صدمة للعديد من الرجال الروس.

وفي المدن الكبرى، كانت حرب روسيا على جارتها أوكرانيا منذ سبعة أشهر تبدو دائما بعيدة. لكن بمجرد انتهاء خطاب الرئيس فلاديمير بوتين، أصبح إرسال المواطن الروسي إلى القتال أقرب مما كان يتخيله أي شخص.

وانفجرت محادثات المراسلة بالمناقشات القلقة حول ما سيحدث بعد ذلك. وبدأ البعض يضع خططا لتجنب الإرسال إلى الخطوط الأمامية للمعركة.

يقول ديمتري، البالغ من العمر 28 عاما والذي يعمل في مكتب في سان بطرسبرغ: "كان الأمر يشبه فيلم خيال علمي من ثمانينيات القرن الماضي. فالأمر مخيف بعض الشيء لكي أكون صادقا معك". ولم يتمكن الموظفون من بدء عملهم في ذلك اليوم، وظلوا يتابعون الحديث على شاشات التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر والهاتف المحمول.

اعتذر ديمتري عن استكمال العمل في المكتب بعد الغداء وذهب إلى بنك قريب ومعه مبلغ بالروبل لكي يستبدله بالدولار.

انتقل ديمتري من منزله إلى منزل آخر بعد أن ذهبت الشرطة إلى منزله السابق بسبب مشاركته في مسيرة مناهضة للحرب - معتقدا أنه سيكون من الصعب على السلطات العثور عليه.

ويقول: "لست متأكدا مما سأفعله بعد ذلك: السفر على متن أول طائرة إلى الخارج أو البقاء في روسيا لفترة أطول قليلا وانتظار مطاردة الشرطة في مسيرات مناهضة للحرب".

أما سيرغي - ليس اسمه الحقيقي - فقد اُستدعي بالفعل.

كان سيرغي، وهو طالب دكتوراه يبلغ من العمر 26 عاما ويعمل محاضرا في جامعة روسية بارزة، ينتظر وصول مواد البقالة في الليلة التي سبقت خطاب بوتين عندما رن جرس الباب. وبدلا من ذلك، وجد رجلين في ثياب مدنية سلماه أوراقا عسكرية وطلبا منه التوقيع عليها.

ولدى بي بي سي نسخة من هذه الوثائق، التي تطلب منه الحضور إلى مركز التجنيد يوم الخميس.

ورقة رسمية روسية
BBC
تسلم سيرغي، طالب دكتوراه ليس لديه خبرة قتالية، أوراقا عسكرية بعد أن أعلن بوتين عن تعبئة جزئية

وقال الكرملين إنه سيتم فقط استدعاء الأشخاص الذين أدوا خدمتهم العسكرية ولديهم مهارات خاصة وخبرة قتالية. لكن سيرغي ليس لديه خبرة عسكرية، ويشعر زوج والدته بالقلق لأن التهرب من التجنيد يعد جريمة جنائية في روسيا.

يعمل زوج الأم في شركة نفط حكومية، وبعد ساعات طُلب منه تقديم قائمة بالموظفين الذين لديهم إعفاء قانوني من الخدمة العسكرية.

معظم الرجال الروس ليس لديهم إعفاء قانوني من الخدمة العسكرية، لذلك يبحث الكثير منهم عن طرق لتجنب الاستدعاء.

وفي موسكو، يقول فياتشيسلاف إنه بدأ هو وأصدقاؤه يبحثون عن علاقات في المجال الطبي لمساعدتهم على تجنب الاستدعاء.

وقال: "تبدو المشاكل المتعلقة بالصحة العقلية أو العلاج من الإدمان خيارات جيدة أو رخيصة أو ربما مجانية".

وأضاف: "إذا كنت تحت تأثير المخدرات وألقي القبض عليك أثناء قيادة السيارة، فآمل أن تُسحب رخصة القيادة، وسيتعين عليك الخضوع للعلاج. لست متأكدا من جدوى ذلك، لكن آمل أن يكون هذا كافيا لتجنب الذهاب [إلى الجيش]".

وتجنب صهره الاستدعاء بصعوبة لأنه لم يكن في المنزل عندما ذهب المسؤولون. واطلعت والدته على الوثائق التي تطالبه بالحضور إلى الخدمة بين 19 و23 سبتمبر/أيلول.

يقول فياتشيسلاف: "إنه يحجز نفسه الآن في غرفة واحدة ويرفض الخروج. لديه طفلان صغيران، أحدهما يبلغ ثلاثة أعوام والأخر عاما واحدا، فما الذي يفترض أن يفعله؟"

وقال رجل آخر من كالينينغراد لبي بي سي إنه سيفعل أي شيء لتجنب التجنيد. وأضاف "سأكسر ذراعي ورجلي، وسأذهب إلى السجن، وسأفعل أي شيء لتجنب هذا الأمر برمته".

وشارك الآلاف من الروس في احتجاجات مناهضة للحرب في مدن عبر روسيا مساء الأربعاء. وقال كثيرون إنهم تسلموا أوراق استدعاء إما في الشارع أو لاحقا في مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة.

وأدرجت منظمة "أو في دي إنفو" الحقوقية ما يصل إلى 10 مراكز شرطة في موسكو وحدها تسلم فيها المتظاهرون أوراق استدعائهم للتجنيد. ورفض رجل واحد على الأقل في منطقة فيرنادسكي بموسكو التوقيع، وهُدد بمواجهة قضية جنائية.

وقالت امرأة لموقع ميديازونا المستقل على الإنترنت إن زوجها اُعتقل في مظاهرة مناهضة للحرب في أربات بوسط موسكو. اقتيد الرجل إلى مركز للشرطة، وسُلم أوراق استدعائه ووقع عليها أثناء تصويره بالفيديو من قبل الشرطة. وطُلب منه أن يحضر للتجنيد يوم الخميس.

كان ميخائيل، 25 عاما، قد غادر روسيا متجها إلى جورجيا المجاورة في بداية الحرب ولم يعد إلى بلدته الصغيرة في جبال الأورال إلا منذ بضعة أيام. كان يخطط للعودة، لكنه يشعر بالقلق الآن من تهديد الأسلحة النووية للرئيس بوتين، وسيبقى في روسيا بالقرب من عائلته.

وقال: "نحن في حالة من الذعر. في بلدتي، تلقى الكثيرون بالفعل أوراق استدعاء، لكنني لست مسجلا للعيش هنا، لذا لم أتلق شيئا".

وكان قد حصل مؤخرا على وظيفة جيدة في تبليسي، لكنه يرى الآن أنه لا طائل من ورائها بسبب التصعيد العسكري لفلاديمير بوتين.

وقال ميخائيل: "في 21 سبتمبر/أيلول، تمكن من تدمير حتى الفوضى التي أحدثها لأول مرة في 24 فبراير/شباط [بداية الغزو]. لقد توقفت عن الاهتمام بالأمر تماما، وأنا أعيش يوما بيوم فقط".